أبرز دراسة نشرها المركز الخليجي للتفكير حيثيات التقارب الإماراتي التركي في ظل تغيرات اقليمية متسارعة رسمت مشهداً سياسياً جديداً أجبرت كلاً البلدين على تقارب قوامه الاقتصاد مع تأجيل الخلافات السياسية
وذكرت الدراسة أنه بعد عقد من الخلافات والتنازع الإقليمي في ملفات عدة، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإمارات بعد أن كان استقبل في نوفمبر الماضي ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
ويأتي ذلك رغبة في سعى الإمارات وتركيا لإصلاح العلاقات المتوترة بينهما وزيادة التعاون الاقتصادي بينهما.
ومنذ الربيع العربي، تصاعد التوتر بين أنقرة وأبو ظبي، حيث دعمت تركيا الربيع العربي في حين رأت أبو ظبي في هذا التغيير تهديدا للاستقرار الإقليمي.
ولكن خلال الفترة الأخيرة شهد الشرق الأوسط متغيرات متسارعة، خلطت أوراقًا، وأعادت رسم سياسات جديدة، وفق محفزات عديدة دفعت دولاً خصوم إلى اتخاذ خطوات للأمام في سبيل تطبيع العلاقات المتوترة، واحدة من تلك التغيرات بدت في التقارب الإماراتي التركي.
فكلا الدولتين تعانيان من استمرار الخلافات بينهما، لذا بدأتا خطوات التقارب، وهو مسار إجباري فُرض عليهما، فالخلافات بينهما خلافات استراتيجية عميقة.
ولكن المتغيرات أجبرتهما على ضرورة التقارب وانهاء الصراع الصفري بينهما، وتجاوز تلك الخلافات بداية من منطلق اقتصادي وتأجيل الخلافات السياسية والاستراتيجية إلى مرحلة أخرى، ولكن يظل هذا التقارب هشاً فهو مرتبط بالمتغيرات الإقليمية والتي سرعان ما تتغير في منطقة أشبه بالرمال المتحركة.
جذور العلاقات بين الدولتين
بالرغم من الخلافات السياسية بين الدولتين إلا أنه جمعتهما علاقات تجارية واستثمارية جيدة فبينما يبلغ متوسط حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين قرابة 8 مليارات دولار، حلت الإمارات بالمرتبة الأولى عربياً من حيث قيمة وتنوع الاستثمارات في تركيا.
فخلال السنوات الأربع الماضية بالرغم من الصراع السياسي، حافظت أنقرة وأبو ظبي على استمرار العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما، وبحسب بيانات وزارة الخارجية التركية.
فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين قرابة 7.4 مليارات دولار أمريكي عام 2019، ونحو 7.6 مليارات دولار عام 2018، مسجلاً رقماً قياسياً عام 2017 بعد أن وصل حجم التجارة إلى قرابة 14.8 مليار دولار أمريكي.
ووفق هذه الأرقام، فإن الإمارات تحل في المرتبة الـ 12 كأكبر مستورد للسلع التركية على مستوى العالم والثانية عربياً بعد العراق، وفي المرتبة التاسعة كأكبر مصدّر للسوق التركية عالمياً والأولى عربياً.
وبينما بلغ مجموع الاستثمارات الخليجية في تركيا قرابة 11.4 مليار دولار خلال السنوات الـ 18 الأخيرة، حلت الإمارات في المرتبة الأولى بين الدول الخليجية كأكبر مستثمر في تركيا بقيمة بلغت نحو 4.3 مليارات دولار.
كما تُعد الإمارات سوقاً استثمارية مهمة للمستثمرين الأتراك، حيث تتركز الاستثمارات التركية بالأغلب في قطاع البناء والإنشاءات.
فقد نفذت شركات المقاولات التركية في الإمارات لغاية عام 2013 نحو 100 مشروع بقيمة تجاوزت 8.5 مليارات دولار أمريكي.
وإلى جانب قطاع البناء والإنشاءات، تستثمر الشركات التجارية التركية هي الأخرى في الإمارات وافتتحت مقرات ومخازن لها هناك.
محطات الصراع
ترجع جذور الصراع بين الإمارات وتركيا إلى الربيع العربي 2011، حين أطاحت الثورات العربية بعدد من الأنظمة العربية وأفرزت أنظمة بقيادة إسلامية، نظرت تركيا إليها كفرصة يمكن أن تحقق لها طموحات كبيرة في المساهمة في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط.
في المقابل رأت الإمارات فيها تهديد للأمن الداخلي والإقليمي فناصبتها العداء، فدعمت تركيا التغيير في مصر وتونس، كما دعمت المعارضة السورية، وتدخلت عسكريا لمساندة التغيير في ليبيا.
ولكن مع فشل عملية التغيير في البلدان العربية دخلت تركيا في صراع مع هذه الدول، والدول الأخرى الداعمة للوضع الراهن مثل السعودية والإمارات وإسرائيل في حالة مصر، وإيران وروسيا في حالة سوريا.
وقد اعتبرت تركيا طرفاً في معادلة الصراع، وتراجعت سياسة تصفير المشكلات مع دول الجوار، وبلغت العلاقات حدًّا متدنيًا حين استطاع الانقلاب العسكري في مصر 2013 بمساعدة الامارات في اسقاط حكم جماعة الاخوان المسلمين.
ولاحقًا، أدت أزمة الخليج في عام 2017، والدعم الاماراتي لحلف اليونان في رسم الحدود البحرية ومواجهة تركيا في حوض المتوسط، إلى إفساد العلاقات أكثر فأكثر، وساءت العلاقات أكثر مع اتهامات أنقره لأبوظبي بدعمها وتمويلها المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016.
ورغم أن أبوظبي استدعت السفير خليفة شاهين من تركيا في عام 2018، إلا أنه خلال هذه الفترة كان هناك تواصل منقطع ففي 25 أبريل 2016، أجرى السيد مولود تشاووش أوغلو وزير الخارجية التركي زيارة للإمارات.
وأجرى عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي زيارة لتركيا يومي 16-17 أكتوبر 2016، كما جرت المشاورات السياسية بين وزارتي خارجية البلدين بتاريخ 9 فبراير 2017 في أنقرة برئاسة مشتركة من قبل السفير أوميت يالتشين الأمين العام السابق لوزارة الخارجية التركية ونظيره الإماراتي أحمد الجرمن.
حتى أن اتهامات أنقرة لأبو ظبي بتمويل مدبّري انقلاب 15 يوليو 2016 لم تضع حدًّا لعملية الحوار هذه، فقامت الإمارات بتسليم جنرالين تركيين متهمين بالمشاركة في الانقلاب إلى تركيا، فالاتصالات لم تنقطع بصورة كاملة وإن كانت محدودة وفي مستويات دبلوماسية أقل.
دوافع التقارب الإماراتي التركي
مع المتغيرات الأخيرة والمتسارعة التي أصابت الشرق الأوسط وفي ظل أزمات اقتصادية أصابت الدولتين، بدأت الدولتان بإعادة تموضع سياستهما الخارجية وتخفيف حدة المشاكل والصراعات المتداخلة بينهما.
لذلك، فإن التقارب الإماراتي التركي، يبدو مدفوعًا بجملة من المحفزات للطرفين، فكلمة السر في التحول الإماراتي تظل “إيران” والانسحاب الأمريكي من المنطقة، بالإضافة إلى الاقتصاد.
أولاً: الجانب الإماراتي
تتعدد أهداف الإمارات من التقارب مع تركيا، فالإمارات ترقب رغبة غربية للتعاون مع إيران والذي سيسفر بدوره عن إعادة تشكيل القوى الإقليمية وفي المقابل انسحاب أمريكي من الشرق الأوسط، مخلفًا وراءه حزمة من التحديات الأمنية مثل طالبان والقوي الإسلامية الجهادية، التي يمكن اعتبار تركيا وسيطًا مثاليًا معها.
وكتب أنور قرقاش على “تويتر”، في 19 أغسطس 2021، أن بلاده تعمل حالياً على بناء الجسور وتعزيزها وترميمها مع الجميع، والمواءمة بين الاقتصاد والسياسة.
وأضاف: “لن يقف تباين التوجهات تجاه بعض القضايا حجر عثرة أمام التواصل وتعزيز فرص الاستقرار والازدهار والتنمية.. ننطلق في هذا الاتجاه برصيد راسخ من المصداقية، وشبكة واسعة من العلاقات”.
1- الاقتصاد وسيلة للهيمنة
أدركت الإمارات أنه بعد سنوات من الصراع والهيمنة واستخدام القوة الصلبة في ملفات عدة أن القوة الصلبة كلفتها الكثير من الأعداء والخسائر، وأن الاقتصاد في ظل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها العالم مدخل هام ومؤثر في بناء الهيمنة في المنطقة لذا باتت تركز جهودها على الانتشار والهيمنة من خلال الاستثمار الاقتصادي في دول عدة من خلال تجاوز الازمات والخلافات السياسية.
ومؤخراً أكدت الدولة في مبادئها العشرة للخمسين عاماً المقبلة حيث ركزت سبع مبادئ من العشرة حول التركيز على التنمية الاقتصادية وتطوير القدرات والعلاقات الاقتصادية مع باقي الدول وتهيئة الدولة ومؤسساتها لذلك.
ويبدو هذا جلياً من التحركات الإماراتية الأخيرة والاتفاقيات الاقتصادية مع العديد من الدول، فالاقتصاد مدخل ودافع رئيسي لتحسين العلاقات مع تركيا حيث هيمنت الأعمال التجارية على الأجندة خلال لقاء بن زايد بالرئيس التركي، ليطوي صفحة عقدٍ كامل من العلاقات المتوترة بإطلاق صندوق قيمته 10 مليارات دولار للاستثمار وسط الاضطرابات المالية، وعدة اتفاقيات أخرى غلب عليها التعاون الاقتصادي.
ومن المزايا الأخرى التي تطمح لها الإمارات أن التعاون التجاري مع تركيا يُساعدها في الوصول برّاً إلى أسواق آسيا الوسطى، بعد إنشاء مشروع الممرّ البرّي بين تركيا وأذربيجان، ومن المرجح كذلك أن تؤدي الاستثمارات الإماراتية في الموانئ التركية إلى تعزيز شبكة إدارة الموانئ العالمية والخدمات اللوجستية في دبي بشركة موانئ دبي العالمية في شرق المتوسط.
فالإمارات بالرغم من قوتها المالية والإقليمية تواجه تهديد وجودي بضعف مساحتها وقلة سكانها وجيرتها مع إيران التوسعية، لذا تريد منطقة هادئة نسبيا في إطار تحالف إقليمي موسع بمشاركة إسرائيلية لمواجهة إيران في ظل الانسحاب الأمريكي عن المنطقة.
2- إعادة تحالفات المنطقة
تسعى الإمارات للحفاظ على دورها الإقليمي، وفقا للمستجدات التي طرأت في ظل قيادة أمريكية جديدة، ومفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني. وبالتالي تسعى الإمارات نحو تشكيل جبهة موحدة تتكون من فواعل إقليمية في مواجهة التهديدات الحالية، ولتعويض غياب الدور الأمريكي في مواجهة إيران.
وترى سينزيا باينكو، الخبيرة بشؤون الخليج في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية حاجة الإمارات إلى القيام بتغييرات في السياسة بسبب المدخلات الواضحة من إدارة بايدن والعوامل الداخلية، مثل الحاجة لتخفيض كلفة التدخلات الخارجية المكلفة والتركيز على مرحلة ما بعد كوفيد-19”.
كما يعتقد أن الخلافات التي تصاعدت مؤخراً بين السعودية والإمارات قد شجعت أبوظبي أكثر على التقارب مع تركيا في مسعى لتنويع تحالفاتها وتوجيه رسالة قوية للسعودية التي تبدي تعنتاً أكبر في مساعي التقارب مع تركيا نتيجة حجم الخلافات بين البلدين.
وترى الإمارات أن سقوط السلطة في أفغانستان وصعود حركة طالبان متغير جديد على الساحة الإقليمية والدولية، والذي يتطلب الاستعداد لمواجهته واحتوائه، وفي الآونة الأخيرة أصبحت التنظيمات المسلحة بمثابة ورقة لإدارة الصراعات في المنطقة، وتمتلك تركيا رصيدا لا يستهان به في كيفية إدارة هذا الملف.
فالمنطقة مقبلة على تحالفات إقليمية جديدة والإمارات تسعى لأن تكون في قلب هذا التحالفات بما يخدم مصالحها وقدرتها على مواجهة التوسعات الإيرانية في المنطقة.
3- إصلاح العلاقة بين تركيا وإسرائيل
منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم بين الإمارات وإسرائيل ومن خلال مسارات عدة تٌظهر قوة التحالف بين الدولتين، وخطوات الإمارات المتسارعة لدمج إسرائيل في المنطقة من خلال توظيف قوتها ومواردها.
لذلك، فقد مارست الإمارات ضغوطها على السودان والمغرب لتوقيعهما اتفاق السلام مع إسرائيل، وتوسطت في اتفاقية “الكهرباء مقابل الماء” بين إسرائيل والأردن، وكذلك مساعيها الرامية إلى إدماج النظام السوري في المنظومة الإقليمية والدولية.
كما يظهر أن العلاقات الإماراتية- الإسرائيلية دفعت في اتجاه تحسين العلاقات الإماراتية- التركية وربما تساهم لاحقاً في تحسين العلاقات التركية- الإسرائيلية التي تسير أيضاً في هذا الاتجاه، حيث تسعى الإمارات لتسويق نموذجها التطبيعي عربياً وإسلاميا ولتحقيق هذا الهدف لن تجد أفضل من أن تطبع تركيا مع إسرائيل وتطبع الإمارات بدورها مع تركيا.
الدوافع التركية
تعيش تركيا واحدة من أصعب لحظاتها، في خضم أزمة اقتصادية، وتغيرات إقليمية. وذلك جعلها في أمس الحاجة لبناء علاقات إقليمية تعالج أزماتها الاقتصادية، لذا يمكن إرجاع تحركاتها الأخيرة إلى عدد من الدوافع أهما:
1- كسر العزلة واستعادة النفوذ الإقليمي
بالرغم من بعض النجاحات النسبية في مسار السياسة التركية إلا أنها عانت خلال الفترة الأخيرة حالة من العزلة الإقليمية والدولية نتيجة أزمتها مع التحالف الخليجي المناوئ للثورات العربية، مما أثر على نفوذها في الشرق الأوسط.
ومع استمرار الأزمات الاقتصادية والسياسية الداخلية وقرب انتخابات 2023 تسعى تركيا إلى العودة إلى استراتيجيتها السابقة وهي تصفير المشاكل، فبادرت بتقديم بعض التنازلات.
وتراجعت أنقرة عن حدة الخطاب الموجه ضد دول المنطقة وفتحت قنوات اتصال لعودة العلاقات مع دول المنطقة، ففي نوفمبر 2020 أجرى أردوغان والملك سلمان اتصالاً هاتفياً اتفقا خلاله على تنسيق الجهود المشتركة لدفع سبل التعاون. كما فتحت تركيا قنوات اتصال لعودة العلاقات مع مصر وإن كانت بطيئة نسبياً.
وتهدف تركيا من هذا التقارب تجاوز العزلة الدولية والإقليمية التي عاشتها تركيا خلال الفترة الماضية، كما تهدف إلى تحييد الموقف الإماراتي الداعم لليونان في خلافاتهما حول التنقيب في حوض المتوسط، لذا تأتي خطوة التقارب من مجال إعادة رسم العلاقات مرة أخرى.
2- الضغوط الأمريكية على تركيا
مثلت الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية أبرز الضغوط التي تواجه تركيا خلال الفترة الحالية، وهي التي وصفها مستشار الأمن القومي الأمريكي “جيك سوليفان” بأنها تمثل مصدر قلق مستمر لواشنطن وأوروبا بأكملها.
ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب صاغتها القيادة الأمريكية، منها محاولة تركيا توسيع نطاق سياستها في المنطقة بما لا يتسق مع السياسة الأمريكية.
بالإضافة إلى ملف التقارب التركي الروسي وشراء صواريخ “إس400” الروسية، كما يُعتبر جو بايدن الرئيس الأمريكي الأول الذي وصف مذابح الأرمن بأنها إبادة جماعية[12].
وفي ديسمبر 202 صعدت الولايات المتحدة موقفها بإدراج اسم مستشار الصناعات الدفاعية بالرئاسة التركية إسماعيل دمير في قائمة العقوبات. وكذلك فرض عقوبات على هيئة الصناعات التركية والتي تضمنت حظر أي قروض من المؤسسات المالية الأمريكية.
كما أن “اتفاقية أبراهام” في أغسطس 2020 التي رعتها الولايات المتحدة بين إسرائيل والدول العربية، مثلت تهميشا واضحا لدور تركيا بالمنطقة، وتصعيد لإسرائيل، ووضعها في الجانب المستهدف إلى جوار إيران، وكان ذلك أحد الأسباب القوية التي دفعت تركيا إلى العمل على تسوية الخلافات مع دول المنطقة بغرض الخروج من دائرة الحظر المفروضة عليها من قبل الإدارة الأمريكية.
3- الأزمة الاقتصادية
يش تركيا منذ عام 2018 أزمة اقتصادية متعددة الجوانب، حيث تجاوز التضخم 20%. كما انهارت قيمة الليرة، وارتفعت معدلات البطالة إلى 13.2%، بالإضافة إلى ما تسببت فيه أزمة فيروس كورونا من أعباء اقتصادية إضافية، حيث تعمقت الأزمة المالية في البلاد، فضلاً عن فقدان 3 ملايين و320 ألف وظائفهم، وانخفاض معدل النمو، وتآكل ودائع المواطنين؛ بسبب هبوط القيمة السوقية للعملة المحلية.
كل ما سبق دفع تركيا للبحث عن فرص اقتصادية، ورأت في الإمارات شريكًا اقتصاديًا قويًا. فهي تقع في المركز 12 كأكبر مستورد للسلع التركية على مستوى العالم والمركز الثاني على المستوى العربي كما تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 8 مليارات دولار عام 2020.
معوقات وتحديات التقارب
بالرغم من وجود دوافع قوية لإعادة العلاقات بين الدولتين على الأقل في الجانب الاقتصادي إلا أنه توجد أيضاً معوقات وتحديات قوية ربما أهمها عمق الخلافات بين الدولتين فليس النزاع بينهما محصور فقط في نقاط الصراع المختلفة بل الخلاف استراتيجي في رؤية كلاهما للملفات المختلفة.
فعلى الرغم من مؤشرات النهج الإماراتي – التركي الجديد، لا تزال هناك فجوات حول المصالح الأساسية، ويمكن حصر أهم تلك التحديات في: –
1- تناقض الرؤية الاستراتيجية
يوجد خلاف استراتيجي وجيوسياسي بين الدولتين فكلاً منهما له نظرة مغايره تماماً للعديد من الملفات، فتركيا تنظر إلى الإسلام السياسي كأحد العوامل الأساسية التي يمكن من خلالها تطوير علاقاتها بالمنطقة، والاستفادة من المحيط العربي والإسلامي في بناء تحالف إقليمي قوي، بينما ترى الإمارات أن الإسلاميين مجال للتهديد الداخلي والإقليمي، لذا تبني كلاً منهما رؤية مغايرة ومتصارعة مع الملفات المتشابكة بينهما.
ويُعد التنافس التركي الإماراتي، في جوهره، معركة من أجل ترسيخ الهيمنة على الشرق الأوسط؛ وتظهر الخلافات التركية الإماراتية في المنطقة في ملفات عدة أهمها ملف الربيع العربي، ثم الليبي ثم الملف السوري، وملف حوض البحر المتوسط.
وتنتهج الدولتان سياسات خارجية تهدف إلى زيادة وجودهما الاقتصادي والسياسي والعسكري في المنطقة – وهي سياسات تضع الطرفَين على مسار من التصادم.
كما أن قادة الدولتين والذين يؤثران بصورة أساسية في رسم السياسية الخارجية يبدوان على جانبي النقيض فأحدهما وهو أردوغان ذو رؤية وخلفية إسلامية بينما بن زايد ذو رؤية ليبرالية متسلطة يرى أن الإسلام كمنهج سياسي عائق للتطور والنمو، ولا مجال له في الحكم.
2- الملفات السياسية العالقة
تجاهل التقارب بدايةً الملفات والصراعات السياسية بين الدولتين وتم التركيز على المجال الاقتصادي ولكن إلى أي مدى سيتم تجاهل هذه الصراعات، خاصة أن هناك ملفات عدة متشابكة بين الدولتين.
فمازالت هناك خلافات مرتبطة بالفاعلين الآخرين مثل (سوريا – ليبيا) وكذلك يمثل الدعم الاماراتي للحلف اليوناني في حوض المتوسط أحد نقاط الخلاف الرئيسية، فسيكون التغلب على هذه الخلافات أشد صعوبة.
جوهرياً، تظل الخلافات الإماراتية – التركية متعلقة بالتنافس الإقليمي والمواقف الصدامية حول الكثير من الساحات المشتعلة، وهذا بالطبع لن يتغلب عليها عودة العلاقات الاقتصادية فقط.
فتحاول الإمارات تطبيع علاقتها بالقوى الإقليمية الكبرى؛ إيران وتركيا، لتحقيق طموحها الإقليمي، لكن هذه القوى ربما تنظر إلى المحاولات الإماراتية على أنها أكبر من حجمها الحقيقي، خصوصاً تركيا وإيران، اللتين تنظران إلى الإمارات على أنها مسؤولة عن عدد من أزمات المنطقة.
3- العلاقات الإماراتية – الإسرائيلية
بالرغم من أن العلاقات الإماراتية – الإسرائيلية تعتبر من الدوافع للتقارب إلا أنها تظل كذلك من التحديات، فليس بخاف التخوف الإسرائيلي من تركيا وعدم الثقة بينهما فإسرائيل تنظر لتركيا كمهدد.
فقد أدرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”، تركيا لأول مرة في تاريخ علاقات البلدين، في قائمة الأخطار المهددة للدولة العبرية في عام 2020، فكيف تدير الإمارات علاقتها مع تركيا في ظل المخاوف القوية للحليف الإسرائيلي.
فإسرائيل كما أنها تمثل دافع فهي أيضاً عائق، وإن كان إعلان أردوغان مؤخراً بعزمه التقارب مع إسرائيل إلا أنه في الغالب توجه تكتيكي مرتبط بالظروف الحالية والتي سرعان ما ستتغير.
فوائد التقارب الإماراتي – التركي
من المؤكد أن التقارب التركي الإماراتي في حال وصل إلى مرحلة متقدمة، سيكون له انعكاسات إقليمية، حيث من المفترض أن يٌسرع في تسوية العلاقات التركية المصرية.
إضافة إلى إمكانية التقارب الإماراتي مع قطر، وإدراك الإمارات للدور القطري والتركي في أفغانستان، وإدراك تركيا لعودة علاقة الإمارات بالنظام السوري، وذلك قد يشجع تركيا على الاستفادة من الموقف الإماراتي في أداء دور غير مباشر في هذا الملف.
أما على مستوى الملف السعودي فيبدو أن تطبيع السعودية لعلاقتها مع تركيا سيكون أبطأ نتيجة حساسية هذا الملف من جهة، والخلاف السعودي الإماراتي من جهة أخرى.
كما أن ذوبان الجليد التركي- الإماراتي سيمهد الطريق لتحسين علاقات تركيا مع إسرائيل، مما سيساعد على تليين علاقات أنقرة مع الولايات المتحدة أيضًا، فالإمارات مدخل هام لإعادة مسار التصالح مع دول المنطقة وخاصة إسرائيل ومصر وبالتالي الولايات المتحدة.
مسارات العلاقات الإماراتية التركية
التقارب الإماراتي التركي في حال تطوره لن ينتقل من التأزيم إلى التحالف مباشرة، حيث إن هذه الخطوة صعبة في ظل المعطيات الحالية، ولهذا جاء التركيز على الشق الاقتصادي، وإرجاء الملف السياسي وتعقيداته إلى مرحلة أخرى، ومن المتوقع أن تظل العلاقة الإماراتية التركية في ضوء المسارات الآتية:
المسار الأول: تطبيع اقتصادي وهدوء سياسي
يتوقع هذا المسار (وهو المرجح لدى الباحث) تطور نسبي في العلاقات الاقتصادية، مقابل الهدوء النسبي في الملفات السياسية، وبعض الملفات البينية المحدودة، والتفاهم على بعض الملفات الإقليمية المحدودة، ويرجح هذا السيناريو المعطيات الآتية:
-رغبة الدولتان بتحسين علاقاتهما وتطوير العلاقات الاقتصادية بينهما، وسيظهر ذلك من خلال حجم ونوعية المشاريع الاستثمارية المزمع قيامها في تركيا.
– الرغبة الأمريكية في تهدئة الملفات الإقليمية بالتزامن مع تخفيف ارتباطها بالمنطقة للتفرغ لملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها مثل الصين.
-وصول الطرفين إلى شبه قناعة بأهمية تسوية الملفات السياسية وتهدئة العلاقة بينهما في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية.
-الطموح الإماراتي لممارسة دور إقليمي يدعوها لتبريد بعض الجبهات والتفرغ لأخرى.
-إمكانية السيطرة على الملفات الثنائية وخاصة أنها في نطاق بعيد عن التماس المباشر بين الدولتين.
ومع ذلك ستبقى حالة من التوجس بين البلدين، وسيبقي كل منهما على جزء من الملفات للضغط على الآخر، ولا يستبعد أن تعيد الإمارات اختلاق مشاكل اقتصادية داخل تركيا بطريقة غير مباشرة لكسب المزيد من النقاط في ضغطها على تركيا.
المسار الثاني: تجاوز الخلافات وتطبيع كامل للعلاقات
يتوقع هذا السيناريو تسوية ملفات الخلاف الإماراتي التركي الثنائية والإقليمية، وعودة العلاقات كما كانت قبل الربيع العربي، (وهو مستبعد من قبل الباحث) ويعزز هذا السيناريو:
– التغير في السياسة الخارجية التركية، والتوجه نحو حلحلة الملفات الإقليمية، وتخفيف حدة المواجهة مع القوي والدول الإقليمية الأخرى
– حرص الإمارات على الاستفادة من المكانة التركية في أداء دور إقليمي أكبر، والاستفادة من علاقتها بإيران، وهذا قد يؤدي لتطور العلاقة بشكل متسارع.
– الرغبة الإماراتية في توظيف تقاربها لتحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل
ويضعف هذا السيناريو تعقد الملفات الإقليمية، وتباين السياسات الخارجية للبلدين، وضعف الثقة نتيجة الوصول إلى مرحلة متطورة من تعُقد العلاقة في السنوات الماضية، بالإضافة إلى الرؤية الاستراتيجية المتناقضة لكلا الدولتين، وتداخل كثير من الملفات مع دول أخرى.
المسار الثالث: استمرار التوتر
يفترض هذا السيناريو بقاء العلاقة في إطار التنافس والصراع في المسارات المختلفة وتغليب الصراع والهيمنة على حاجة كلاهما للتعاون الاقتصادي والإقليمي ويعزز هذا السيناريو:
– التعقيدات الإقليمية نتيجة تداخل الفواعل المختلفين.
– عدم رغبة بعض الدول الإقليمية في إكمال هذا التقارب.
– التباينات السياسية بين البلدين تجاه العديد من الملفات.
السياقات المتعلقة بملف العلاقات الإماراتية السعودية، وأن الزيارة لا تعدو كونها رسالة إلى السعودية.
ويضعف هذا السيناريو التصريحات الإيجابية بين البلدين، ومحاولة الحد من حدة الخطاب الإعلامي، والتحركات الإماراتية الموازية مع عدد من الدول العربية وعلى رأسها قطر، التي تعد أحد أسباب تأزم العلاقات الإماراتية التركية.
خاتمة
بالرغم من خطوات التقارب في العلاقات الإماراتية التركية خاصة في الملف الاقتصادي إلا أنه مازال هناك العديد من الملفات المفتوحة والتي إن خفت فيها حدة الصراع نسبياً إلا أنها مازلت شائكة مثل المواقف المتباينة من القضايا الفلسطينية والمصرية والسورية والليبية، وخلافات شرق المتوسط والدور الإماراتي في ذلك، والدعم الإماراتي للتشكيلات العسكرية المعادية لتركيا.
كل هذه الملفات المفتوحة تجعل من الصعوبة التوصل إلى تسوية شاملة ونهائية، ولكن كما رجح تقدير الموقف فإن العلاقات الاقتصادية ربما تتطور في ظل حاجة الدولتين إلى ذلك وهذه أيضاً مرتبطة بمتغيرات إقليمية ودولية ربما لو حدثت متغيرات جديدة تعود حالة التوتر كسابقاتها، فستظل حالة التوجس قائمة بين الدولتين في ظل الخلافات الجيوسياسية والاستراتيجية بين الدولتين، بالرغم من مظاهر التقارب الاقتصادي والهدوء السياسي.