تتفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل غير مسبوق في دولة الإمارات العربية المتحدة لتنذر بمستقبل كارثي يهدد قطاعات العقارات والشركات والبنوك العاملة في الدولة.
ويأتي استمرار تفاقم الأزمة الاقتصادية للإمارات فيما يواصل النظام الحاكم فيه تدخلاته الخارجية الإجرامية وشن حروب بالوكالة والتسبب بمزيد من الاضطرابات السياسية في المنطقة.
عقارات دبي تفقد بريقه
تهدد الأزمة الاقتصادية في الإمارات بشكل رئيسي إمارة دبي التي تغرق في ازمة عقارات تهدد مستقبل الانتعاش المالي للإمارة التي كانت مركز جذب للأثرياء والثروة في منطقة الخليج.
وحسب تقرير صدر عن وكالة “نايت فرانك”، كبرى وكالات العقارات العالمية التي يوجد مقرها في لندن، فقد انخفضت أسعار العقارات في إمارة دبي بنسبة 25% منذ عام 2015.
ويشير تقرير الوكالة، الذي نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” جزءاً منه، إلى أن بريق دبي التي كانت في السابق من أهم مراكز الجذب العقاري في العالم، خاصة بالنسبة للأثرياء، بدأ يخفت، في الآونة الأخيرة.
وحسب الوكالة، فإن دبي كانت المدينة الأسوأ أداءً من حيث أسعار العقارات، خلال العامين الماضيين.
ومن بين العوامل العديدة التي أشارت إليها وكالة “نايت فرانك”، انخفاض أسعار النفط، والاضطراب السياسي في المنطقة العربية.
لكن هناك عوامل مهمة أخرى، من بينها خسارة إمارة دبي للاستثمارات العقارية التي كانت تتدفق عليها من أثرياء السعودية، حيث أسهمت الهجمة الشرسة من قبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على الأثرياء في المملكة، تحت ما يسميه حملة “مكافحة الفساد”، في تجميد الثروات السعودية ومخاوف الأثرياء من الاستثمار في دبي، خاصة أن القيادة السياسية في دولة الإمارات تربطها علاقات قوية مع ولي العهد السعودي، وبالتالي يتخوف أثرياء السعودية من كشف استثماراتهم في دبي للحكومة السعودية، وربما يقود ذلك إلى مساءلتهم، أو ربما مصادرتها بتهم الفساد.
أما العامل الآخر غير المرئي، فهو المنافسة التي باتت دبي تجدها من إمارة أبوظبي، التي طورت، في الآونة الأخيرة، مجموعة من الجزر وبنت فيها عقارات حديثة تنافس عقارات دبي، وبالتالي تحوّل أثرياء أبوظبي من الاستثمار في دبي إلى الاستثمار في العاصمة الإماراتية، وهذا العامل يضاف إلى العامل السعودي الذي قلل من الطلب على العقارات الفاخرة في دبي.
وكانت عقارات دبي قد تعرضت لضربة كبرى، في النصف الأول من عام 2017 وطوال العام الماضي، حينما انسحب المستثمرون القطريون بعد الحصار الرباعي على قطر ومنع مواطنيها من السفر إلى دول الحصار، وهو ما اضطر العديد من أثرياء قطر إلى التوقف عن شراء العقارات في دبي والتخلص من موجوداتهم العقارية. وقدّر وقتها حجم خسارة دبي العقارية من الحصار بحوالى 50 مليار دولار.
أما العامل الآخر فهو، غلاء المعيشة في دبي، حيث ارتفعت كلفة معيشة العائلة، بما في ذلك كلفة الإيجار إلى 15 ألف درهم في الشهر، حسب موقع “بومبيو” لقياس مستويات المعيشة في المدن الكبرى.
ويلاحظ أن هذا الرقم لا يشمل كلف التعليم الذي يصل إلى مبالغ تتراوح بين 40 و50 ألف درهم في السنة بالمدارس الخاصة، وبالتالي، فإن المغتربين باتوا لا يستطيعون التوفير في دبي مثلما كانوا في السابق.
وأدى هذا العامل إلى تقلص حجم الشركات الجديدة في دبي. ويعد القطاع العقاري من أهم مؤشرات الأداء العقاري في إمارة دبي. وبالتالي، يرى التقرير البريطاني أن تدهور أسعار العقارات ستكون له تداعيات سالبة على مجمل الأنشطة المالية في دبي.
وتعاني دبي، منذ أكثر من عام، من تخمة عقارية، حيث يرتفع عدد الفلل والشقق الجديدة التي ترد إلى السوق، وتنخفض في ذات الوقت طلبات الشراء.
يذكر أن العديد من أثرياء العالم وبعض الساسة من الدول الأفريقية والآسيوية كانوا يستخدمون عقارات دبي لإخفاء ثرواتهم وغسل الأموال المنهوبة من بلادهم. ولكن في الآونة الأخيرة، هناك مطالبات لدبي بالكشف عن قوائم المشترين من حكومات آسيوية وأفريقية، حيث تطالب كل من نيجيريا وباكستان والهند حكومة الإمارات بالكشف عن ممتلكات أثرياء ومسؤولين سابقين تتهمهم بالفساد وسرقة الأموال.
وكانت حكومة نيجيريا قد قدمت طلبات رسمية في عام 2017 لحكومة الإمارات بقوائم متهمين نيجيريين يخفون أموالهم في عقارات دبي، وكذلك الحكومة الباكستانية الجديدة.
على صعيد التخمة العقارية، وحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، طورت دبي، خلال الأعوام السابقة، مجموعة من البنايات السكنية على “اعتبارات خاطئة”، قائمة على مبدأ “طوّر شققاً حديثة وفخمة والأثرياء سيشترون”.
وكان هذا المفهوم ناجحاً حينما كانت المنطقة مستقرة وأثرياء الخليج يشترون في دبي من دون خوف أو كوابح. أما الآن، فهناك العديد من المخاوف التي تكبح الاستثمار الخليجي والعالمي في دبي.
وحسب عاملين في قطاع العقارات الإماراتي، فإن المستثمر السعودي بات يخاف على ثروته من حملات بن سلمان، في حين يخاف الأجنبي من مطاردات قوانين غسل الأموال والشفافية.
وعلى صعيد حساب المخاطر، فإن الاضطرابات السياسية في المنطقة باتت غير مريحة بالنسبة للمستثمر الأجنبي وتنذر بارتفاع المخاطر. وكل هذه العوامل تضافرت مع تدهور أسعار النفط وغلاء كلفة المعيشة لتضرب السوق العقاري في دبي.
ويشير تقرير “وول ستريت جورنال” إلى أن حكومة دبي تعمل على جذب المستثمرين عبر إجراءات تسهيل الإقامة وتأشيرات الدخول وحوافز التمويل، ومن بين هذه الحوافز منح إقامات طويلة تتراوح بين 5 و10 سنوات مقابل شراء فيلا أو شقة.
لكن يلاحظ أن دولة مثل تركيا تمنح نفس الحوافز، وهي في نفس الوقت دولة مستقرة وتملك عوامل الازدهار والانتعاش الاقتصادي، كما أن المعيشة في تركيا أرخص كثيرا من دبي وتقل فيها المخاطر الاستثمارية. وبالتالي، فإن المستثمر الأجنبي بات يفضّل الاستثمار في تركيا مقارنة بدبي.
يشار في هذا الصدد إلى أن العائد الصافي المتحقق بعد حسم التضخم يمنح تركيا ميزة كبيرة في الاستثمار العقاري، فهي دولة تتجه اقتصاديا لدخول نادي العشرة الكبار، خلال الفترة المقبلة، حسب مسؤولين أتراك.
خسائر شركات ومصير كارثي للبنوك
أظهرت نتائج أعمال الشركات الإماراتية التي تم الإفصاح عنها تباعا، خلال الأيام القليلة الماضية، أن خسائر العديد من الشركات تجاوزت 100%، بنهاية العام الماضي 2018، ما يكشف عن المشهد القاتم الذي يخيّم على مختلف القطاعات الاقتصادية في الدولة الغنية بالنفط.
وجاءت خسائر الشركات لتزيد من مأزق الاقتصاد، خاصة بعد أن كشفت تقارير اقتصادية دولية أن البنوك في الإمارات تتصدع، بفعل تزايد حالات التعثر وتهاوي أعمال الكثير من الشركات.
وأظهرت البيانات المالية لشركة داماك العقارية، تراجع أرباحها بنسبة 58.3%، خلال العام المنتهي في 31 ديسمبر 2018.
وأشارت الشركة، في بيان منشور على موقع سوق “دبي” المالي، إلى تحقيق صافي ربح بلغ 1.151 مليار درهم إماراتي، مقابل صافي ربح بلغ 2.759 مليار درهم في عام 2017، وتراجعت إيرادات الشركة خلال عام 2018 إلى 6.132 مليارات درهم.
وكانت الشركة قد حققت تراجعاً في الأرباح بلغ 1.1 مليار درهم، خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، مقابل صافي ربح 2.3 مليار درهم في الفترة المقابلة من 2017.
وكشفت شركة أبوظبي لمواد البناء، المدرجة في سوق أبوظبي المالي، في كشوفاتها المالية، أن خسارتها خلال 2018 قفزت إلى 107%، مقارنة بما تكبدته في 2017، حيث وصلت إلى نحو 52.6 مليون درهم (14.3 مليون دولار)، مقابل خسارة قدرها 25.4 مليون درهم للفترة المناظرة.
كما أظهرت النتائج المالية لشركة غلفا للمياه المعدنية والصناعات التحويلية، المدرجة في بورصة دبي، ارتفاع خسائر العام الماضي بنسبة 156%، مقارنة بخسائر 2017.
وبلغ صافي خسائر الشركة 16.55 مليون درهم، مقابل خسائر بقيمة 6.5 ملايين درهم للعام 2017، فيما أرجعت هذه النتائج إلى انخفاض صافي المبيعات بنسبة 36.2%، بسبب توقف سوق سلطنة عمان، بسبب الأسعار التنافسية وانخفاض المبيعات في السوق المحلي، فضلاً عن زيادة المصاريف التشغيلية.
وتفاقمت كذلك خسائر شركة دانة غاز، المدرجة في سوق أبوظبي للأوراق المالية، بنسبة 99%، بنهاية الربع الأخير من العام الماضي، لتصل إلى 831 مليون درهم (226.3 مليون دولار)، مقابل خسائر بقيمة 153 مليون درهم في الفترة المماثلة من 2017.
وبجانب تفاقم الخسائر، لم تستطع العديد من الشركات الأخرى الحفاظ على الأرباح المسجلة في 2017، لتتحول إلى الخسارة بنهاية 2018.
وأظهرت النتائج المالية لشركة أبوظبي لبناء السفن، أن الشركة تكبدت خسارة قدرها 135.8 مليون درهم، مقابل أرباح قدرها 104.8 ملايين درهم في 2017 .
كما تحولت شركة رأس الخيمة للدواجن، المدرجة في سوق أبوظبي المالي، إلى الخسارة بقيمة 7.35 ملايين درهم، مقابل ربحية قدرها 1.17 مليون درهم، وهو ما انطبق على شركة الاتحاد للتأمين التي بلغت خسائرها 3.68 ملايين درهم، مقابل أرباح 3.897 ملايين درهم في 2017، وفقاً لبيانات الشركة المالية السنوية للعام الماضي.
ومن المنتظر أن تلقي نتائج أعمال الشركات بنتائج سلبية أكبر على القطاع المصرفي، الذي تخيّم الضبابية على مصيره، بينما لاذت العديد من البنوك بعمليات اندماج بينها من أجل إنقاذ وجودها.
وكانت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأميركية قد ذكرت، في تقرير لها، في يناير/كانون الثاني الماضي، أن بنوك الإمارات تتصدع من جراء ارتفاع معدلات التعثر، وتراجع أسعار العقارات، وتضرر الشركات الصغيرة والمتوسطة، في ظل التراجع الاقتصادي للدولة.
وتوقعت بلومبيرغ أن ترتفع القروض المتعثرة هذا العام، وستلجأ البنوك إلى عمليات الاندماج للحفاظ على قدرتها التنافسية. وتواجه الإمارات ضغوطاً مالية بسبب تراجع أسعار النفط والصراعات السياسية، ما أضر بمناخ الاستثمار في الدولة وجاذبيتها في قطاعات رئيسية مثل العقارات والسياحة والبنوك.
وأكدت أن الآمال بانتعاش الاقتصاد في دبي، خلال السنوات الثلاث الماضية، غابت، وهو ما زاد الضغط على المقرضين، فقد انخفضت أسعار العقارات والإيجارات، حيث تجاوَز العرضُ الطلبَ، وهو ما أفسح المجال لخروج الكثير من المستثمرين، خاصة أن هناك توقعات تشير إلى استمرار الركود سنتين أو ثلاثاً قادمة.
وأشارت بلومبيرغ إلى أن أحد أصغر البنوك في الدولة يخضع حاليا لبرنامج إنقاذ. وكان مصرف الإمارات المركزي قد أعلن، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنه يدعم “بنك الاستثمار” بكافة تسهيلات السيولة المتاحة لمواجهة احتمال التعثر، مشيرا إلى أنه يعمل مع البنك وحكومة الشارقة لوضع خطة لتقوية وتعزيز قاعدة رأسماله.
ويبدو أن مصير الاندماج يتجه أيضا صوب مصرف أبوظبي الإسلامي، أحد أكبر البنوك في الإمارات، بعد أن كشفت وكالة بلومبيرغ، يوم الخميس الماضي، أنه يدرس خيارات استراتيجية لأعماله ومن ضمنها خطط للاندماج، وهو ما دعا البنك إلى إرسال إفصاح إلى بورصة دبي، أمس الأحد، أكد فيه أنه “يدرس دائماً الفرص الموجودة في السوق التي من شأنها التعزيز من قاعدة عملائه ومن حصته السوقية” من دون تقديم المزيد من التفاصيل.