موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق/الإمارات والسعودية وفرض الاستبداد على مواقع التواصل الاجتماعي

196

مثل كل منجزات التكنولوجيا، لم يكن ممكنًا تصديق الشق النبيل فقط من رواية وسائل التواصل الاجتماعي، التي  قامت على ادعاءات فتح التواصل بين العالم، وقتل المسافات والفروقات.

فقد ارتبطت هذه التقنيات الجديدة، منذ رواجها في مطلع الألفية الثالثة، بأشكال مختلفة من المراقبة وصناعة الرأي العام، إلى درجة أن ثمة من اعتبرها تهديدًا للديمقراطية، خاصة مع التحقيقات التي تكشف يوميًا حضورًا واسعًا لـ”السوشال ميديا” في الانتخابات، وتأثيرًا حاسمًا لها في بناء الرأي العام، في أماكن مختلفة من العالم.

كانت سردية “القرية الصغيرة” التي سيؤول إليها العالم في نهاية المطاف، بسبب التواصل السريع والفعال بين الناس من جنسيات متنوعة، تخفي داخلها مآزق بنيوية، ورغبات جلية في السيطرة والتحكم والمراقبة. وإذا كان العالم قد تحول فعلا، بفضل تكنولوجيا التواصل هذه، إلى قرية صغيرة، فإن المستفيد الأكبر ليسوا بالتأكيد، أولئك الموجودين في هوامشها.

في سياقنا العربي، بدا أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بعد الثورات، صار أكثر من أي وقت مضى. وربما كانت صورة الشباب الذين يجتمعون افتراضيًا في مجموعات وصفحات، ويقررون التظاهر، فيسقطون أنظمة كاملة، هي اللحظة صفر، التي أدركت أنظمة عربية عقبها، أن هذه التقنيات ليست ألعاب مراهقين. وترافق ذلك مع تأسيس جهات مختصة لمتابعة التفاعل عبر شبكة الإنترنت، وسُنت قوانين مخصصة فقط لملاحقة “التجاوزات” السياسية فيها.

لاحقًا، صار هناك انشغال واضح في استخدام هذه الوسائل، ليس فقط للمراقبة، ولكن من أجل التأثير على الرأي العام. وفي دول مثل السعودية والإمارات، فإن الاطلاع السريع على الرائج على هذه المواقع يكشف عن حجم الاهتمام الرسمي بها.

كانت هذه التكنولوجيا، بمثابة الحاضنة، للتغيير الذي شهدته المملكة السعودية خلال السنتين الأخيرتين، ومهدت السلطات في الرياض لآرائها غير المعلنة تمامًا، خاصة حول إسرائيل والتطبيع، عن طريقها. كان وسم مثل #الرياض_أهم_من القدس يتصدر تويتر في السعودية خلال ساعات قليلة، وأوشك المطلع أن يتخيل، أن الشعب السعودي جميعه غير رأيه من القضية الفلسطينية في أيام محدودات.

في مقابل ذلك جميعه، سُنت عقوبات خيالية على من يكتب تغريدة لا تمثل رأي القصر الملكي بشكل مباشر، وظهر ذلك، في أكثر أشكاله وضوحًا، مع بدء الحصار على قطر قبل عام تقريبًا.

ولا يبدو أن تصدير “ترند” عملية معقدة في السعودية أو الإمارات، فقد كشف تحقيق صحفي قام به موقع “بي بي سي ترند” أن هناك شركات سعودية متخصصة في هذا الشأن، وقد حصلت شركة من هذه الشركات على مبلغ 200 دولار فقط من أجل ترويج وسم وهمي وبلا أي معنى بعنوان “مبروك فهيمة”، حسب طلب معد التحقيق، وهذا ما حدث خلال ساعات فعلًا. بعدها بدأ السعوديون يتفاعلون مع الوسم متسائلين عن معناه كما اقترح بعضهم بعض التفسيرات له.

وتوصل الموقع القائم على التحقيق، أنه في بلد يشكل فيه مستخدمو تويتر حوالي نصف المستخدمين العرب إجمالًا، فإن هناك بالتأكيد استخدامًا سياسيًا لهذه الآلية، وهو ما تجلى حسب خبراء استشهد الموقع بهم في فترة حصار قطر، من خلال ترويج إشاعات ومعلومات خاطئة.

وفي الإمارات والسعودية تبدو ظاهرة “الذباب الإلكتروني”، أي تلك المجموعات المخصصة لترويج بروباغاندا السلطات، معتمدة أكثر من أي مكان آخر وسط تشديد من السلطات على “الاستخدام السوي” لهذه المنصات.

وأقيم عدد من المؤتمرات حول طرائق هذا الاستخدام، والآليات التي من الممكن أن تستفيد الأجهزة الأمنية في السعودية والإمارات من خلالها، لردع أي نوع من المعارضة، تارة بحجة محاربة الإرهاب، وتارة أخرى بحجة مواجهة المتآمرين.

وفي مجتمع مغلق، كانت وسائل التواصل الاجتماعي فرصة لكثير من الناشطين السعوديين والإماراتيين من أجل التعبير عن احتاجهم الحقوقي، لكن هذه الميزة، انقلبت ضد معظمهم، من خلال مطاردة الأجهزة الأمنية لهذه التغريدات.

ولم تقتصر هذه الإجراءات على المواطنين في الداخل، فقد ساهم نشاط بعض النسويات السعوديات مثل لجين الهذلول (تم اعتقال في الإمارات وتسليمها للسعودية)، التي يتابعها مئات الآلاف عبر تويتر، في اعتقالهن وإحضارهن تعسفًا إلى البلاد.

غير أن ما حدث في الأسبوع الأخير في المملكة من اعتقال وتشهير بحق ناشطات نسويات، كشف عن مساهمة “السوشال ميديا” الأبرز في دعم دعاية الدولة، فقد غردت آلاف الحسابات خلال ساعات ضد المعتقلات، وطغت على هذه التغريدات نزعة التشهير المتعمد، الذي تديره أجهزة الوصاية الرسمية.

ولا يخفى على المنتبه، أن المعظم الأعم من هذه الحسابات مزيف وله شكل واحد، مع أسماء غير شخصية، وصور إما للعاهل السعودي أو لولي العهد محمد بن سلمان وفي المقابل لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أو ولي عهد دبي محمد بن راشد. وتغرد غالبية هذا الحسابات بنفس المضمون، وأحيانا تتناقل نفس التغريدات حرفيًا.

وكما كان واضحًا في التغريدات، انتشرت الرواية غير المقنعة التي روجها النظام السعودي أو النظام الإماراتي، عن تآمر الناشطات النسويات ضد الدولة، وعملهن لصالح جهات خارجية. وغردت آلاف الحسابات على وسوم مثل #عملاء_السفارات، بنفس النزعة من التشهير.

تبين هذه الحادثة، مثل حوادث أخرى كثيرة، اختراق السلطات السعودية حتى للمنطق الحسابي الذي يعمل من خلاله تويتر، حيث لا تصل إلا الوسوم التي تناصر رواية الدولة، إلى القائمة الأعلى استخدامًا.

وتضع هذه المعلومات شركات التواصل الاجتماعي أمام مسؤولية كبيرة، فرغم ادعاء إدارة تويتر مثلًا أنها تقوم بحذف مئات آلاف الحسابات المزيفة بشكل دوري، إلا أن الإجراءات على أرض الواقع، لا تزال تكشف عن سيطرة واضحة ومباشرة للأجهزة الأمنية على الموقع.