موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

إمبراطورية الإمارات المضادة للثورات: من الربيع العربي إلى شبكة نفوذ عالمية

699

حين اندلع الربيع العربي عام 2011، رأت فيه بعض الشعوب نافذة للحرية والكرامة، لكن أبوظبي قرأته كتهديد وجودي. ومنذ ذلك الحين، كرّست الإمارات مواردها لبناء إمبراطورية غير معلنة، عمادها الميليشيات، والمرتزقة، والموانئ، والدعاية.

وهدف الإمارات الأوحد: سحق الحركات الثورية في المنطقة، وإعادة صياغة الشرق الأوسط وفقاً لمصالح نخبة الحكم في أبوظبي، بقيادة الثلاثي محمد، طحنون، ومنصور بن زايد.

السودان: الذهب مقابل الدم

في أبريل 2024، اتهمت الحكومة السودانية الإمارات بالتواطؤ في الإبادة الجماعية، أمام محكمة العدل الدولية. التركيز كان على قوات الدعم السريع، ميليشيا شبه عسكرية ارتكبت فظائع مروعة في دارفور والخرطوم، بأسلحة وتمويل إماراتي مباشر.

ولم يكن ذلك تحالفاً عابراً، بل جزءاً من شبكة أوسع بنتها أبوظبي لعسكرة النزاعات الإقليمية وتفكيك الدول الهشة.

الذهب السوداني، خصوصاً من مناجم دارفور، كان عصب هذه الشبكة. يُهرّب إلى دبي، ويُستخدم لشراء السلاح، وتُموّل به حملات علاقات عامة في الغرب لتبييض جرائم الحرب. هكذا تُغطي الإمارات تكاليف الثورة المضادة من جيوب الضحايا أنفسهم.

ليبيا: بناء جيش الظل

في ليبيا، لم تكن الإمارات مجرد داعم سياسي للجنرال خليفة حفتر، بل كانت المهندس العسكري لنظام موازٍ في شرق البلاد.

عبر الدعم الجوي، والتمويل، وشحنات الأسلحة، تحوّلت مليشيات حفتر إلى ما يسمى “الجيش الوطني الليبي”، الذي يسيطر على النفط والموانئ ويحظى بحضور واسع لمجموعات فاغنر والمرتزقة الأفارقة.

معظم هذا النفوذ تم تسهيله عبر شركات إماراتية تعمل كواجهة لعمليات سرية تتحدى قرارات الأمم المتحدة.

اليمن: السيطرة عبر الانفصال

في اليمن، دعمت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو كيان انفصالي ينافس الحكومة المعترف بها دولياً، وساهمت في تأسيس قوات “الحزام الأمني” لتكون ذراعاً عسكرياً مستقلاً عن سلطة الدولة.

لماذا؟ لأن جنوب اليمن يحتوي على موانئ استراتيجية مثل عدن والمكلا، فضلاً عن منافذ بحرية تؤمن خطوط التجارة والطاقة. دخلت شركات مثل “موانئ دبي العالمية” و”موانئ أبوظبي” لتكرس واقعاً اقتصادياً موازياً للشرعية.

الصومال: نسخة مكررة

في الصومال، طبقت أبوظبي نفس النموذج: تجاوز الحكومة المركزية، وتسليح الميليشيات المحلية، وتأسيس قواعد عسكرية في مناطق انفصالية مثل بونتلاند وأرض الصومال وجوبالاند.

الهدف هنا ليس فقط السيطرة على البحر الأحمر، بل التأثير المباشر على حركة التجارة العالمية من خليج عدن إلى باب المندب.

محور الانفصاليين: استراتيجية الإمبراطورية

ما يجمع هذه الحالات هو ما يمكن تسميته بـ”محور الانفصاليين”، وهو ائتلاف من الجهات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدول المركزية، لكن المدعومة مالياً وعسكرياً وسياسياً من الإمارات.

يشبه هذا المحور من حيث الشكل “محور المقاومة” بقيادة إيران، لكنّه يخدم مصالح الثورة المضادة: تفتيت الدول، وتفريغها من مؤسساتها، وزرع كيانات تابعة في قلب النزاعات.

هذا المحور لا يقتصر على أمراء الحرب. بل يشمل شبكات مصرفية وتجارية وإعلامية وأمنية. إمبراطورية من الظل تديرها أبوظبي ككيان موازٍ للدول التي تضعفها.

الدعاية: السلاح الذي لا يُرى

إلى جانب البنادق والذهب، توظف الإمارات إمبراطورية إعلامية ودعائية ضخمة. شركات علاقات عامة غربية، ومراكز أبحاث، ومنصات إعلامية ناطقة بعدة لغات، تسوّق صورة أبوظبي كقوة استقرار وتنمية.

في المقابل، يتم تبييض جرائم الحرب والانتهاكات، وتشويه الخصوم، وقمع الروايات البديلة.

رغم كل هذه الانتهاكات، تحظى الإمارات بدعم غربي شبه مطلق. تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن، تُعتبر موانئها شريكة حيوية في التجارة الدولية، وتستثمر مليارات الدولارات في عواصم القرار. بينما تتحدث الحكومات الغربية عن الديمقراطية، تغض الطرف عن دعم أبوظبي لميليشيات متهمة بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

الضحايا: الشعوب المنسية

الثمن يُدفع في الميادين: آلاف القتلى في دارفور، ملايين الجوعى في اليمن، الانقسام والفوضى في ليبيا، وانعدام القانون في الصومال. كل ذلك لتأمين نفوذ إمارة لا تسعى إلى بناء، بل إلى ملء الفراغات التي تخلّفها الدول المنهارة.

لا تُبنى هذه الإمبراطورية على رؤية أو مشروع حضاري، بل على الخوف من التغيير، والهوس بالسيطرة، واستغلال لحظات الانهيار. وكلما انهارت دولة، وجدت الإمارات فرصة لبسط نفوذها، ليس من أجل الاستقرار، بل لضمان ألا تقوم لهذه الشعوب ثورة مرة أخرى.