عمد الإعلام الإماراتي الرسمي والموالي إلى الترويج بكثافة لاتفاق إشهار التطبيع بين أبو ظبي وإسرائيل عبر حملة “تطبيل وتظليل” لم تعرفها وسائل الإعلام في الخليج العربي.
وقال مركز الإمارات للدراسات والإعلام “ايماسك” إنه في وسائل الإعلام المحترمة -في أي بلد- تُناقش الاتفاقات من ناحيتين “المكاسب والخسائر”، وقرار مثل التطبيع مع إسرائيل تنعدم فيه المكاسب الفلسطينية والعربية والإماراتية ويخالف رؤية شعبها الحرّ، فهو خسائر كاملة.
وأضاف المركز أن القضية الفلسطينية ما زالت قضية الرأي العام الإماراتي والعربي فهي تولد تضامنًا بين الجماهير يمت، أو يتراجع رغم الحروب الداخلية وانشغال الشعوب بمقارعة الاستبدادين العرب الذين تدعمهم الإمارات.
ونشرت صحيفة الاتحاد تقريراً عن باحثين، يقولون إن “اتفاق العار” يقلل من فرص نشوب حرب جديدة “ويعزز ثقافة واستراتيجية السلام في منطقة الشرق الأوسط، وتساعد الشعب الفلسطيني على التخلص من الاحتلال!”.
وهو أمل زائف تحاول به الصحيفة استعطاف الإماراتيين بأن “اتفاق الخيانة” يخدم الفلسطينيين والعرب، لو كان مثل هذا الاتفاق يخدم الإماراتيين والفلسطينيين والعرب لرأيت تلك الشعوب واقفة مع أبوظبي لا ضدها. الفلسطينيون سلطة ومعارضة، شعب وحركات مقاومة وقيادة سياسية رفضت بالكامل هذا الاتفاق، وكذلك فعلت حكومات وشعوب عربية وإسلامية.
كما كتب محمد الكعبي رئيس تحرير صحيفة الاتحاد مقالاً بعنوان “للتاريخ” -ونشر أيضاً في صحيفة عبرية- متحدثاً عن “الاتفاق المشؤوم” وقال: إن الإمارات أثبتت قدرتها على التأثير الإيجابي والانتقال بالواقع العربي إلى فضاءات سياسية واقتصادية واستراتيجية أفضل، نحو شرق أوسط أكثر سلاماً، وهو ما يشي بأن العلاقات الإماراتية الإسرائيلية لن تكون مستنسخة من تجارب سابقة.
يتجاهل الكاتب أن “اتفاق العار” لا يغير المعادلة الجيوسياسية للشرق الأوسط شيئا ولا يخفف من الانتهاك المأساوي لحقوق الفلسطينيين وقتلهم وسرقة أراضيهم من قِبل “الاحتلال الإسرائيلي”- كما تزعم السلطات-. فحتى قرار إسرائيل ضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينية سيمضي قدماً فلا نص في الاتفاقية توضح وقف هذا القرار كما روج السياسيون في أبوظبي عند الإعلان عن التطبيع في أغسطس/آب الماضي.
وعلى عكس ما يروج له “الكعبي” وإعلام الدولة فإن الإمارات تصبح في ذيل الدول العربية وليس في قيادتها إذ يؤجج “اتفاق العار” الرفض الداخلي لسياسة السلطة ويزيد غضب العرب على الإمارات ويجعل الدولة عرضة للمزيد من العزلة الخليجية والعربية ويجعل “الاحتلال الإسرائيلي” عدو الجميع في المنطقة “صديقاً” لأبوظبي.
وتطبيع الإمارات مع إسرائيل هو الأول من نوعه “منذ أكثر من ربع قرن”، حين وقّعت الأردن “اتفاق سلامٍ” مع الاحتلال عام 1994، في البيت الأبيض أيضاً. والدولة الوحيدة الأخرى التي فعلت ذلك كانت مصر قبلها بعقدين، ورغم أنّ تلك الاتفاقيات لم تُسفر عن تفاعلٍ حقيقي مع الاحتلال، فهي لم توقف الشعوب والسلطات من إدانة الاحتلال الإسرائيلي والدفاع عن حقوق الفلسطينيين كما تفعل وسائل الإعلام الإماراتية اليوم.
بالتأكيد -كما قال “الكعبي”- لن يستنسخ الاتفاق، “التجارب الأخرى”، مثل مصر والأردن، بل أردى وأكثر ذلاً وإهانة للإمارات ويعطي إسرائيل طابع المنتصر القوي القادر على إجبار العرب على التطبيع دون أبسط المطالبات بدولة فلسطينية كاملة السيادة.
صحيفة البيان طالعتنا -أيضاً- بعدد من المقالات بينها مقال بعنوان: خطوة مهمة على طريق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. اعتبر فيه “اتفاق الخيانة”: “مرحلة جديدة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط شعارها «تحقيق السلام والاستقرار من خلال التعاون البناء والحوار المباشر»، بعد أن أثبتت العقود الماضية، أن القطيعة وغياب التواصل لم، ولن تحقق، أي سلام منشود”.
وهذا الطرح في المقال كان نسقاً واحداً لافتتاحيات الصحف الإماراتية يوم الثلاثاء الماضي (15 سبتمبر/أيلول 2020) يوم توقيع الاتفاق. والسلطات الإماراتية أولى بالحوار مع معارضيها والناشطين الحقوقيين والسياسيين الموجودين في السجون السرية، فالقطيعة مع الشعب وغياب التواصل مع الإماراتيين وابتلاع حقهم في تمثيل سياسي كامل بصلاحيات كاملة في المجلس الوطني الاتحادي، أدى إلى وضع الإمارات في سجلات حقوق الإنسان الأكثر سواداً. فالحوار يبدأ بين السلطة والشعب وليس سرقة صوته وحقه في التعبير عن سياسات بلاده والقفز للحوار والتصالح مع أعداء الإماراتيين والعرب.
إن دول مثل “قطر” واليمن وليبيا أولى بهذا الحوار من إسرائيل، لماذا تستمر القطيعة مع “دولة قطر” الشقيقة جارة الإمارات والشعب واحد من عائلات واحدة متجانسة ومتصاهرة وتقفز السلطات إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يربط بين شعبنا وجنوده سوى الدّم والغضب والعِداء؟!
في مقال آخر في الصحيفة ذاتها قالت كاتبة: “من هنا كانت السعادة دستور حياة، ومن هنا بدأ التسامح يضم كل الشعوب والأديان، ومن هنا نمد يد سلام، ونستقبل يد سلام”. إن “التسامح والسعادة” كآلة دعاية لجهاز أمن الدولة أصبح يسيء للإمارات لا يمدحها. فإن المواطنين الإماراتيين أولى بالتسامح من “الإسرائيليين”، فمئات المعارضين ما يزالون في السجون السرية تعرضوا للتعذيب والانتهاكات طوال سنوات بسبب تعبيرهم عن آرائهم، ودعواتهم بحقوق أبناء شعبهم.
الإماراتيون أولى بالتسامح مع آرائهم في شبكات التواصل الاجتماعي لا أن تفرض الدولة رقابة مهولة عليهم وعلى ما يكتبونه وتجريم الانتقادات -مهما كان الانتقاد بسيطاً- ومواجهة أحكام سياسية قد تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد.