نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرا كشفت فيه أن موجات من الطائرات المحملة بالمساعدات من الإمارات وروسيا وراء استمرار الحرب في ليبيا بحسب ما وثق تفرير أممي.
وأشارت الصحيفة إلى تقرير سري سيقدم إلى الأمم المتحدة يوم الجمعة مشيرا إلى مؤتمر برلين الذي عقد في بداية العام حيث كشف عن تناقض يحيط به ولم يكن خاف على أحد وهو أن الكثير من الداعين لوقف الحرب والحاضرين في المؤتمر هم أنفسهم من يسهمون في تغذيتها. ولكن قلة كانت تتوقع أن يكون النفاق صارخا بدرجة كبيرة.
ومع التقاط صورة جماعية مع راعية المؤتمر المستشارة أنغيلا ميركل في 19 كانون الثاني/ يناير بعدما تعهد المشاركون باحترام قرار حظر تصدير السلاح إلى ليبيا كانت خمس طائرات من روسيا والإمارات تحلق في الجو وفي طريقها إلى ساحات القتال في ليبيا، جاء هذا التقرير عن الدول التي خرقت حظر تصدير السلاح إلى ليبيا.
والحديث عن خرق القرار ليس جديدا، حيث يصف المسؤولون في الأمم المتحدة القرار بأنه “نكتة” إلا أن حجم الخروقات المترافقة مع نوعية السلاح المتقدم الذي يتم تداوله في ليبيا اليوم أثارت القلق البالغ.
واستخدم المحققون بيانات الرحلات الجوية وأدوات أخرى للكشف عن الخروقات الفظيعة من قادة استهزأوا بالحظر وكيف وصل إلى مستويات جديدة.
وفي 19 كانون الثاني/ يناير كانت أربع طائرات من الخمس قادمة من الإمارات العربية المتحدة التي كان زعيمها، محمد بن زايد يبتسم وهو يتناول الغذاء مع المستشارة الألمانية في غرفة مضيئة وقبل بدء مؤتمر السلام. وهو إلى جانب مصر وروسيا يدعم الجنرال المتمرد خليفة حفتر. أما الطائرة الخامسة في ذلك اليوم فقد جاءت من روسيا، وهي واحدة من 350 رحلة إمداد عسكرية خلال الأشهر التسعة السابقة والتي زادت من عدد المرتزقة الروس والسوريين إلى حوالي 5.000 مقاتلا، حسب آخر تقدير أمريكي.
ويأتي التقرير الذي اطلعت عليه صحيفة “نيويورك تايمز” وأكد ما فيه مسؤولون في وقت تشهد فيه ليبيا حالة من عدم الإستقرار مما زاد من مخاوف جولة جديدة من الحرب قد تكون أكثر شدة وتدميرا من سابقتها.
وقالت القائمة بأعمال المبعوث الدولي للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز في شهادة لمجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء: “تقف ليبيا بالتأكيد أمام نقطة تحول حاسمة”.
وتعيش ليبيا منذ سقوط معمر القذافي عام 2011 حالة من الفوضى وهي منقسمة إلى حكومتين في الشرق والغرب تدعم كل واحدة قوى أجنبية. وبعد عام من حصاره العاصمة طرابلس، انتهت محاولة خليفة حفتر بالفشل في حزيران/ يونيو ولكنها أدت إلى تورط عميق لكل من تركيا وروسيا في ليبيا. ومع توقف إنتاج النفط غرق الإقتصاد أكثر مما زاد من مشاكل السكان الذين عانوا طويلا من انقطاع التيار الكهربائي وخلال الحر القائظ.
ويعتمد مصير الحرب وليبيا على قرار القوى الأجنبية التي نقلت الحرب كما يقول تقرير الأمم المتحدة إلى حرب وكالة واسعة، ومن خلال طائرة واحدة محملة بالسلاح في كل مرة. وكانت المرحلة الأخيرة من التصعيد قد حدثت عندما تدخلت تركيا وأرسلت طائرات بدون طيار ومرتزقة سوريين لمساعدة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
وردت روسيا ومصر والإمارات بضخ السلاح إلى حفتر فيما أصبحت عملية إنزال جوي غير معلن. وأحصى المحققون حوالي 339 رحلة جوية عسكرية رورسية ما بين 1 تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى 31 تموز/ يوليو، كلها انطلقت من قاعدة حيميم الروسية في سوريا ونقلت ما حجمه 17.200 طنا من الاسلحة. ودعمت الرحلات الجوية العسكرية المرتزقة الذي تستخدمهم شركة “واغنر” للتعهدات الأمنية والمقربة من الكرملين وكانت مهمة في التقدم العسكري الذي حققه حفتر وقواته.
ونفى الرئيس الروسي مرارا تورط بلاده في ليبيا. وفي الفترة ما بين كانون الأول/ ديسمبر 2019 وتموز/ يوليو وحتى بعد انهيار قوات حفتر زادت الرحلات الجوية فيما يراه المراقبون أنه زيادة في رهانات موسكو في ليبيا. ومع دخول الحرب حالة من الجمود خاصة حول سرت تم نشر المرتزقة الروس حول المنشآت النفطية الكبرى.
ويركز التقرير كثيرا على الإمارات العربية المتحدة والتي أرسلت 35 طائرة محملة بالأسلحة إلى ليبيا في الأحد عشر يوما التي أعقبت مؤتمر برلين و100 طائرة في النصف الأول من العام. واستخدمت فيها رحلات طيران تجاري مسجلة في قازخستان. وعند اقتراب هذه الطائرات الأجواء المصرية أو الليبية قام عدد منها بإغلاق أجهزة الإرسال والإستقبال التي تساعد على تحديد مواقعها. لكن محاولات اخفاء رحلات الإمدادات العسكرية كانت سطحية.
وفي بعض الرحلات أظهرت البيانات عن حمولتها أنها تحمل المواد الغذائية المجمدة وشحنات من البدلات الرجالية و800 سخان. أما البقية فقد تم تسجيلها باسم المجموعة الرابعة من سلاح الجو الإماراتي. وتوقفت ثلاث طائرات عن الطيران في أيار/ مايو عندما علقت السلطات في قازخستان رخصها بعد تلقيها شكاوى دولية. وعندها قامت القوات الإماراتية بسد الثغرة مستخدمة طائرات سي- 17 غلوبماستر لمواصلة “الجسر الجوي” حيث قامت بستين رحلة حتى 31 تموز/ يوليو.
ويقول التقرير إن الإمارات بدأت منذ أيلول/ سبتمبر 2019 بجهود لتجنيد مرتزقة سودانيين للقتال إلى جانب قوات حفتر حيث استخدمت ذرائع مشكوك فيها. فقد قيل للمرتزقة إنهم سيعملون في شركة خاصة اسمها “بلاك شيلد” ومن ثم أجبروا على التدريب العسكري وأرسلوا إلى اليمن وليبيا.
وفشلت الحكومة الإماراتية للرد على عدد من الرسائل التي أرسلها المحققون وطلبوا فيها تزويدهم بمعلومات أو التعليق على نشاطاتها في ليبيا. وعلى الجانب الآخر من القتال يتهم التقرير بخروقات عدة للحظر. ففي تموز/ يوليو فشلت ثلاث محاولات أوروبية لمنع نقل السلاح إلى ليبيا حيث اعترضتها بوارج حربية تركية. وزعمت تركيا أن السفن كانت محملة بالمواد الإنسانية. وأرسلت تركيا مساعدات عسكرية عبر طائرات مدنية من غرب تركيا.
ولاحظ التقرير “كان من المستحيل حجز مقعد في أي من هذه الطائرات” و”لم تكن الطائرات لمسافرين اشتروا تذاكر”. في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو وصلت خمس طائرات تابعة لسلاح الجو القطري وزار وزير الدفاع القطري قبل فترة مع نظيره التركي للتضامن مع حكومة الوفاق. وقال دبلوماسي غربي أن قطر استأنفت دعم حكومة الوفاق.
وعاني المدنيون الليبيون من الحرب بالوكالة ولدى المحققون أدلة أن المقاتلات الإماراتية شنت غارات ضد معسكر للاجئين في طرابلس وقتلت 42 لاجئا في تموز/ يوليو 2019. وتتهم الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان المرتزقة الروس بزرع الألغام والمفخخات في الأماكن السكنية القريبة من طرابلس والتي قتلت على الأقل 61 شخصا وجرحت 113 شخصا.