عمد النظام الإماراتي مؤخرا إلى تكريس علاقات التطبيع العلني مع إسرائيل بعد عقود من التعاون السري متخذا من أزمة فيروس كورونا المستجد ستارا لذلك لتمرير التورط بعار التطبيع.
ووقعت “مجموعة 42″، الإماراتية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والتي تتخذ من أبوظبي مقرا لها، مذكرتي تفاهم مع شركة “رافاييل” للأنظمة العسكرية المتقدمة وإسرائيل لصناعات الطيران والفضاء “أي ايه أي”، وهما من كبار الشركات التكنولوجية الإسرائيلية، من أجل التعاون في مجال البحث والتطوير وإيجاد حلول فعالة لمكافحة فيروس سارس – كوفيد 2 المسبب لجائحة كورونا.
وقالت إذاعة الجيش الاسرائيلي إن الشركتين هما شركة “الصناعات الإسرائيلية الجوية”، وشركة “رفائيل” (الحكوميتان)، وقد وقعتا الاتفاقية شركة مجموعة 42 الإماراتية”.
وتتبع الشركتان المذكورتان، وزارة الدفاع الإسرائيلية، وتزود الجيش بالمعدات والصواريخ وأنظمة الدفاع العسكرية.
تعاون بين شركات إسرائيلية وإماراتية لمكافحة وباء كورونا..شركة رافائيل لأنظمة دفاعية متقدمة وشركة صناعات الفضاء، شركتان…
Posted by إسرائيل تتكلم بالعربية on Thursday, July 2, 2020
وأعلنت الإمارات، رسميا، في 26 يونيو/حزيران الماضي، إطلاق مشاريع مشتركة مع إسرائيل في المجال الطبي ومكافحة “كورونا”، وفي اليوم نفسه، كشفت وسائل إعلام عبرية أن أبوظبي زودت إسرائيل، بـ100 ألف جهاز فحص للفيروس.
جاء ذلك، بعد يوم من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن تعاون إسرائيل مع الإمارات في مجال مكافحة كورونا، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.
ومؤخرا، سعت الإمارات إلى استثمار جائحة كورونا، لزيادة وتيرة تطبيعها مع إسرائيل، على حساب القضية الفلسطينية التي تمر بمرحلة تعد الأصعب في تاريخها منذ نكبة عام 1948.
يأتي هذا رغم إعلان إسرائيل عزمها ضم 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربية المحتلة (غور الأردن والمستوطنات) إلى سيادتها، بحسب تصريحات سابقة لنتنياهو
وتعد “مجموعة 42” من الشركات السباقة في مكافحة المرض منذ بداية ظهوره. وبفضل ما تمتلكه من خبرات في مجال التسلسل الجيني القائم على الذكاء الاصطناعي، أعلنت المجموعة بالتعاون مع شركة “أوكسفورد نانوبور تكنولوجيز” المتخصصة بمجال تسلسل الحمض النووي ومقرها المملكة المتحدة عن تطوير حل غير مسبوق يمكن استخدامه على نطاق سكاني واسع لإجراء الفحوص السريعة وعالية الدقة للكشف عن فيروس كورونا المستجد “سارس-كوف-2” المسبب لمرض “كوفيد-19”.
ويبدو أن الإمارات تسير على حبل مشدود في رسم ملامح علاقاتها، القديمة الجديدة، مع إسرائيل، من خلال مقاربة تراجع إسرائيل عن خطة ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة والتقدم في عملية السلام على قاعدة حل الدولتين، في مقابل الانتقال من التعاون المعلن في مكافحة “كورونا” إلى تحسين العلاقات، التي وصفها السفير الإماراتي في واشنطن بـ”الحميمة”.
ترى الإمارات أن عملية الضم قد تشعل العنف وتزعزع الاستقرار في المنطقة بأكملها، لكن الأهم لدى الإمارات، الحريصة على المضي قدما بالعلاقات مع إسرائيل، هو أن تلك العملية ستقوض مساعيها في طريق التطبيع العربي- الإسرائيلي.
وفي ما يُشبه النصيحة “الودية”، أرسل السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، المعروف بقربة من مراكز صنع القرار الأمريكية، رسالة صريحة إلى الرأي العام والأوساط السياسية الإسرائيلية ضمّنها عنوان مقال له وضع فيه الإسرائيليين أمام خيارين: “إما الضّم وإما التطبيع”.
وتعهد نتنياهو، بضم ما يصل إلى 30 بالمائة من منطقة غور الأردن الاستراتيجية، التي تشكل ثلث مساحة الضفة الغربية المحتلة، في خطوة اعترضت عليها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية وحركة “حماس” والجامعة العربية ودول عربية عدة، منها الإمارات.
وعبر ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في اتصال هاتفي مع العاهل الأردني، عبد الله الثاني، يوم 17 يونيو/ حزيران الماضي، عن “رفض الإمارات القاطع لخطوة الاحتلال الإسرائيلي لضم أراض فلسطينية بصورة غير قانونية”.
وفي 12 يونيو/حزيران الماضي، كتب السفير “العتيبة” مقالا باللغة العبرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية واسعة الانتشار، حذّر فيه الإسرائيليين من أنه لا يمكن لإسرائيل أن تتوقع تطبيعا للعلاقات مع العالم العربي إن هي ضمت أراضٍ في الضفة الغربية.
وأضاف أنه يمكن للإمارات، من خلال قدراتها، أن تكون “بوابة مفتوحة أمام الإسرائيليين لربطهم بالمنطقة والعالم”.
ويعتقد “العتيبة” أن الإمارات وجزءا كبيرا من العالم العربي تطلعوا إلى أن تكون إسرائيل “فرصة” وليس عدوا، وأنهم رأوا فيها “فرصة عظيمة” لبناء علاقات “حميمة”.
وفي تسجيل مصاحب لمقاله، تحدث “العتيبة” باللغة الإنجليزية عن أن المواقف العربية تشهد تغيرا باتجاه إسرائيل، حيث أصبح الناس أكثر تقبّلا لها وأقل عداءً تجاهها، وكل ذلك “قد ينسفه قرار بالضم”.
وهناك الكثير من الخطوات التطبيعية خارج النطاق الدبلوماسي، حيث لا توجد علاقات رسمية بين الإمارات وإسرائيل.
وعامة، لا تقيم أي دولة عربية علاقات رسمية “معلنة” مع إسرائيل، باستثناء مصر والأردن، اللتين ترتبطان معها بمعاهدتي سلام.
ووفقا لتصريحات رسمية، تتحرك الإمارات بكل السبل الدبلوماسية المتاحة لمواجهة اعتزام إسرائيل ضم أراضٍ فلسطينية في تحدٍ إسرائيلي سافر للإجماع العربي والمجتمع الدولي، باستثناء الولايات المتحدة، بما يشكل خطرا على مسار السلام واستقرار المنطقة.
وكان لجائحة “كورونا” حصة من الخطوات التطبيعية، تمثلت في تصريحات رسمية على أعلى المستويات في الدولتين عن استجابة الإمارات للظروف التي تفرضها “كورونا” على كافة الدول للتعاون في مجال البحث والتطوير والتكنولوجيا وتكريسه لصالح مسيرة الإنسانية.
وسبق ذلك، في التاسع من الشهر نفسه، وصول طائرة مساعدات إماراتية ثانية إلى مطار بن غوريون شرق تل أبيب، بعد أسابيع من وصول الطائرة الأولى إلى المطار نفسه، في رحلتين مباشرتين من مطار أبو ظبي إلى إسرائيل، لتقديم مساعدات إلى السلطة الفلسطينية، التي رفضتها لعدم التنسيق المسبق معها، بينما رأت فصائل فلسطينية ذلك تطبيعا إماراتيا مرفوضا.
وحاولت الإمارات التقليل من أهمية التعاون في مكافحة “كورونا”، بتوصيفه بأنه مجرد اتفاق بين شركتين إماراتيتين خاصتين وشركتين إسرائيليتين لتطوير تكنولوجيا لمحاربة الفيروس، بينما أعلن نتنياهو أن هذه الشراكة جاءت نتيجة مفاوضات مكثفة بين الدولتين في الأشهر الأخيرة.
لكن علاقات الإمارات مع إسرائيل خارج الإطار الدبلوماسي تمتد لسنوات طويلة في مجالات شتى خارج إطار العلاقات الرسمية.
ويعتقد مراقبون أن التحول الأبرز في العلاقات بين الدولتين كان بعد وصول رجل الأمن الفلسطيني السابق، محمد دحلان، إلى الإمارات، في أعقاب فصله من منظمة التحرير الفلسطينية، في يونيو/حزيران 2011، وتعيينه مستشارا أمنيا لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد.
وبن زايد هو الحاكم الفعلي لدولة الإمارات، بعد غياب رئيس الدولة خليفة بن زايد آل نهيان، عن المشهد السياسي، منذ أكثر من ست سنوات، لدواع ٍصحية.
ويُعرف “دحلان” بضلوعه بملفات فساد مالي وتعاون سري مع إسرائيل، عندما كان قائدا للأمن الوقائي في قطاع غزة بين عامي 1994 و2001، ثم مستشارا للأمن الوطني في السلطة الفلسطينية ومناصب أخرى بمنظمة التحرير.
وأنشأت إسرائيل أول بعثة لها في الإمارات عام 2015، لتمثيلها في “الوكالة الدولية للطاقة المتجددة”، ومقرها أبو ظبي.
وقال مسؤولون إماراتيون إن وجود هذه البعثة لا يمثل تغييرا في السياسات الإماراتية تجاه إسرائيل، وإنه مخصص حصرا للأنشطة المتعلقة بالوكالة.
وشاركت الإمارات، في مارس/آذار 2017، في تدريب عسكري مشترك مع القوات الجوية اليونانية والأمريكية والإيطالية والإسرائيلية.
وكانت هذه هي المرة الثانية التي يحلق فيها طيارون إماراتيون مع طيارين إسرائيليين في تدريبات مشتركة، بعد مشاركتهم في مناورات “العلم الأحمر” بصحراء ولاية نيفادا الأمريكية، عام 2016، والتي شارك فيها أيضا طيارون من الولايات المتحدة وباكستان وإسبانيا.
وتحاول الإمارات الإيحاء بالتزامها بالحق الفلسطيني وحرصها على الثوابت العربية في إحلال السلام مع إسرائيل، عبر سلسلة من التصريحات الإعلامية والمواقف السياسية، وفي الوقت ذاته تمضي قدما في خطواتها العملية لإقامة علاقات مع إسرائيل بشكل واضح ومعلن، على غير ما كانت عليه خطوات سابقة.
وتتحدث وسائل إعلام إسرائيلية عن أن الدول العربية تقترب كثيرا من التطبيع الكامل مع إسرائيل بخطوات عملية، بينما تمارس هذه الدول لعبة إعلامية مفضوحة عبر مواقف سياسية تهدد أو تحذر إسرائيل من مواصلة نهج ضم الأراضي الفلسطينية.
ولا تجد الخطوات التطبيعية الإماراتية، ومحاولة تسويقها عربيا وإقليميا، قبولا شعبيا على المستويين المحلي والعربي، لكن مع هذا يمضي المسؤولون الإماراتيون قدما في هذا الاتجاه.