خلص مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك” إلى أن النظام الحاكم في دولة الإمارات حولها إلى دولة منبوذة لا أصدقاء لها بفعل حروبها وتدخلاتها العسكرية في العديد من الدول والساحات الإقليمية والدولية.
فلا تتمتع الإمارات بعلاقة صحية مع جيرانها ولا مع شعوب ومعظم حكومات المنطقة العربية، حيث تقدم نفسها وكيلاً أمريكياً كشرطي للمنطقة وأحياناً أخرى تندفع لمصالح غير محسوبة العواقب، أدى إلى تشويه أوسع للسمعة التي تعتمد عليها لتبدو الدولة كمنارة الاقتصاد الدولي في منطقة مضطربة تحوطها الحروب والأزمات.
وكالعادة فإن السياسة الخارجية للدول هو انعكاس للسياسة الداخلية، فما الذي يمكن أن تقدمه سياسة القمع والترهيب والسجون والاعتقالات والأحكام السياسية وقوانين سيئة السمعة وتعذيب المعتقلين في سجونٍ سرية وترهيب عائلاتهم، وحظر لأي انتقاد لسياسة الدولة الداخلية أو الخارجية وتجريم حرية الرأي والتعبير واعتبار الرأي مهما كان بسيطاً تهديداً للأمن القومي؟! ما الذي يمكن أن تقدمه سياسة الدولة تجاه منع الشعب من حقه في المشاركة السياسية وحظر المرشحين لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي من الحديث في السياسة؟! بالتأكيد أن هذه السياسة السيئة سينعكس على سياسة عنيفة وغير وطنية في الدول الأخرى.
يسرد هذا التقرير علاقة الدولة بعدد من الدول، ليكتشف في النهاية أن أصدقاء الدولة التقليديين أصبحوا يخاصمونها عبر سلسلة طويلة من الأحداث والمواقف والتدخلات خلال السنوات الماضية أدت إلى صورة أكثر سوءاً عن الإمارات. وأن أخر حلفاء الدولة مثل المملكة العربية السعودية أصبحت العلاقة متوترة وفي طريقها للانفجار.
في الخليج: تتمتع الإمارات بعلاقة جيدة في الإعلام مع السعودية والبحرين وجزئياً مع “الكويت”، لكن العلاقة أكثر توتراً مع سلطنة عُمان وقطيعة كاملة مع دولة قطر منذ يونيو/حزيران2017.
*العلاقة مع سلطنة عمان: خلال العام الجاري ظهر توتر بين أبوظبي ومسقط هو الأشد منذ تأسيس الإمارات حسب ما يقول محللون سياسيون في سلطنة عمان. ويَتهم العمانيون، سلطات أبوظبي بمحاولة اختراق منظومة القرار المركزي العُماني.
وفي مطلع العام تم الحديث عن خلية تجسس إماراتية قبض عليها في مسقط، وأعلنت السلطنة عن محاكمتهم وأصدرت حكماً بالسجن على 5 إماراتيين بينهم ضابط بالسجن عشر سنوت. وهي الخلية الثانية بعد الخلية التي تم القبض عليها عام 2011م.
الأمر لم يقف فقط عند التجسس في الصراع بين مسقط وأبو ظبي، بل تمدد ليصل إلى اليمن، تحديدا مدينة المهرة، والتي تعتبرها عمان أحد امتداداتها الجغرافية، نظرا لكونها العمق الحيوي للسلطنة.
*العلاقة مع قطر: توقف العلاقة بين الإمارات وقطر منذ 2017، وحتى لو عادت العلاقة في المستقبل إلا أن طول مدة القطيعة أدى بالفعل إلى إحداث شرخ في البيت الخليجي، الذي من الصعب معالجته بسهوله. وقطعت الإمارات العلاقة مع الدوحة إلى جانب السعودية والبحرين.
ونتيجة هذه القطيعة فقد جرمت السلطات أي تعاطف مع قطر بل وجرى طرد عائلات قطرية من الدولة في بداية إعلان القرار، وجرى تفكيك شركات وأحدثت هزة في اقتصاد دبي والدوحة مجتمعتين نتيجة أن المدينتين كانتا ضمن مركز مالي كبير في المنطقة.
* السعودية: تعتبر المملكة الكبرى في الخليج أبرز حلفاء الدولة، لكن ذلك يبدو بدأ في التغير مع الحديث مؤخراً عن تفكك التحالف الذي دام طويلاً منذ 2011م، بسبب الخلافات حول الاستراتيجية في اليمن، حيث تمتلك الدولتان أهدافاً مختلفة.
اليمن: تدخلت الإمارات في اليمن ضمن تحالف تقوده السعودية، لإعادة الحكومة الشرعية إلى السلطة لمواجهة مليشيا الحوثيين منذ 2015م، لكن اليمنيون يقولون إن الدولة أصبحت تواجه الحكومة الشرعية للبلاد التي يفترض أن الدولة تدخلت من أجل حمايتها.
وصلت العلاقة إلى النهاية الدائمة في أغسطس/آب 2019 عندما دعمت الدولة الانفصاليين لإسقاط مدينة عدن وقصف الجيش اليمني الذي حاول استعادتها، واتهمته ب”الإرهاب” ما أثار الحكومة الشرعية وتوعدت بالرد داعية السعودية للتدخل.
بعثت اليمن رسالة إلى مجلس الأمن تشكو الإمارات وتتهمها بالتخطيط والتنفيذ والتمويل للانفصاليين جنوب اليمن، حيث تملك الدولة أكثر من 90 ألف مقاتل ينفذون أوامرها.
وهي ليست المرة الأولى التي تشكو اليمن الإمارات إلى مجلس الأمن فقد سبق أن حدث ذلك عام 2018 بعد أن اتهمت الحكومة اليمنية، أبوظبي، بمحاولة احتلال جزيرة سقطرى، وهو ما حدث عام 2019 من قِبل كثير من اليمنيين الذين باتوا ينظرون إلى الإمارات كدولة “استعمار”.
ليبيا: تدعم الدولة في ليبيا قوات الجنرال خليفة حفتر بالسلاح والمال، إضافة إلى شن غارات جوية دعماً له ضد الحكومة الشرعية المعترف بها من الأمم المتحدة.
يرفض الليبيون والحكومة الشرعية أدوات الإمارات العسكرية، وهذا الرفض أو الإجماع الشعبي الليبي لرفض الحل العسكري الذي تفرضه الإمارات، وصل إلى الجامعة العربية حيث صدر قرار بالإجماع يوم الأربعاء (11 سبتمبر/أيلول2019) يرفض الحل العسكري في ليبيا ويدعو للحوار والحلول السياسية فقط.
وعلى الرغم من أنه قرار بدون تنفيذ إلا أن رمزيته تُثقل صانع القرار السياسي الإماراتي المستمر في عسكرة ليبيا وتحويلها إلى بؤرة اقتتال عظيمة.
وقالت رسالة ليبية إلى مجلس الأمن إن تصرف الإمارات دعمٌ للمعتدين على العاصمة الليبية، وإعانة لهم على قتل الليبيين، ودعم لارتكابهم المزيد من الانتهاكات وجرائم الحرب.
“تصرف دولة الإمارات يعد دعما للانقلاب على الحكومة الشرعية وخرقا صارخا لقرارات مجلس الأمن”، داعية المجلس للقيام بواجباته وحفظ السلم والأمن الدوليين، ووضع المسؤولين والداعمين لهذا العدوان تحت طائلة القانون الدولي.
القرن الأفريقي: تحاول أبوظبي إيجاد موطئ قدم بالقوة في منطقة دول القرن الأفريقي ذات الأهمية الجغرافية قبالة اليمن وقرب منطقة باب المندب الاستراتيجية.
*الصومال: عانت وحدة الصومال وسلامته الإقليميَّة من تحديات متزايدة منذ انهيار رئاسة سياد بري في عام 1991 وإنشاء سلطة واحدة تلو الأخرى عن طريق الجماعات العسكرية والسياسية والدينية المتنافسة.
استغلت الإمارات ذلك وبدأت في محاولة الحصول على نفوذ من خلال تدريب القوات الصومالية، لكن العلاقة انفجرت العام الماضي وأعلنت سحب نفسها من هناك بعد أن عانت مع علاقة متوترة مع السلطات الفيدرالية عقب تعامل الإمارات مع إقليم أرض الصومال كجمهورية مستقلة.
تحولت العلاقة بين الإمارات والصومال إلى مشؤومة في ابريل/نيسان 2018م، بمصادرة أكياس نقدية تحتوي على 9.6 مليون دولار على متن طائرة إماراتية في مطار مقديشو.
في حين أكدت الإمارات أن هذه الأموال كانت لغرض دفع الجنود الصوماليين الذين كانت تدربهم، أصرت السلطات الصومالية على أن الإمارات سعت لاستخدام المال لإثارة الفتنة ضد الحكومة المركزية.
وضخت موانئ دبي العالمية، وهي شركة تعمل لصالح الحكومة الإماراتية، 442 مليون دولار في ميناء بربرة التابع لأرض الصومال على ساحل خليج عدن.
وقدمت الصومال على إثر ذلك شكوى إلى مجلس الأمن، داعية المجلس إلى وقف تحركاتها.
*أرض الصومال: منذ مطلع العام تعرضت المنشآت التي تبنيها الإمارات في أرض الصومال إلى الهجمات بما في ذلك قاعدة عسكرية وميناء في بربرة أدى في النهاية إلى طرد الإمارات من الميناء الحيوي.
*جيبوتي: سعت دولة الإمارات إلى احتكار ميناء جيبوتي من خلال هيئة موانئ دبي التي أرادت أن تصبح لاعبا في أنشطة الموانئ في البلاد، لكن رئيس جيبوتي “إسماعيل عمر غيله” تدخل لوقف وإلغاء الصفقة. وهو ما أثار أزمة دبلوماسية كبيرة بين البلدين، أدت في النهاية إلى رفض الوجود الإماراتي في جيبوتي بما في ذلك وجود قوات عسكرية دعماً للحرب في اليمن.
مصر: تملك الإمارات علاقة جيدة مع نظام عبدالفتاح السيسي الرئيس المصري الحالي الذي قدمت الدولة عشرات المليارات من الدولارات لبقائه في السلطة، والانقلاب على سلطة الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي الذي توفي في سجنه العام الجاري.
ويبدو أن الدعم الإماراتي لبقاء “السيسي” سيذهب مع الريح مع التحركات لإسقاط “السيسي” هذا الأسبوع، ليبقى غضب الشعب المصري من الدور الإماراتي، وهو ما سيؤثر على علاقة الدولة في المستقبل. ومن الصعب أن تبني الدولة حائط صد جديد لمنع مواجهة السيسي فيبدو أن هناك رغبة كامنة من قيادات في الجيش لإسقاطه.
الولايات المتحدة الأمريكية: تملك الدولة علاقة جيدة مع واشنطن في عهد دونالد ترامب ويعتبر البقاء في واشنطن أهم عامل في السياسة الخارجية حيث تعطي أبو ظبي، الأولوية للبقاء في الولايات المتحدة وللعلاقة معها وتتأثر بالرأي العام الأمريكي ومؤسسات الدولة الأمريكية.
فعلى سبيل المثال، كان السبب وراء التخلي الرسمي لدولة الإمارات عن دعمها لفصائل معارضة سورية في خريف عام 2016 هو مشروع قانون للكونغرس سمح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة الحكومات الأجنبية بسبب أعمال الإرهاب، والمعروفة باسم قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب.
وفقًا لمسؤول إماراتي بارز مشارك في الانسحاب، ل”فورين بوليسي” كان الخوف هو أن تكون الإمارات مسؤولة “أمام المحاكم الأمريكية عن أعمال الإرهاب المحتملة التي تقوم بها فصائل متحالفة معها”.
وإذا ما تغير ترامب لاحقاً فقد تتهاوى كل السياسة الحالية للدولة فيما يتعلق بالإقليم والعالم وتحصد من وراء ذلك “الخيّبة” و”ملفات العداء المستمرة في منطقة مضطربة”.
خلاصة: لا توجد محددات للسياسة الخارجية الإماراتية، كما لا توجد محددات دائمة لسياسة الدولة الداخلية القائمة على القمع، لكن ما يبدو واضحاً أن من يحدد هذه السياسية هم أشخاص.
وفي وقت يحاول الحكام مراجعة هذه السياسة بعد تسع سنوات من الفشل وصناعة الخصوم فالأولى البدء من الداخل وسينعكس كالعادة على السياسة الخارجية.