محمد بن زايد والهوس بالقضاء على الإسلام السياسي
أبرزت صحيفة “القدس العربي” الصادرة في لندن الحرب المعلنة التي يشنها ولي عهد أبو ظبي الحاكم الفعلي لدولة الإمارات محمد بن زايد ضد حركات الإسلام السياسي على مدار سنوات.
ولم يذهب السير جون جينكنز السفير البريطاني السابق في الإمارات، بعيدًا عن الحقيقة، عندما صرح بعبارة: “إن ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، قد يكون أكثر من يكره الإخوان المسلمين في العالم”، فلم يُرَ في تاريخ الإسلاميين عامة، والإسلام السياسي بصفة خاصة، عدوٌ أشد ضراوة ونكاية من ولي العهد الإماراتي، الذي لا تقتصر تحركاته العدائية تجاه إسلاميي الإمارات، بل عبرت هذه التحركات الحدود، ولم يقتصر على الكيانات والجماعات والمؤسسات، بل تجاوزها إلى الدول التي تقوم بالتطبيع مع الإسلام السياسي، أو تتسم علاقتها مع تلك التيارات، بالهدوء.
ومن ضمن سلسلة من الإجراءات القمعية التي قام بها ضد الإسلاميين في الإمارات، امتدت يده للبطش بأكاديميين وحقوقيين، أغلبهم من جمعية الإصلاح الإماراتية المحسوبة على الإخوان، عبر محاكمة جماعية في مارس 2013، بعد مطالبات إصلاحية، شملت إصدار وثيقة وقع عليها أكاديميون وحقوقيون إبان اندلاع ثورات الربيع العربي.
قام محمد بن زايد، الذي يكثر من الحديث عن التسامح، بإدراج أكثر من 80 منظمة إسلامية حول العالم على قائمة الإرهاب منها، جمعيات خيرية إسلامية بارزة، ومنظمات مجتمع مدني، كمنظمة “كير الأمريكية” وعدد من الروابط الإسلامية في أوروبا.
ورعى ولي العهد الإماراتي، خطابات تحريضية ضد المساجد في أوروبا، وقد حمّل نهيان مبارك آل نهيان وزير التسامح الإماراتي، المساجد في أوروبا مسؤولية الهجمات الإرهابية، ودعا إلى مراقبتها، وتشديد القوانين في بنائها واقترح إرسال أئمة من الإمارات للإشراف عليها.
إلى جانب هذا، اعترف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند”، بأن محمد بن زايد قدم مساعدات لفرنسا في قتالها ضد الإسلاميين في مالي، وأنه تلقى من ولي العهد 400 مليون دولار لعمليات الجيش الفرنسي في مالي كدفعة أولى.
وأرجع خبراء هذا الدعم إلى رغبة بن زايد في الوقوف أمام أي توجه إسلامي في دول الساحل والصحراء، حتى لا تكون قاعدة خلفية لدول ثورات الربيع، كما عزوا ذلك إلى رغبته في الحفاظ على تجارة المخدرات في هذه المنطقة، بعد أن سيطر عليها الإسلاميون في مالي، لأنها تُعدُّ منفذا إلى التهريب للعالم الخارجي. ولا يخفى دور الإمارات في المضمار نفسه على أرض أفغانستان، ما جعل الجنرال الأمريكي ديفيد باتريوس، يرى أن الإمارات هي الأقدر على قتال ما وصفه بالإرهاب الإسلامي، بسبب خبرتها ومشاركتها القوات الأمريكية في العمليات بأفغانستان.
ومثّلت ثورات الربيع العربي أعظم مخاوف محمد بن زايد، نظرًا لأن الإسلاميين هم القوة الأبرز صعودًا خلالها، ومن أجل ذلك عمل على إجهاض ثورات الربيع، التي أتت بالإسلام السياسي إلى مواقع القيادة والتأثير، وقاد مع السعودية ونظام السيسي في مصر ثورة مضادة، أبرز توجهاتها القضاء على التيار الإسلامي وملاحقته.
ففي مصر، لعب محمد بن زايد دورًا محوريًا في إسقاط حكومة الإخوان والرئيس المنتخب محمد مرسي، وقام بتمويل الانقلاب، الذي قاده عبد الفتاح السيسي بما مجموعه 12 مليار دولار، منها ثلاثة مليارات أودعها في البنك المركزي المصري عقب الانقلاب، علمًا بأن هذا الرقم يوازي ما قدمته الإمارات لمصر في فترة تزيد عن 40 عامًا إلى وقت الانقلاب. وفي اليمن، وضعت الإمارات منع الإسلاميين للوصول إلى السلطة، على رأس أولوياتها، وكانت ترى إمكانية استغلال الحوثيين لهذا الغرض، إلا أن مجريات الأحداث استدعت تكوين تحالف عربي ضد الحوثيين بقيادة السعودية، وقد شاركت فيه الإمارات بأجندة خاصة.
قام محمد بن زايد بدعم الانفصاليين في الجنوب، بما يعني الاتجاه لتفتيت وحدة اليمن، وجعل مواجهة الإسلام السياسي على رأس أولوياته، وقد اعترف عيسى المزروعي قائد العمليات المشتركة في اليمن، في خطاب رسمي في التاسع من فبراير الماضي، بأن بلاده شاركت في اليمن لقتال الحوثيين وتنظيم القاعدة والإخوان، ويعني بالإخوان حزب الإصلاح، الذي يمثل امتدادا لفكر الإخوان المسلمين.
وفي سوريا، اضطر بن زايد تحت ضغط الموقف العربي والدولي، إلى اتخاذ موقف معارض للأسد في الظاهر، لكنه أبقى على قنوات الاتصال الاستخباري والاقتصادي، وفتح بلاده لشخصيات عديدة من النظام، بينما ضيق الخناق على معارضي نظام الأسد من المقيمين في الإمارات، ولعبت شخصيات سورية مرتبطة بالإمارات دورا في تسليم الجنوب السوري لنظام الأسد عام 2018، بهدف الحد من هيمنة الفصائل الإسلامية المعارضة، وتأسيس جسم في الجنوب يوازن نفوذ تركيا في الشمال. وعملت الإمارات على إعادة الأسد إلى الجامعة العربية، وقامت بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق، ومؤخرا جرت المحادثة الهاتفية الشهيرة بين محمد بن زايد وبشار الأسد، في ما يعد تطبيعا صريحا في العلاقات.
وفي ليبيا يستميت محمد بن زايد في دعم جيش خليفة حفتر المنشق، الذي يمثل امتدادا للدولة العميقة، ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، التي تتضمن قوى وطنية وإسلامية، سواء بالمقاتلات والعتاد العسكري، أو بالمرتزقة الذين يجلبهم ابن زايد للقتال إلى جانب حفتر، كما وفر للجنرال المنشق غطاءً للهروب من المساءلة الدولية. ولأن تركيا تمثل عند ابن زايد امتدادا لمشروع الإسلام السياسي، فقد دعم الانقلاب في تركيا، من خلال زعيم الكيان الموازي في تركيا فتح الله كولن، كما لعبت الإمارات دورًا بارزًا في هبوط العملة التركية في الأزمة الاقتصادية الأخيرة.
هذا السرد يثير التساؤلات حول دوافع هذا العداء من قبل محمد بن زايد تجاه الإسلاميين، وعليه، نستطيع القول بوضوح، إن الدوافع تكمن في تبني محمد بن زايد مشروعا حداثيا، يرى أن الإسلاميين هم العقبة الكؤود أمام إنجازه.
فقد تشكلت تصوراته الليبرالية في بريطانيا، ثم جاء ليقود بلاده وفق هذه الرؤية، التي لم يُخفِها السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، عندما علق على حصار قطر بقوله: “الخلاف مع قطر ليس دبلوماسيا، بقدر ما هو فلسفي بشأن رؤية الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين لمستقبل الشرق الأوسط” ثم أضاف: “رؤية الدول الثلاث لحكومات الشرق الأوسط بعد عشر سنوات هي حكومات علمانية”.
ولأن الرجل يعلم جيدًا قيمة الدين في حياة الشعوب العربية في منطقة الخليج تحديدا، عمد إلى إيجاد نسخة بديلة من المنهج الإسلامي، تتفق مع مشروعه وتخدم أهدافه، فأنشأ شبكة من الإسلام المعتدل، بالمفهوم الأمريكي، الذي حددته المراكز البحثية، التي تخدم صانع القرار في واشنطن، وأبرزها مؤسسة راند، التي تطلق عليه الإسلام التقليدي ومثّلت له بالتصوف، باعتباره أبعد ما يكون عن السياسة، ويعد في الوقت نفسه سبيلا لمواجهة الإسلام السياسي، ومن هنا قام محمد بن زايد الوكيل الأبرز للبيت الأبيض في المنطقة، بالمواءمة بين الصوفية والليبرالية لأول مرة، فجعل من أبوظبي مهدًا لانطلاق شبكة تصوف يتم توظيفها سياسيا، وحشد خلال مؤسساتها (كمؤسسة طابة) العديد من رموز التصوف، مثل الحبيب علي الجفري، وعبد الله بن بية، والسوري سعيد البوطي، وغيرهم، لصياغة نهج إسلامي جديد يتفق مع مخرجات العولمة والحداثة، تحت مظلة التعايش الإنساني، ومهمتها مع المؤسسات الأخرى سحب البساط من الإسلام السياسي ومؤسساته مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وإيجاد حالة من الرضا العام في صفوف الجماهير تجاه سياسات بن زايد.
والحديث هنا عن استغلال الصوفية وتوظيفها سياسيًا من قبل بن زايد، الذي قدّم فروض الولاء والطاعة للبيت الأبيض بعد أحداث 11 سبتمبر، وتعهد بملاحقة التيار الإسلامي، إلى جانب دوره المحوري في إمضاء صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.