قد تبدو الإمارات العربية المتحدة دولة متجانسة وعلى قلب رجل واحد، لكن بيانات استطلاع للرأي العام أظهرت أنَّ الإماراتيين منقسمون أكثر مما يُفترض في كثير من الأحيان حول عدة ملفات، بل وأن هناك خلافاً ليس بالهين بين قادة الدولة الخليجية.
وفي تقرير له أشار ديفيد بولوك، زميل بمعهد واشنطن والمتخصص في الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط، إلى نتيجة استطلاع رأي نادر أُجري في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، شمل حقوق المرأة والتعاون مع إسرائيل، وعلاقات أبوظبي الوثيقة مع واشنطن.
الإمارات ليست “واحة التسامح والحداثة”
يشير استطلاع الرأي الذي جرى عبر مقابلات شخصية قامت بها شركة عالمية على ألف مواطن إماراتي، إلى أنه على الرغم من أنَّ هذه النتائج لا توحي بسخط شعبي واسع، فهي تمثِّل اختلافاً في الآراء، يبيِّن أنه ينبغي على الحكومة التعامل مع هذه التقاطعات في المواقف الشعبية.
وتصوّر الإمارات العربية المتحدة نفسَها فيما يتعلق بالمسائل الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، على أنها واحة من التسامح والحداثة، إلا أنَّ حوالي نصف المواطنين غير موافقين على الكثير من الإصلاحات التي تقوم عليها سمعة البلاد هذه، إذ يرى 47% أنَّ حكومتهم تقوم “بأكثر من اللازم من أجل «تعزيز الفرص والمساواة للمرأة”، كما قال 52% إنَّ السلطات الإماراتية تتدخل بشكل كبير في الشؤون الاقتصادية المحلية، ضمن محاولتها الرامية إلى “مشاركة أعباء الضرائب وغيرها من الالتزامات تجاه الحكومة بطريقة عادلة”.
ويشير تقرير معهد واشنطن إلى أن ثلثي المستطلعين لا يوافقون على “ضرورة أن نستمع إلى من يحاولون منّا تفسير الإسلام في اتجاه أكثر اعتدالاً وتسامحاً وحداثة”، وأن نسبة 28% -وهي نسبة منخفضة جداً بحسب المعايير الإقليمية- تشعر فعلاً بأنه “في الوقت الحالي، الإصلاح الاقتصادي والسياسي الداخلي مهمّ للإمارات، أكثر من أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية”.
وبشكل عام، يميل الإماراتيون إلى أن يكونوا تقليديين اجتماعياً، ومحافظين سياسياً، على الرغم من بهجة وبريق وسط مدينة أبوظبي أو دبي، كما يعتبِر ثلثهم فحسب أنَّ جهود الإمارات غير كافية في مجال “الحدِّ من مستوى الفساد في حياتنا الاقتصادية والسياسية”.
وتعتقد نفس النسبة المنخفضة نسبياً أن حكومتهم لا تهتم بما يكفي “بحماية حريات المواطنين الأفراد وخصوصيتهم”. وبالمقارنة، هذه النسب أعلى بكثير في السعودية المجاورة، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالفساد.
التعاطف مع الإخوان ما زال موجوداً
ويشير تقرير معهد واشنطن إلى أن إشكالية محتملة تتمثل في استمرار بعض التعاطف الشعبي غير المعلن مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تصنِّفها الحكومة الإماراتية كمنظمة “إرهابية”، إذ لا يزال موقف ثلث المواطنين السنّة (الذين يشكّلون 90% من مجموع السكان) “إيجابياً إلى حدٍّ ما” تجاه الإخوان المسلمين.
لم تتبدَّل هذه النسبة في السنوات الثلاث الماضية، على الرغم من حملة رسمية عنيفة وثقيلة الوطأة أحياناً ضد الجماعة.
وعلى الرغم من أنَّ مستوى الدعم السلبي للإخوان المسلمين لا يبدو وكأنه يشكِّل تهديداً عاجلاً، إلا أنه يساعد في تفسير يقظة الحكومة ضده، وردّ الفعل العنيف المحتمل الذي قد يخلقه بين أقلية من الجمهور إذا سمحت الظروف الأخرى بذلك.
للإماراتيين أيضاً رأي في إسرائيل
تتمثّل إحدى القضايا البارزة مؤخراً في السياسة الخارجية في تعاون الإمارات العربية المتحدة المتزايد، وغير الرسمي، مع إسرائيل، الذي أشير إليه في هذا الاستطلاع من خلال مثال عزف النشيد الوطني لإسرائيل في مكان عام، عندما فاز فريق إسرائيلي زائر بمنافسة دولية للجودو على الأراضي الإماراتية.
ولكن لم يحبِّذ معظم المستطلعين ذلك، إذ تريد نسبة 20% من المستطلعين، وهي نسبة مماثلة للنسب المحققة في المجتمعات العربية الأخرى، التي أُجريت فيها استطلاعات رأي مؤخراً “العمل مع إسرائيل في قضايا أخرى مثل التكنولوجيا ومكافحة الإرهاب واحتواء إيران”، بينما رأيُ 38% من المستطلعين إيجابي تجاه حركة حماس.
الخلاف يمتد إلى الأسرة الحاكمة
والخلاف في الرؤى الذي سجله استطلاع الرأي بين الإماراتيين قد وصل أيضاً إلى قمة الحكم في البلاد، إذ كشفت صحيفة The New York Times الأميركية، في تقرير لها، السبت 14 يوليو/تموز 2018، عن فرار أحد أفراد الأسرة الحاكمة في إمارة الفجيرة الإماراتية، والذي وصل للعاصمة القطرية الدوحة طالباً اللجوء، والذي تحدَّث بدوره عن الخلافات بين قادة الإمارات حول بعض تلك الملفات.
الشيخ راشد بن حمد الشرقي، النجل الثاني لحاكم إمارة الفجيرة، الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، والذي فرَّ إلى الدوحة، قال إن حكام أبوظبي لم يتشاوروا مع حكام الإمارات الآخرين، قبل المشاركة في حرب اليمن منذ ثلاث سنوات. وبحسب ما أكَّده الشيخ راشد للصحيفة الأميركية، أنَّه كان يخشى على حياته بسب خلافٍ مع حكام أبوظبي، الإمارة الغنية بالنفط التي تهيمن على الإمارات.
وقال الشيخ راشد: “هناك قتلى من الفجيرة أكثر بكثير من أيِّ إمارة أخرى”، مُتَّهِماً أبوظبي بإخفاء الحصيلة الكاملة للقتلى، واتَّهم أجهزة استخبارات أبوظبي بابتزازه عبر التهديد بنشر مقاطع فيديو مُحرِجة له ذات طبيعة شخصية.
وقال باحثون متخصصون في الشأن الخليجي إنَّ قادة الإمارات الأخرى كثيراً ما تذمَّروا سراً من هيمنة أبوظبي على دولة الإمارات وسياساتها الخارجية.
فقال ديفيد روبرتس، وهو أستاذٌ يدرس الخليج بجامعة كينغز كوليدج في لندن: “من النادر خروج سياسات النخبة كتلك علناً في الإمارات”.
وإذ كان هذا خروجاً نادراً للسياسات إلى العلن فقد كانت هناك تلميحات أطلقها حاكم إمارة دبي ونائب رئيس دولة الإمارات، محمد بن راشد آل مكتوم، في أغسطس/آب الماضي، عبر حزمة من التغريدات انتقد فيها بقوة السياسات العربية وما اعتبر انتقاداً لسياسة تدخل أبوظبي في ملفات خارجية مثل اليمن.
في عالمنا العربي.. السياسي هو من يدير الاقتصاد، ويدير التعليم، ويدير الاعلام، ويدير حتى الرياضة !
وظيفة السياسي الحقيقية هي تسهيل حياة الاقتصادي والأكاديمي ورجل الاعمال والاعلامي وغيرهم. وظيفة السياسي تسهيل حياة الشعوب، وحل الأزمات بدلا من افتعالها ..وبناء المنجزات بدلا من هدمها— HH Sheikh Mohammed (@HHShkMohd) August 4, 2018
لدينا فائض من السياسيين في العالم العربي ولدينا نقص في الإداريين. أزمتنا أزمة إدارة وليست موارد ..انظر للصين واليابان لا يملكان موارد طبيعية أين وصلوا .. وانظر لدول تملك النفط والغاز والماء والبشر،ولا تملك مصيرها التنموي ..ولا تملك حتى توفير خدمات أساسية كالطرق والكهرباء لشعوبها
— HH Sheikh Mohammed (@HHShkMohd) August 4, 2018