يجمع مراقبون على أن تعزيز الإمارات التقارب مع اليونان يأتي في سياق تصعيد أبو ظبي لسياسة مناكفة الدور التركي في المنطقة.
يأتي ذلك رغم التصريحات المتبادلة بين أنقرة وأبوظبي الداعية للمصالحة بين البلدين، تزامناً مع عدة خطوات بهذا الاتجاه كان آخرها الاتصال الهاتفي بين وزيري الخارجية الإماراتي والتركي والذي تبادلا خلاله التهنئة بشهر رمضان، وقرار انقرة تعيين سفير جديد لها في أبوظبي.
إذ أن السياسة الخارجية الإماراتية وتعزيزها للتحالف مع اليونان الخصم اللدود لتركيا يأتي معاكساً لتوجهات هذه المصالحة.
ولطالما عبرت الإمارات عن دعمها لليونان في العديد من المواقف، بدءًا بالترحيب باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا العام الماضي.
مرورًا بالتدريبات العسكرية المشتركة بين كل من الإمارات واليونان بمشاركة إسرائيلية قرب الحدود التركية.
والتحاق الإمارات بالحلف الإسرائيلي القبرصي اليوناني خلال قمة رباعية عقدت في اليونان مؤخراً في رسالة موجهة إلى تركيا الخصم المشترك للأطراف الأربعة.
فيما يمثل ملف ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط والتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط وملف جزيرة قبرص أبرز الملفات الخلافية بين اليونان وتركيا.
واعتبر تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية أن حرص الإمارات على الانضمام إلى الحلف الإسرائيلي – القبرصي – اليوناني، جاء فقط من أجل تعزيز المحور المعادي لتركيا في المنطقة.
وأشار التقرير إلى أنه لم يعد يساور إسرائيل أي أمل باستعادة العلاقات الاستراتيجية مع تركيا، والتي انتهت في أعقاب أحداث “أسطول الحرية” في 2010 الذي كان متجها لإغاثة الفلسطينيين في غزة.
وفي شهر آب/أغسطس الماضي شاركت القوات الجوية الإماراتية في مناورات جوية مع اليونان في قاعدة سودا الجوية بجزيرة كريت حيث أثارت هذه الخطوة غضبًا واسعًا في الشارع التركي آنذاك.
وأعلنت وسائل الإعلام التركية وقتها عن أن الجيش التركي على أهبة الاستعداد لإسقاط أي طائرة سواء كانت إماراتية أو يونانية مشاركة في المناورات، في حال انتهكت المجال الجوي التركي فوق المياه التركية في شرق المتوسط.
وتحاول اليونان تطويق تركيا في ملف الغاز شرق المتوسط، من خلال توقيع اتفاقيات مشتركة مع دول حوض شرق المتوسط، حيث أبرمت اليونان مع إسرائيل اتفاقية تعاون عسكري تهدف بشكل خاص إلى إنشاء مدرسة طيران للقوات الجوية اليونانية، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية يوم 4 يناير/ كانون الثاني من العام الماضي.
ويذكر أن إسرائيل وقبرص اليونانية وقعتا اتفاقية لترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخاصة بين الطرفين عام 2010، الأمر الذي استنكرته تركيا كونه يتجاهل مصالح وحقوق القبارصة الأتراك شمال الجزيرة.
وكان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وصف الشراكة مع اليونان بالاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في مجالات عديدة بما في ذلك قطاع الصحة والعلوم والتكنولوجيا والأمن الغذائي والمائي والطاقة المتجددة والنفط.
غير أن الجانب العسكري وتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك هو أهم عنصر في الشراكة لأنه يدفع كل دولة إلى مساعدة الأخرى إذا تعرضت سلامها الإقليمي للتهديد.
ويذهب محللون إلى أن اتفاق الدفاع المشترك بين البلدين “أكثر دقة” من اتفاقية الدفاع والأمن الثلاثية بين إسرائيل واليونان وقبرص التي تم التوصل إليها في سبتمبر/أيلول الماضي.
ويتوقع المحللون أن تمهد هذه الخطوة لصفقات وعقود بيع وشراء الأسلحة المهمة العام المقبل، خاصة أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم توافق اليونان على الدخول في اتفاقيات ثنائية ذات طبيعة مماثلة كالتي وقعتها مع أبو ظبي.
وتسعى اليونان التي أولت مؤخرًا التسليح على التنمية، إلى تحديث ترسانتها العسكرية وخاصة السفن الحربية والطائرات المقاتلة القديمة.
لذلك يتوقع المحللون أن توقع أثينا عقودًا جديدةً بموجب هذه الاتفاقية لتجهيز أساطيلها من طراز إف-16 أو أن تنظم للبرنامج الإماراتي الفرنسي الذي بدأ لتحديث مقاتلات “الميراج – 2000″، وأن تنقل الإمارات 50 طائرةً من طراز إل-35 إس طلبت شراءها من الولايات المتحدة إلى اليونان وفق اتفاقيات تعاون ودفاع مشترك.
ومن غير المستبعد، بحسب المراقبين، أن يشمل التعاون الدفاعي بين البلدين عمليات نشر استكشافية لطائرات مقاتلة إماراتية إلى جزيرة كريت وعقود دفاعية لتزويد سلاح الجو اليوناني بالأسلحة الإماراتية أو أن تنقل أبو ظبي أسطولها من طراز ميراج 2000-9 إلى اليونان.
وهي خطوة تهدف من ورائها الإمارات الرد على إقامة تركيا قاعدة عسكرية في قطر بعد الحصار الخليجي.
لذا فالاتفاقات الموقعة والأهداف المعلنة صراحة لا تصب إلا في محاولة كبح جماح النفوذ التركي الممتد إقليميًا وعالميًا الذي تصوره هذه الدول بأنه “سلوك مزعزع للاستقرار”.
فالسياسة الخارجية اليونانية لا تبحث إلا عن علاقات جيدة مع الجهات الفاعلة إقليميًا لتعزيز موقفها الرافض لتنقيب تركيا عن الغاز الطبيعي ومحاولتها التنقيب في المياه المتنازع عليها في بحر إيجة وكذلك الاتفاق الحدود البحرية الذي وقعته مع حكومة الوفاق الليبية.
وفي السياق ذاته، فإن التقارب مع الإمارات سيحقق لليونان مصلحة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها وتتمثل في استثمار علاقاتها مع دول الخليج المؤثرة في القرار السيادي المصري، لدفع القاهرة إلى ترسيم الحدود البحرية معها.
وهو ما يُمثل المصدر الأول لنزاع أثينا وأنقرة، خاصة أن الخطوة ستمكن اليونان من فرض سيادتها على المنطقة البحرية كاملة.
ومن هذه الزاوية، يُمكن القول إن التوترات السياسية بين تركيا واليونان، دفعت الإمارات إلى تقوية علاقاتها مع أثينا تحت ذريعة الاقتصاد والتعاون الاستراتيجي والتنمية، والاستثمار في تحالف جديد مع الدولة الأوروبية يهدف إلى تعزيز دورها إقليميًا في هذه المنطقة وحصار تركيا التي تنافسها على النفوذ في ليبيا.
وبحسب مصادر إعلامية، فإن التقارب بين البلدين هو أيضًا جزء مخطط أبو ظبي لتسريع إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز من قبرص وإسرائيل عبر أثينا إلى أوروبا دون المرور بتركيا، الذي تهدف من ورائه إلى ضرب أنقرة التي تحذر من استبعادها عن أي مشروع في المتوسط، وقطر التي من المتوقع أن يقل تصديرها للغاز بمقدار النصف إلى أوروبا في حال أنجز هذا المشروع.
دور الإمارات الوظيفي، بحسب تعبير وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، وخوضها لحروب باردة في منطقة بالاعتماد على استراتيجية التحالفات والتفاهمات الإقليمية، يهدف بالأساس إلى خلق موازين قوى ضد تركيا في الشرق الأوسط واستنزاف قوتها والاعتماد على دول كاليونان التي تُعرف بتحالفها مع كل من يقف ضد أنقرة وتعزيز تأثيرها في شرق المتوسط من خلال توثيق علاقاتها بإسرائيل.
بالمحصلة، يبدو أن الاتفاقيات الجديدة بين أثينا وأبو ظبي لا تهدف إلى إنقاذ اليونان اقتصاديًا باعتباره بلدًا يُمثل عبئًا ثقيلًا على الاتحاد الأوروبي، بقدر ما تستند إلى المخطط الجيوسياسي الفرنسي لتكوين حلف وازن ومربح يساعد على تحجيم الدور التركي إقليميًا ودوليًا.
لكن الواضح أن نجاح هذا التحالف مرتبط بتوجهات السياسة الأمريكية القادمة بقيادة بايدن وبمواقع القوى داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو).
فيما يعزز التقارب الأخير بين تركيا ومصر فرص عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين إلى طبيعتها، وسط مخاوف يونانية من أن ينتج هذا التقارب توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين تركيا ومصر، من شأنه أن يهدم الخطط اليونانية في محاصرة تركيا شرق المتوسط.
