أبرزت وكالة بلومبيرغ الدولية المتخصصة بالشأن الاقتصادي، أن الفشل يلاحق استثمارات الإمارات المشبوهة الأهداف في مصر.
وقال الوكالة إن الاستثمار الإماراتي في مصر يواجه عقبات، رغم سعي أبوظبي إلى ضخ الأموال في الشركات المصرية للمساعدة في دعم اقتصاد الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان.
وذكرت أن بنك أبوظبي الأول، الذي يعتبر أكبر بنوك الإمارات، سحب عرضه لشراء المجموعة المالية هيرميس بسبب تأخيرات تنظيمية طويلة في مصر.
وقدرت الوكالة قيمة العطاء لأكبر بنك استثماري في مصر، ومن بين مساهميه ناتيكسيس، بـ1.2 مليار دولار.
وتأتي نكسة بنك أبوظبي الأول بالرغم من استثمارات إماراتية أخرى بدأت في الظهور في مصر، حيث كشف صندوق أبوظبي للثروة الأربعاء عن خطط لشراء حصص بقيمة 1.82 مليار دولار في شركات مصرية، بما في ذلك أكبر بنك مدرج في البلاد.
وتضررت مصر بشدة من أسعار الحبوب القياسية التي غذتها الحرب في أوكرانيا، حيث يتوقع الخبراء أن تصل ديون مصر، التي شهدت زيادة حادة في العقد الماضي، إلى مستويات قياسية بنهاية العام.
وبنهاية السنة المالية 2020-2021، بلغ إجمالي ديون مصر 392 مليار دولار، ويشمل ذلك 137 مليار دولار من الديون الخارجية، وهو أعلى بأربع مرات مما كان عليه في عام 2010، 33.7 مليار دولار.
ويشمل أيضًا ديونًا داخلية بقيمة 255 مليار دولار، وفقًا للبنك المركزي المصري، أي ما يقرب من ضعف الدين المحلي في عام 2010.
وتعيش مصر على وقع أزمة اقتصادية رغم المساعدات المالية من دول الخليج، التي تعكس، بحسب “بلومبيرغ” تركيزًا سياسيا بقدر ما تعكس تركيزًا اقتصاديًا، حيث ضخت السعودية والإمارات مليارات الدولارات في شكل مساعدات وودائع واستثمارات منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم عقب الانقلاب العسكري في 2013.
وينفذ النظام الحاكم في دولة الإمارات استراتيجية خبيثة تستهدف رهن مصر لإرادته من بوابة الاستثمارات المالية بحيث يجد المصريون بلادهم شيئاً فشيئاً تصبح مبيعة ومرتهنة للإرادة الإماراتية في الداخل وفي الخارج.
وتم الإعلان مؤخرا عن بيع الحصص الحكومية في مؤسسات وقطاعات هامة واستراتيجية عديدة لصالح مستثمرين إماراتيين حكوميين، مثل صندوق أبوظبي السيادي وغيره.
إذ اتفق صندوق الثروة السيادية في أبوظبي مع مصر على استثمار نحو ملياري دولار في مصر، من خلال شراء حصص مملوكة للدولة في بعض الشركات والبنوك، منها 18% من البنك التجاري الدولي، أكبر البنوك الخاصة العاملة في مصر.
إلى جانب حصص حكومية في أربع شركات مدرجة في البورصة، بينها شركة فوري للخدمات المصرفية وتكنولوجيا الدفع، وهي أيضاً أكبر شركة عاملة في خدمات الدفع الإلكتروني في مصر.
والصفقة الأخطر بحسب مراقبين بيع حصة الحكومة المصرية في شركتي “أبوقير للأسمدة” و”مصر لإنتاج الأسمدة” (موبكو)، وهما ضمن أكبر شركات إنتاج الأسمدة وتصديرها في مص.
وهي شركات تعمل في قطاع حساس وشديد الأهمية الاستراتيجية عالميا وغاية الأهمية لأي اقتصاد يبتغي تحسين إنتاجه الزراعي، في وقت يواجه فيه العالم أزمة غذاء، وتواجه فيه مصر التبعات الأسوأ للحرب الروسية الأوكرانية من ارتفاعٍ حادٍّ في أسعار الحبوب والزيوت.
كما تأتي صفقة شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع كمن يسلّم رقبته لمنافسه الإقليمي الرئيسي في مجال الشحن البحري واللوجستيات.
وليست هذه الصفقة الأولى في هذا القطاع الذي دارت دعاياتٌ عديدة النظام المصري حوله، فموانئ السويس والعين السخنة ومشروعات لوجستية عديدة حولها سيطرت الصناديق السيادية الإماراتية على أسهمها عبر صفقات مشبوهة في السنوات الماضية.
العجيب أنّ هذه الصفقات كلها جرت على شركات ناجحة تحقق ربحية عالية، فإذا ما كانت حجّة الحكومة في خصخصة شركات القطاع العام المصري في السنوات السابقة أنّها خاسرة، فلا حجة للحكومة مطلقاً في بيع هذه الشركات بصفقات بخسة، في وقتٍ هي في أمسّ الحاجة للحفاظ على إنتاج تلك الشركات وأرباحها.
والأعجب أنّ هذه الصفقات جرت بعيد خسارة الجنيه 17% من قيمته بيومين مباشرة، ما يعني أنّ الحكومة المصرية قد خسرت مليارات الجنيهات في هذه الصفقات مما لو كانت باعتها قبلها بأيام، إذا كانت مضطرّة لبيعها أصلا، وهذا هو وجه البخس والتفريط الأقبح.
المثير للانتباه هنا أنّ مصر شيئاً فشيئاً تصبح مبيعة ومرتهنة للإرادة الإماراتية في الداخل وفي الخارج، حيث سبق واستحوذت شركات إماراتية على قرابة 70% من القطاع الصحي الخاص في مصر، عبر شراء شركة أبراج كابيتال الاقتصادية الإماراتية أكثر من 122 مستشفى خاصا، علاوة على استحواذها على معامل التحاليل الأشهر في البلاد، مثل المختبر والبرج.
يمثل هذا خطراً شديداً على منظومة الصحة والأمن القومي المصري، اعترضت نقابة الأطباء على هذه الاستحواذات.
كما اعترضت أجهزة سيادية، واعترض رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق عليها مراراً، ورفع تقارير للوزارة والجهات السيادية للتصرّف.
لكن ما حدث يشير إلى استمرار الرئيس عبدالفتاح السيسي وحكومته في مسار تيسير الاستحواذات بأثمان بخسة، من دون أخذ المحاذير في الحسبان.
لا يتوقف الأمر عند هذا فحسب، إذ تستحوذ شركتان إماراتيتان فقط، هما “جنان” و”الظاهرة” في القطاع الزراعي المصري على مساحات أراضٍ ضمن المشروعات القومية الكبرى، سواء توشكى أو المليون ونصف مليون فدّان، تزيد عن المساحات الزراعية في نطاق محافظات مصرية عديدة، بل وتزيد عما تمتلكه أكبر الشركات الزراعية التابعة للقوات المسلحة المصرية.
قد يتحجّج بعضهم بأنّ هذه الشركات تخدم السوق المصري، وتساهم في التشغيل، لكنّ الكارثة أنّ هذه الشركات تزرع محاصيل تصديرية، ولا تلتزم بأية مقننات مائية في ظل أزمة المياه الحالية، تكاد تكون مصدّرة للمياه بطريقة غير مباشرة، وتقوم على استخدام استراتيجيات عمل كثيفة التكنولوجيا ومنخفضة العمالة بشدة.
وفي التعليم أخيراً، دخلت الشركات الإماراتية للاستحواذ على مدارس دولية عديدة في محاولة للسيطرة على التعليم الخاص الدولي، والمعروف أنّه أصبح المفرّخ الرئيسي للنخبة المصرية المقربة من السلطة ورجالات المال والأعمال.
وتمتلك مجموعة “جيمس” الإماراتية وحدها، 35 مدرسة دولية منها، بما يعني أنّها تمتلك وتدير 16% من المدارس الدولية التي تقدّر بـ217 مدرسة.
خطورة هذه الصفقات ليست فقط في تركز الشريك، والذي ينتج تبعية له، حيث لا توجد علاقة اعتماد متبادل متوازنة مع الإمارات.
وفي ظل الهرولة الإماراتية نحو التطبيع مع إسرائيل، قد يبيع صندوق أبوظبي حصته في هذه المشروعات الاستراتيجية لمستثمرين إسرائيليين، حينها لن تستطيع الدولة المصرية منعه من هذا البيع، أو وقف تلك الصفقات، وهذا تكبيل لمصر في حاضرها ومستقبلها في الاتجاهات كافة، بل إن هذه جرائم في حق مصر وشعبها.
