موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات وسيط للقمع العابر للحدود: قضية صمويل أوياي في دبي نموذجاً

662

قالت وكالة أسوشييتد برس الأمريكية، إن الإمارات أصبحت “وسيطاً للقمع العابر للحدود”، وذلك في تعليقها على اعتقال المعارض السياسي الجنوب سوداني صمويل بيتر أوياي في دبي منذ أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب آرائه السياسية المنتقدة لحكومة بلاده.

وأثار اعتقال أوياي، الذي يعيش في الإمارات منذ عام 2014، مخاوف واسعة من أن أبوظبي باتت منصةً لتسهيل استهداف المعارضين والمنتقدين الأجانب لصالح حكوماتهم، في انتهاك واضح لحقوق الإنسان وحرية التعبير.

وفقاً لتقرير الوكالة الأمريكية، اعتُقل أوياي من منزله في دبي في 30 سبتمبر، بعد أيام فقط من نشره مقالاً عبر منصة “راديو تمازج” الهولندية، انتقد فيه الرئيس سلفا كير واتهمه بإضعاف المؤسسات الحكومية لترسيخ سلطته، كما دافع عن القيادي المعارض ريك مشار الذي يواجه محاكمة مثيرة للجدل بتهم الخيانة.

وقالت زوجته فيفيان جونسون لـ”أسوشييتد برس” إنها لم تتحدث إلى زوجها سوى ثلاث مرات منذ اعتقاله، مضيفةً أن آخر مكالمة كانت في 25 أكتوبر واستمرت أقل من دقيقة، دون أن يفصح خلالها عن مكان احتجازه أو وضعه الصحي.

وأضافت أن قوة أمنية إماراتية داهمت المنزل، واحتجزت الأسرة في غرفة منفصلة وصادرت الأجهزة الإلكترونية قبل أن تقتاده إلى جهة مجهولة، دون مذكرة توقيف أو توضيح رسمي.

وتابعت: “قيل لنا إنهم سيتصلون خلال خمسة أيام لإبلاغنا بالتفاصيل، لكن لم يتواصل معنا أحد منذ ذلك الحين”، مؤكدة أن الأسرة “تعيش في خوف دائم” من مصير مجهول يواجه أوياي.

الإمارات مركز لتسهيل القمع السياسي

بحسب الوكالة، فإن اعتقال أوياي يكشف اتساع نطاق القمع العابر للحدود الذي تمارسه الإمارات، حيث باتت سلطاتها تُسخّر أراضيها وأجهزتها الأمنية لتسليم أو احتجاز شخصيات أجنبية معارضة بطلب من حكوماتها.

وقالت سارة قضاة، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين، إن الإمارات “غالباً ما تُسهّل القمع العابر للحدود، لكن استهداف عامل في الإعلام مثل أوياي يمثل تصعيداً خطيراً”.

وأضافت: “اعتقاله يوضح مجدداً أن الإمارات لا تتسامح مع حرية الصحافة، حتى عندما يتعلق الأمر بأجانب لا ينتقدونها مباشرة. غياب المعلومات عن التهم أو مكان الاحتجاز يثير القلق بشأن شفافيتها وعدالة نظامها القضائي.”

ورغم المطالبات المتكررة من عائلته وجهات حقوقية لمعرفة مصيره، امتنعت السلطات الإماراتية وجنوب السودان عن التعليق، في وقت تتنامى فيه العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.

فقد زار الرئيس كير دبي الشهر الماضي للمرة الثالثة خلال عامين، في إطار تعزيز الاستثمارات الإماراتية التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات في شرق إفريقيا.

أمثلة أخرى على القمع العابر للحدود الذي تمارسه الإمارات

ليست قضية أوياي الأولى التي تُتهم فيها أبوظبي بالتورط في ملاحقة معارضين أجانب. فخلال السنوات الأخيرة، سجلت منظمات حقوقية عدة حالات تؤكد اتساع ظاهرة “القمع العابر للحدود” من داخل الإمارات أو عبر تعاونها مع أجهزة أمنية أجنبية:

تسليم معارض مصري إلى القاهرة (2019)

في يوليو/تموز 2019، سلّمت الإمارات الصحفي المصري عبدالله الشريف إلى السلطات المصرية بعد توقيفه في مطار دبي أثناء ترانزيت، رغم أنه يحمل إقامة قانونية في قطر.

ورغم نفي رسمي لاحق، أكدت مصادر حقوقية أن تسليمه تم بناءً على مذكرة من الإنتربول المصري، في خطوة انتُقدت دولياً باعتبارها انتهاكاً لاتفاقيات اللجوء والحماية الدولية.

احتجاز الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز (2018)

الباحث في شؤون الخليج ماثيو هيدجز اعتُقل في أبوظبي أثناء زيارة أكاديمية واتُّهم بالتجسس لصالح المخابرات البريطانية. وبعد حملة ضغط دولية مكثفة، أُفرج عنه بعفو رئاسي.

ورغم أنه ليس “قمعاً عبر الحدود” بالمعنى التقليدي، فإن القضية أبرزت كيفية استخدام الإمارات قوانينها الأمنية لتكميم الأصوات التي تنشر تحليلات أو آراء لا ترضي السلطات.

تسليم المعارض اليمني محمد الحضرمي (2021)

وثقت منظمات يمنية أن الإمارات سلّمت الناشط الحقوقي محمد الحضرمي إلى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم منها في عدن، بعد احتجازه في مطار دبي أثناء توجهه إلى أوروبا. ومنذ تسليمه، انقطعت أخباره وسط تقارير عن تعرضه للتعذيب في سجون تابعة لقوات الانتقالي.

التعاون مع الهند في ملاحقة كشميريين معارضين (2023)

أوردت منظمة “مركز الخليج لحقوق الإنسان” أن الإمارات سلمت في العام الماضي معارضين كشميريين إلى نيودلهي، استجابة لطلبات سياسية من الحكومة الهندية. واعتبرت المنظمة أن ذلك “جزء من سياسة أبوظبي الداعمة لقمع الحريات السياسية في بلدان حليفة”.

الترحيل القسري لناشط تونسي (2024)

في العام الماضي، أثار ترحيل الناشط التونسي مروان البدوي من دبي إلى بلاده جدلاً واسعاً، إذ كان يواجه تهماً تتعلق بانتقاد سياسات الرئيس قيس سعيد على الإنترنت. وقالت منظمات تونسية إن الإمارات خالفت القانون الدولي حين طردته رغم علمها بأنه سيُعتقل فور وصوله.

نمط متكرر من الانتهاكات

هذه الوقائع مجتمعة تؤكد، بحسب مراقبين، أن الإمارات تستخدم موقعها كمركز مالي واقتصادي عالمي لتمرير أجندة سياسية تهدف إلى حماية حلفائها في المنطقة وقمع الأصوات المعارضة لهم. وتستغل قوانينها الفضفاضة حول “الأمن الوطني” لتبرير الاعتقالات والترحيلات التي تطال صحفيين وناشطين أجانب.

كما أشار تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2025 إلى أن “الإمارات لا تكتفي بقمع مواطنيها، بل أصبحت لاعباً محورياً في تسهيل القمع عبر الحدود من خلال احتجاز وتسليم معارضين سياسيين من دول أخرى”.

وأضاف التقرير أن السلطات الإماراتية “تستخدم نظامها القضائي المغلق وتعاونها الأمني الدولي لإضفاء شرعية شكلية على انتهاكاتها”.

وعليه تتزايد المؤشرات على أن الإمارات، التي تقدم نفسها كـ”واحة استقرار وتسامح”، باتت في الواقع مركزاً إقليمياً للقمع العابر للحدود.

فاعتقال صمويل أوياي، بعد سلسلة من الحالات المشابهة، يعكس تحوّلها إلى ملاذ آمن للأنظمة القمعية التي تستخدم نفوذها المالي لتكميم الأصوات المعارضة، حتى خارج حدودها الجغرافية.

وفي ظل غياب الشفافية واستمرار الصمت الرسمي، يبقى مصير أوياي مجهولاً، بينما تتسع دائرة الانتقادات الدولية لأبوظبي بوصفها دولة تُقايض الحريات بالتحالفات والمصالح السياسية.