كشفت تسريبات إعلامية أمريكية مؤخرا عن اجتماعات سرية بين دولة الإمارات وإسرائيل لبحث خطوات التصعيد المقبلة ضد إيران والموقف من التعامل معها.
وتعكس هذه الاجتماعات بحسب مراقبين حدة التطور الهائل في التنسيق والتعاون الأمني بين النظام الإماراتي وإسرائيل بزعم موجهة العدو المشترك متمثلا في إيران.
غير أن هذا التنسيق والتعاون المشترك يأخذ أبعادا أكبر من خلال اعتبار إسرائيل دولة الإمارات بوابة لها لتعزيز وجودها المشبوه في منطقة الخليج في خضم “الحرب النفسية” التي تشهدها منذ أشهر بما في ذلك مضيق هرمز وتذبذب “حرب احتجاز الناقلات” بين لندن وطهران.
كما يأتي ذلك في سياق معركة التصريحات الأميركية والتصريحات الإيرانية المضادة، بشأن أمن الخليج، وإمكانية تشكيل “تحالف بحري دولي” لحمايته.
وقد برز بعدا استراتيجيا جديدا بشأن المحادثات الجارية لإقامة هذا التحالف يتعلق بمشاركة إسرائيل في المباحثات الدولية على نحو ما أعلن وزير خارجيتها، يسرائيل كاتس، الذي قال أمام الكنيست إن هذه المشاركة تقرّرت بعد زيارته أبوظبي، واجتماعه بمسؤول إماراتي رفيع المستوى، في يوليو/ تموز الماضي.
وهذا المسئول يقصد به الوزير الإسرائيلي ولي عهد أبوظبي الحاكم الفعلي لدولة الإمارات محمد بن زايد الذي يظهر تحمسا دائما لتعزيز العلاقات والتعاون الأمني مع إسرائيل.
ويكشف هذا الإعلان من إسرائيل تطوّراً وتمدّداً في طبيعة الدور الوظيفي الإسرائيلي في النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، الجارية إعادة تشكيله على قدم وساق حالياً، بما ينطوي عليه من انعكاساتٍ على أمن الخليج والبحر الأحمر خصوصاً، والأمن العربي والإقليمي عموماً، ما يضفي على المشهد الإقليمي مزيداً من التعقيد والتوتر إجمالاً.
وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تريد على الأرجح مواجهةً مباشرة/ شاملة مع إيران، فهي لا ترى بأساً من ممارسة ضغوطٍ عليها، في إطار التصعيد الأميركي/ البريطاني ضد طهران، فالوجود على مقربةٍ من ساحات إيران الخلفية، سواء في مياه الخليج، أو عبر توجيه ضرباتٍ سريعة/ موضعية للمليشيات في العراق يساهم من منظور إسرائيل في التأثير على خيارات طهران، وربما يؤدي إلى إيجاد حالةٍ من “التوازن في التهديد/ الردع المتبادل”.
وكما تؤثّر إيران على المسرحين السوري واللبناني، تستطيع إسرائيل أن تلعب “دوراً ما” في أمن الخليج، وتعزيز تطبيعها السياسي/ الاستراتيجي/ الاستخباري/ الأمني مع أبوظبي والرياض المفيد لإسرائيل وأميركا في ترويج “صفقة القرن” الأمريكية وتمويلها، فضلاً عن دعم الإمارات والسعودية ورشة المنامة الاقتصادية التي انعقدت أواخر يونيو/ حزيران الماضي.
وإضافة إلى استراتيجية تل أبيب في “صدّ إيران، وتعزيز العلاقات الإسرائيلية – الخليجية”، ثمّة احتمال أن تشارك في تأمين الملاحة في مضيق باب المندب، بما في ذلك انتشار سفنٍ حربيةٍ إسرائيليةٍ مزودة بالصواريخ في المضيق، سيكون هدفها تأمين حركة الملاحة من خطر الحوثيين في اليمن، ولا سيما لجهة تقليص قدرة إيران على استخدامهم ورقةً في معادلات الصراع الإقليمي، خصوصاً عبر ميناء الحديدة.
وبحسب دراسةٍ أعدّها الإسرائيليان يوئيل جوزنسكي وجيل هورفيتش، لمركز أبحاث الأمن القومي، فإن تحقيق وجودٍ بحري إسرائيلي في باب المندب سيكون له مردود اقتصادي؛ إذ تعكف السعودية والإمارات حالياً على تدشين موانئ خاصة بها في جيبوتي وإريتريا واليمن، ما قد يمكّن إسرائيل من الإسهام في تدشين مشاريع البنية التحتية في هذه الموانئ، ولا سيما أن الرياض وأبوظبي تخططان لتدشين مناطق صناعية ومرافق تكرير نفط ومصانع بتروكيماويات ومخازن ومناطق تجارة حرة داخل هذه الموانئ.
بيد أن توظيف إسرائيل هذا الوضع الملتهب في الخليج واليمن، في إطار تعزيز دورها الوظيفي الاستراتيجي في الشرق الأوسط يبقى محفوفاً بالمخاطر، في ظل ثلاثة متغيرات حاكمة؛ أولها احتمال إحجام الثلاثي الأميركي البريطاني الإسرائيلي عن خوض حربٍ ضد إيران، الأرجح أنها ستكون تدميرية وعالية الكلفة ومحدودة النتائج، في ظل ضعف وضع زعماء هذا الثلاثي، وتزايد متاعبهم الداخلية في إطار استعداداتهم لمعارك انتخابية قريبة، بما يحدّ من قدرتهم على المضي في تغيير توازنات الشرق الأوسط، عبر القوة العسكرية أساساً.
وثانيها الاعتراض الألماني على العمل في مهام بحريةٍ في الخليج تحت قيادة واشنطن، وانتقاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب وساطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع إيران، وعدم حماسة أغلب الساسة الأوروبيين لسياسات ترامب، باستثناء بريطانيا والدنمارك وإيطاليا وهولندا. وثالثها أن مسألة أمن الخليج واستمرارية تدفق النفط عبر مضيق هرمز تبقى مصلحة مهمة جداً لعددٍ من القوى الدولية والإقليمية، مثل روسيا والصين والهند واليابان، وهذا كله ربما يصبّ في دعم “منطق إيران” في أن تخرج مسألة أمن الخليج من الاحتكار الأميركي، ما قد يعني أن طهران ستخرج بوصفها أكبر طرفٍ مستفيدٍ في معادلات أمن الخليج الجديدة التي تتشكّل حالياً، وتنتصر رؤيتها في “أن تكون دول المنطقة هي المسؤولة عن هذا الأمن بدون تدخلات من واشنطن ولندن وتل أبيب”.
وفي حال تأكد إخفاق واشنطن في تشكيل “تحالفاتٍ دولية”، تساعدها في سياستها تجاه إيران والخليج العربي، ربما يتعرّض أمن الخليج لمزيد من “الأقلمة”، عبر الاعتراف بدور محوري لطهران فيه، مع تراجع “الهيمنة الأميركية” واحتمال دخول اللاعبين الدوليين الآخرين في معادلات أمن الخليج.
يطرح هذا الواقع الجديد في الخليج والعالم العربي تساؤلاتٍ وجودية، فهل بات أمن الخليج قضيةً دولية وإقليمية، بحيث لا يملك العرب عموماً، ودول الخليج خصوصاً، أي دور فيه؟ وهل يمكن أن يلجأ العرب والخليجيون إلى الحوار مع إيران والتفاهم معها، لتأمين مصالحهم، ويخفّفوا من اعتمادهم على أميركا وإسرائيل؟ وهل يمكن أن تخرج إيران رابحةً في هذه الجولة باستقطاب السعودية إلى حوار أمني/ استراتيجي معها، مثلما نجحت مع الإمارات؟ وما الذي يكشفه هذا الموقف برمته من دلالة بالنسبة لدور إسرائيل؟ وكيف تعاظم دورها في المنطقة، عبر تطبيعها مع دول الخليج والمشاركة في هذا “التحالف البحري المرتقب”، لتقول كلمتها في أمن الخليج عام 2019، بعد أن كانت إدارة جورج بوش الأب طلبت من إسرائيل إبّان الحرب على العراق عام 1991، عدم التدخل، والامتناع عن الرد على الصواريخ العراقية التي استهدفتها آنذاك؟
باختصار، يدخل الصراع الإيراني – الإسرائيلي مرحلةً جديدة، فيها تعقيد وتشابك كبيران. بيد أن “تمدد إسرائيل” نحو الخليج العربي والبحر الأحمر لم يحدث بسبب زيادة موارد القوة الذاتية لدولة الاحتلال، وإنما بسبب سياسات الثلاثي السعودي الإماراتي المصري التي أدّت إلى تفاقم الضعف العربي، وانهيار بنية “الأمن العربي”، وتعزيز الدور الإسرائيلي في إقليم الشرق الأوسط، بعد إفشال الموجة الأولى من الثورات العربية.