أبرز معهد أبحاث دولي يتخذ من لندن مقرا له أن التزام الإمارات من عدمه عامل رئيسي في نجاح المصالحة الخليجية.
ونشر المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط مقالاً تحليلاً نقلا المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن “تشاتام هاوس”.
وتناول مقال المعهد الذي يعد من أهم المراكز البحثية المهتمة بالقضايا السياسية في العالم، فرص نجاح وفشل اتفاق المصالحة الخليجية الأخير.
اتفاق هش
وقال المعهد إن الاتفاق ما زال هشاً والأزمة مرشحة للعودة بسهولة إذا لم يتم اصلاح المشكلات التي أدت إليها وتجاوز التوترات التي سادت دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2017.
وأضاف المعهد أن دول الحصار الأربع بقيادة السعودية و الإمارات وقعت على اتفاق المصالحة بحضور امير دولة قطر لطي صفحة الماضي وإعادة فتح الطرق الجوية و البحرية و البرية مع قطر في مقابل تنال الأخيرة عن الدعاوي القضائية التي رفعتها ضد دول الحصار الأربع في منظمة التجارة العالمية .
ووقف الهجوم الإعلامي المتبادل والعمل على إصلاح الخلاف الذي تسبب بأضرار جسيمة لسمعة دول الحصار على الصعيد المالي والسياسي.
اختلافات واسعة
وقال المعهد إن الأزمة كشفت عن الاختلافات القائمة والديناميكية التنافسية بين مجلس التعاون الخليجي، وبدون إصلاح نقاط الخلاف والأسباب الكامنة وراء الحصار يمكن أن تعود الازمة للظهور مرة أخرى بسهولة.
وإظهار الوحدة والتقاط الصور يعد بمثابة ارتياح مرحب به وسط التوترات الإقليمية مع إيران والحرب المستمرة في اليمن منذ 2015.
والآثار السلبية لجائحة كورونا وكذلك فوز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية.
وأشار المعهد إلى أن الاتفاقية التي وقعت في الخامس من الشهر الحالي لم تعالج الأسباب الأساسية لاتخاذ دول المقاطعة إجراءات الحصار على قطر.
وتنازل دول الحصار عن الشروط الـ 13 التي طرحتها منذ بداية الأزمة، كشرط لإنهاء مقاطعتها للدوحة.
ومنها إغلاق قناة الجزيرة، وتخفيف العلاقة مع إيران، وقطع علاقاتها مع الحركات الإسلامية، خاصة الإخوان المسلمين.
وكذلك التقارب مع تركيا وإنشاء قاعدة الريان التركية في قطر، حيث تشهد العلاقات الثنائية بين البلدين تطوراً متنامياً وتعاوناً متواصلاً على مختلف الأصعدة، مع وجود تناغم سياسي كبير واتفاق في وجهات النظر، تجاه كثير من القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما قضايا الشرق الأوسط.
وأضاف المعهد أن تقارب قطر مع إيران والحفاظ على علاقات دبلوماسية بين البلدين اعتبرته دول المقاطعة تهديدا لاستقرارها وأمنها في المنطقة.
“لكن تكمن كلمة السر وفقا للعديد من المراقبين، وراء التغير في موقف السعودية، والدول التي تحالفت معها، في التغير السياسي الحاصل في واشنطن، وانتقال السلطة من إدارة ترامب الجمهورية، إلى إدارة بايدن الديمقراطية”.
وكان المجهر الأوروبي كشف في وقت سابق أن الإمارات، قاومت المصالحة مع قطر، واختلفت مع السعودية، حول ما إذا كان ينبغي إنهاء المقاطعة، لكن الرياض “أرادت إنهاء المقاطعة، وعدم بقاء الأزمة على طاولتها مع قرب دخول إدارة جو بايدن البيت الأبيض”.
وأشار المعهد إلى أن هناك تخوف من الدول التي أبدت تحفظا على المصالحة، وعلى رأسها دولة الإمارات وما إذا كانت ستلقي بثقلها في اتجاه العودة إلى علاقات طبيعية أم لا.
نجحت قطر وفشل الحصار
قطر نجحت في الصمود ولم تمتثل لمطالب الرباعية الـ 13 بفضل مواردها المالية وبناء علاقات استراتيجية مع دول مثل تركيا للحصول على الدعم اللوجستي والعسكري ونجاحها في تحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها من خلال خطط إنمائية محلية.
واعتمدت السياسات المضادة للحصار التي اشتملت على تدخل الحكومة عندما تعطلت آليات الاستيراد في الأسواق في بعض السلع بفعل الحصار، ولعبت دورها كمستورد وموزع ومحافظ على الأسعار.
ونوعت قطر مصادر ووسائط الاستيراد، وفتحت مصادر وخطوط إمداد بديلة (جوية وبحرية)، واستخدمت البنى التحتية ذات الطاقات الاستيعابية العالية من ميناء حمد ومطار حمد لتجاوز دول الحصار والوصول إلى مصادر الاستيراد الأصلية والبديلة، لضمان استمرارية تدفق السلع وبأسعار مناسبة للمستهلك.
تلك الإجراءات التي اتخذتها قطر خففت من تأثير الحصار عليها، و تمتع الأمير تميم بموجة عالية من الدعم الوطني مما أدى إلى ترسيخ اقوى بالهوية القطرية لدى المواطنين، وأعادت قطر تمركزها على الساحة الدولية ، وكشف عن أزمة حقيقية تعيشها دول الحصار.
فشل دول الحصار
في المقابل ثبت أن الحصار مكلف لدول المقاطعة الأربعة وفشلت في نزع السيادة القطرية مع اعتراف ضمني بمكانة قطر الاقتصادية والعسكرية في المنطقة.
وأعاد المعهد التذكير ببدايات الأزمة و جذورها والتي بدأت منذ انطلاق ثورات الربيع العربي عام 2011 وسقوط أنظمة استبدادية مثل ما حدث في مصر و تونس وليبيا، و كذلك الاحتجاجات التي حدثت في البحرين.
ما تسبب في قلق عميق من تأثير تلك الثورات على دول الخليج والتي سارعت بقيادة الإمارات الى دعم الثورات المضادة ودعم الانقلاب في مصر وليبيا وتشكيل جماعات واحزاب مناهضة لثورات الربيع العربي.
في المقابل رأت دول الحصار أن دعم قطر لثورات الربيع العربي واحترام خيارات الشعوب و التغطية الإعلامية الإيجابية لقناة الجزيرة تهديد لأمنها وخوفها من وصول تلك الثورات إلى بلادها، وعلى إثرها قامت دول الحصار بسحب سفرائها وقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر في العام 2014.
وعلى الرغم من توقيع اتفاق الرياض في العام 2014 استمرت التوترات بين دول مجلس التعاون الخليجي والتي انتهت بالحصار الذي فرضته دول المقاطعة الرباعية على قطر في العام 2017.
في تلك الأثناء قادت دولة الكويت جهود رأب الصدع بين قطر والرباعية بكل حيادية وأخيراً جلبت ادارة ترامب لرعاية اتفاق قمة العلا.
لا نتائج ذات مغزى
ولكن حتى اللحظة بحسب معهد تشاتام هاوس القمة لم تسفر عن نتائج ذات مغزى أو سيتم توسيع التقارب السعودي القطري الثنائي ليشمل باقي دول الحصار، وهو ما ينذر بتجدد الأزمة عند اي عقبة.
كان إصرار قطر على رفع الحصار قبل الالتزام برحلة تميم خطوة تصالحية مهمة.
بدأت المملكة العربية السعودية في الإشارة منذ عام 2019 إلى أن المصالحة مع الدوحة كانت على جدول أعمالها.
وكشف المجهر الأوروبي أن الأسباب الحقيقية لتوقيع اتفاقية المصالحة الخليجية بحسب معهد تشاتام هاوس، هو سعي السعودية لتحسين صورتها على المستوى الدولي خصوصاً بعد قتلها للصحفي جمال خاشقجي والبحث عن طريق لمعالجة الازمة في اليمن وكذلك توحيد مجلس التعاون الخليجي لمواجهة عدوها إيران.
وكانت السعودية تنظر إلى دفع قطر 100 مليون دولار لاستخدام المجال الجوي الإيراني أنه شريان حياة للجمهورية الايرانية التي تعاني من ضائقة مالية
وسلط محمد بن سلمان الضوء على قضية إيران والمحور الأمني للاتفاق في خطاب الأسبوع، مشيرا إلى أنه لا تزال هناك “تهديدات من البرنامج النووي والباليستي للنظام الإيراني وخططه للتخريب والتدمير”.
وصول بايدن
يُعتقد أيضًا أن التنصيب القادم لإدارة بايدن التي تخطط لاتباع نهج إقليمي أكثر توازناً هو الدافع وراء المصالحة.
وإدراكًا لنوايا بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، يُنظر إلى وحدة دول مجلس التعاون الخليجي على أنها ضرورية للبدء على أساس قوي مع واشنطن
ورصد المجهر الأوروبي تحذير المعهد من تكرار تجارب عامي 2014 و 2017 بسبب التوترات والانقسامات داخل مجلس التعاون الخليجي و تنازل دول المقاطعة عن تنفيذ قطر المطالب الـ 13 .
ومن المتوقع أن تناقش هذه القضايا بشكل ثنائي بين قطر ودول الحصار على حدا ولكن من الصعب رؤية كيف سيؤدي مسار حل النزاع هذا إلى تحولات في علاقات الدوحة مع طهران أو أنقرة.
إذ حافظت كل دولة على استراتيجيتها الفردية الخاصة بإيران مما يجعل التوافق على استراتيجية موحدة و مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي تجاه ايران بعيد المنال.
ومن الواضح أن التحذير من هذه الديناميكيات الداخلية الخليجية ينطوي على خطر تكرار الأزمة.
وستكون هناك حاجة إلى دبلوماسية متضافرة وتدابير بناء الثقة لرأب الفجوة التي قسمت العائلات والروابط القبلية وبناء أساس أكثر استدامة للتعاون الخليجي.
