تحقيق: رفض شعبي في الإمارات للتطبيع العلني مع نظام بشار الأسد
قوبل التطبيع العلني للعلاقات الذي أقدم عليه ولي عهد أبو ظبي الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد مع نظام بشار الأسد بزعم بحث محاربة فيروس كورونا المستجد، برفض شعبي واسع من الإماراتيين.
وأجمعت مواقع ووسائل إعلام إماراتية معارضة أن الشعب الإماراتي تلقى خبر اتصال بن زايد بمجرم الحرب بشار الأسد بصدمة لا تقل عن الصدمة بتفشي كورونا في الدولة.
وأبرزت المواقع الرفض والغضب الشعبي العارم في صفوف الإماراتيين لهذا الاتصال الذي يجري مع الذي قتل مليون سوري وشرد نحو 10 ملايين سوري آخرين.
وقال ناشطون إنه كان أولى بأبوظبي أن تظهر “عطفها” و”إنسانيتها” على العشرات من الإماراتيين من معتقلي الرأي في سجون أبوظبي ومن هم المرضى وكبار السن ومنهم من يتعرض للتعذيب منذ عام 2012، وفق ما تؤكده الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.
والإماراتيون يعتبرون كل مبادرة تتجاهل معتقلي الرأي لا يمكن النظر إليها باعتبارات إنسانية على الإطلاق وإنما حسابات سياسية، وإلا لم تظهر إنسانية أبوظبي إلا بإرسال الأدوية لإيران والأن لسفاح دمشق بشار الأسد.
يشدد الإماراتيون على إرسال المساعدات للشعب الإيراني والسوري إن كان بحاجة من جهة، وإن كانت المساعدة تتم على قاعدة المساواة والتعامل مع الجميع داخليا وخارجيا بمسطرة إنسانية وإغاثية واحدة، على حد تعبيراتهم الغاضبة والمنددة بالاتصال بالأسد.
ويرى مراقبون على أن الاتصال الهاتفي بين بن زايد والأسد جاء ليُخرج إلى العلن التقارب المتواصل منذ سنوات بين الطرفين.
ففيما يواصل النظام على مدار تسع سنوات من عمر الثورة السورية عمليات قتل وتشريد جماعي للسوريين، مع داعميه الروس والإيرانيين، تواصل أبوظبي ودبي استضافة شخصيات مرتبطة به، مقابل التضييق على المعارضين للأسد، في اتساقٍ مع موقفها المعادي لثورات الربيع العربي.
وفي الأشهر الأخيرة تصاعد تطبيعٍ إماراتي مع النظام السوري على مراحل، بعدما افتتحت أبوظبي العام الماضي رسمياً سفارتها في دمشق، التي ظلّت مغلقة لنحو سبع سنوات، في خروجٍ على الإجماع العربي بمقاطعة نظام الأسد لإيقاف جرائمه بحق أبناء الشعب السوري، والانصياع لقرارات الشرعية الدولية في التوصل لحلٍّ سياسي للقضية السورية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، بعد قطيعة دامت سبع سنوات، على خلفية أحداث الثورة السورية، وذلك في تخطٍ واضح لإجماع عربي على مقاطعة النظام السوري طالما لم ينه حربه المفتوحة على عموم السوريين المطالبين بالتغيير، وطالما لم ينصع لقراراتٍ دولية وضعت أسس الحل السياسي.
وخلال كلمة له أثناء الاحتفال بالعيد الوطني الإماراتي في السفارة الإماراتية في دمشق، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وصف القائم بالأعمال الإماراتي في سورية، عبد الحكيم النعيمي، بشار الأسد، بـ”القائد الحكيم”، مؤكداً قوة العلاقات وتميزها بين بلاده وسورية.
وقال النعيمي إن “العلاقات السورية الإماراتية متينة ومتميزة وقوية، أرسى دعائمها مؤسس الدولة، وأتمنى أن يسود الأمن والأمان والاستقرار في سورية، تحت ظل القيادة الحكيمة للدكتور بشار الأسد”.
من جهته، أكد نائب وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، خلال الحفل، أن بلاده “لن تنسى دور الإمارات في الوقوف إلى جانب سورية في حربها على الإرهاب”.
ومنذ بدء الثورة السورية عام 2011، كان واضحاً أن قادة في الإمارات اختاروا البقاء في ضفة النظام، على الرغم من هول جرائمه بحق السوريين.
واختارت بشرى الأسد شقيقة بشار الأسد، مدينة دبي دار إقامة لها عقب اغتيال زوجها آصف شوكت في منتصف عام 2012، هو الذي كان ركناً رئيسياً من أركان النظام. وكانت مصادر مطلعة قد تحدثت عن أن الإمارات منحت جنسيتها لبشرى الأسد في عام 2015.
كما كانت أنيسة مخلوف والدة الأسد، قد توفيت في مدينة دبي في فبراير/ شباط 2016، لتنقل من هناك ويجرى دفنها في ريف اللاذقية غربي البلاد، مسقط رأسها.
كما أن محمد مخلوف، وهو نجل رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد، يقيم في دبي، ما يعني وجود استثمارات هائلة لعائلة الأسد في دولة الإمارات التي لطالما ضيّقت الخناق على السوريين المؤيدين للثورة، خصوصاً في إمارتي دبي وأبوظبي، بل عمدت إلى ترحيل ناشطين سوريين على خلفية موقفهم المعارض للنظام. وحتى أواخر عام 2017، وصل عدد السوريين المبعدين بطريقة تعسفية من الإمارات، على خلفية معارضة النظام، إلى نحو 1070 أسرة.
وقد اعتقلت السلطات في الإمارات وعذّبت سوريين، من بينهم مستثمرون أقاموا لعقود فيها بحسب مصادر في المعارضة السورية تؤكد أن شخصياتٍ مرتبطة بالنظام، وتُعد واجهات لرئيسه بشار الأسد وشقيقه ماهر، تستثمر في الإمارات مليارات من الدولارات، نُهبت من السوريين قبيل الثورة وخلالها، مشيرة إلى أن “التقارب بين بن زايد والأسد ليس جديداً، لكنه بات علنياً أكثر من ذي قبل”.
واتخذ قادة إمارتي دبي وأبوظبي موقفاً معادياً لثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية، وأدّوا دوراً بارزاً في الثورات المضادة في دول عدة، منها سورية، إذ لعبت شخصيات سورية معارضة للنظام مرتبطة بالإمارات دوراً في تسليم الجنوب السوري كله للنظام في منتصف عام 2018، على الرغم من أن فصائل المعارضة في محافظة درعا كانت تمتلك إمكانيات الصمود لفترات طويلة أمام قوات النظام على الرغم من القصف الجوي الروسي.
ولعل خالد محاميد الذي كان عضواً بارزاً في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، وأحمد العودة الذي كان قائد فصيل “قوات شباب السنّة”، وهو شقيق زوجة المحاميد، كانا في مقدمة الشخصيات التي سلّمت الجنوب السوري للنظام والروس في اتفاقات هشة سرعان ما انقلب النظام عليها، معيداً سيرته الأولى في الفتك والتنكيل بالمدنيين والمعارضين له.
ولم تتوقف محاولات الإمارات، إلى جانب دول أخرى منها مصر، لإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية التي كانت قد جمّدت في نوفمبر/ تشرين الثاني مقعد سورية في الجامعة بسبب عدم اكتراث النظام بمبادرات عربية لإيجاد حل سياسي يجنب سورية الدمار، وهو ما حدث بعد ذلك.
لكن محاولات أبوظبي والقاهرة لم تنجح بسبب رفض أميركي معلن لعودة النظام إلى الجامعة العربية، في سياق ضغط سياسي عليه للالتزام بعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، والتي لا تزال متعثرة بسبب رفض النظام تسهيل مهمة المنظمة الدولية ما دام أن الحل السياسي لا يبقي بشار الأسد في السلطة.
كذلك يدخل التقارب المعلن بين الإمارات ومصر مع النظام السوري في سياق العداء مع تركيا التي باتت لاعباً بارزاً في الملف السوري، بل بات الشمال السوري منطقة نفوذ تركي بلا منازع، في ظلّ غياب أي دور عربي حقيقي وجاد داعم لمطالب السوريين في التغيير بعد تسع سنوات من القمع الذي أدى إلى مقتل وتشريد نحو نصف الشعب السوري على يد النظام وداعميه الروس والإيرانيين المستفيدين من تخاذل عربي واضح.
والإمارات لم تُخف العداء للربيع العربي منذ انطلاقته، وعدّته على الرغم من عدم وصوله إليها خطراً يهدد الحكم، لذلك، كانت رأس حربة في وأد تجاربه الفتية عبر قيادة مشروع الثورة المضادة في مصر، وتعميمها في باقي بلدان الربيع.
وعليه فإن موقف أبوظبي في سوريا لم يخرج عن المحددات السابقة، رغم أنها اضطرت تحت وطأة الموقف العربي والدولي ضد النظام إلى اتخاذ موقف مساند ظاهرياً، مع إبقاء قنوات التواصل الاستخباري والمعلوماتي داخلياً.
يثبت ذلك أن الإمارات كانت على الرغم من استضافتها لبعض المعارضين السوريين، وجهة اقتصادية مريحة لرجال الأعمال المرتبطين بالنظام لمزاولة نشاطهم وتجاوز العقوبات.
كما أن الإمارات بدأت منذ عام 2014 التأثير عسكرياً في الداخل السوري من خلال السعي للهيمنة على الجبهة الجنوبية، في محاولة لتأسيس جسم في الجنوب السوري يوازن النفوذ التركي في الشمال ويحد من هيمنة الفصائل الإسلامية.
وحين جاء التدخل الروسي وتغيّرت الموازين، بدأت الإمارات التخلي عن سياستها السابقة، وأوقفت كل دعمها ضمن غرفة الموك (كانت غرفة عمليات لدعم فصائل المعارضة في الجنوب السوري)، وراحت تروج لإعادة التطبيع مع النظام بذريعة أن روسيا ستوازن النفوذ الإيراني.
ومحاولات أبوظبي، لا سيما في ما يتعلق بإعادة النظام إلى الجامعة العربية، باءت بالفشل بسبب الضغط الأميركي…لذلك تستغل الإمارات هذه الظروف وتعيد علاقاتها على أعلى مستوى بعدما أعادت العلاقات الدبلوماسية قبل فترة.