لا يبدو أن خطاب دولة الإمارات المكثف عن التسامح قد نجح في التغطية على سلوكها العدائي وغير المتسامح تجاه حقوق الإنسان في ظل واقع القمع الذي يطغى على المشهد في الدولة.
وقال مركز مناصرة معتقلي الإمارات في بيان تلقت “إمارات ليكس” نسخة منه، إن سردية التسامح في الإمارات لم تعد تنطلي على أحد، بل تحولت إلى ما يشبه “النكتة” في أوساط المجتمع الحقوقي والدولي.
وذكر المركز أن هذا الواقع، يمكن رصده في تقارير المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام الغربية، التي أصبحت صفحاتها تزخر بمقالات عن تناقضات التسامح الإماراتي، وتصفه بشكل صريح بأنه تسامح زائف، يهدف إلى التغطية على سلوك الحكومة الإماراتية غير متسامح.
في 2021 على سبيل المثال، نشرت “هيومان رايتس ووتش” تقريرين عن التسامح الإماراتي المزعوم، جاء الأول تحت عنوان: ” الإمارات: واقع الانتهاكات يتعارض مع خطاب التسامح”.
استعرضت فيه المنظمة الحقوقية الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الإمارات في داخل وخارج البلاد خلال عام 2020، مشيرة إلى أن الحكومة الإماراتية سجنت المنتقدين السلميين، وتقوم باحتجاز الأفراد بشكل تعسفي بمعزل عن العالم الخارجي، وتعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة، والحبس الانفرادي المطوّل، والحرمان من الوصول إلى المساعدة القانونية.
أما التقرير الثاني، فجاء تحت عنوان: “الإمارات: رواية التسامح الزائفة”، وقد أشارت فيه “رايتس ووتش” إلى جهود أبوظبي لاستخدام الأحداث الثقافية مثل “إكسبو” للترويج لصورتها كبلد متسامح ومنفتح بهدف التغطية على انتهاكاتها الممنهجة لحقوق الإنسان.
وفي نفس العام، أصدر مركز الخليج لحقوق الإنسان تقريراً تحت عنوان: “التعذيب في دولة الإمارات العربية المتحدة: إشاعة التسامح”، والذي أشار إلى أن حكام الإمارات يحاولون تقديم دولتهم كسفيرة للتسامح ويستخدمون شعارات براقة يختبىء خلفها واقع خانق عملت الدولة الخليجية فيه تدريجيًا على كتم أي صوت أو فكرة.
وقد سلط التقرير الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان داخل سجون أبوظبي، وركز بشكل خاص على التعذيب الممنهج الذي تمارسه السلطات الإماراتية في سجن الرزين، بما في ذلك استخدام الصدمات الكهربائية والحبس الانفرادي.
كذلك، انتقدت منظمة سيفيكوس الحقوقية في تقرير لها صدر في 2020، التناقص بين خطاب الإمارات حول التسامح وسلوكها في الاعتداء على حقوق الإنسان، حيث قالت في تقرير لها جاء تحت عنوان : “الإمارات العربية المتحدة تواصل اعتداءها غير المبرر على الرغم من إعلان التسامح”.
وقالت المنظمة إن السلطات الإماراتية تواصل الترويج للدولة كمنصة للتسامح وحرية التعبير لكن سلوكها في القمع المستمر للأصوات المعارضة في الداخل يتعارض مع هذا الادعاء.
هذه التقارير لم تنحصر فقط على الوسط الحقوقي، بل امتدت لتشمل الوسط الإعلامي والسياسي، إذ وصف الكاتب البريطاني بريان ويتاكر تصوير حكومة الإمارات على أنها متسامحة أمر مضحك.
إذ قال في مقالة تحت عنوان: “الإمارات: تشجيع التسامح أم إخفاء التعصب؟” إن أبوظبي كثفت جهودها مؤخرًا لتقديم صورة عن نفسها كدولة تقدمية وتحترم الحقوق.
وأضاف ويتاكر أن السلطات الإماراتية قامت باستضافة أول قمة عالمية للتسامح، وذلك ضمن محاولتها لتسخير قوة العلاقات العامة لإضفاء لمعان من الاحترام لحكومتها الاستبدادية.
وأكد أن تلك القمة لا تتوافق مع اعتداء الإمارات المستمر على حرية التعبير منذ عام 2011، حيث تحتجز السلطات وتخفي قسراً الأشخاص الذين ينتقدون الحكومة، وتسجن لفترات طويلة من تعتبرهم مذنبين بارتكاب أفعال غامضة مثل “تقويض الوحدة الوطنية” و”إهانة رموز الدولة”.
الكاتب الأمريكي، روبرت ورث، سخر أيضاً في إحدى مقالاته من خطاب التسامح الإماراتي، حيث قال في مقالة مطولة في صحيفة نيويورك تايمز إن الإمارات ذهبت إلى أبعد مدى للإعلان عن التزامها بالتعددية والتسامح.
حيث قامت ببناء تمثال برونزي كبير خارج المكتب الرئيسي لمحمد بن زايد في أبوظبي، مكتوب عليه كلمة “التسامح” بالأحرف الإنجليزية، و أنشأت الحكومة وزارة التسامح، وتم إعلان عام 2019 بأنه عام التسامح، الذي انطلق في فبراير من خلال زيارة البابا فرانسيس.
لكن التسامح بحسب ورث، لا يمتد إلى الإسلاميين أو أي شخص يتعاطف معهم. فوفقاً لروث فإن دولة الإمارات العربية المتحدة اتخذت إجراءات صارمة ضد الإسلاميين منذ عام 2011، واعتقلتهم وحبستهم بشكل جماعي، بذرائع واهية.
وأضاف الكاتب الأمريكي، أنه في عام 2012، أغلقت السلطات الإماراتية مكاتب دبي التابعة للمعهد الديمقراطي الوطني ومؤسسات أجنبية أخرى تدعم المؤسسات الديمقراطية.
وفي عام 2014، صنفت الحكومة رسميًا جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. وقد حاكمت محاميا واحدا على الأقل دافع عن الإسلاميين، بل وفي بعض الحالات، قام بمقاضاة المنتقدين العلمانيين للحكومة.
بدوره، أكد الكاتب البريطاني بيل لو في مقالة على موقع “ميدل إيست أي” أن تعريف التسامح الإماراتي يثير في داخله “تنافر معرفي”، لأن آخر شيء تقريبًا تظهره حكومة الإمارات هو استعدادها لتحمل الآراء أو السلوكيات التي تتحدى أو تشكك في سلطة الدولة، النظام الحاكم.
وأضاف بيل في المقالة: “لكن لا تأخذوا كلامي على محمل الجد. اسألوا ناصر بن غيث أو أحمد منصور أو تيسير النجار. آسف، لا يمكنكم ذلك، فهم جميعًا في السجن لأنهم تجرأوا على انتقاد السلطات، إلى جانب عشرات آخرين يُعتبرون تهديدًا لأمن الدولة”.
ولعل من الواضح تماماً بعد هذه الأمثلة، أن الإمارات خسرت صراع الصورة، حيث انتصرت صورة القمع على حساب صورة التسامح التي تحاول السلطات ترويجها، وهذا تماماً كان محور أحد النقاشات التي أثارها أحد البرامج في إذاعة “مونت كارلو” الفرنسية.
وقد سلطت الإذاعة الدولية الشهيرة الضوء على ما قالت إنه حالة تناقض صارخة في دولة الإمارات العربية المتحدة، بين صورتي التسامح والقمع، مؤكدة أن الإمارات تعاني من واقع تناقض صارخ بين صورة تروج للتسامح وثانية تقمع وتسجن وتصادر حرية الرأي والتعبير.