موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

اليمن: التموضع الإماراتي–الإسرائيلي في جزيرتي ميون وزقر يستهدف النفوذ البحري

1٬422

كشفت دراسة تحليلية حديثة عن أبعاد التموضع الإماراتي الإسرائيلي في جزيرتي ميون وزقر، وهما جزيرتان يمنيتان استراتيجيتان في قلب باب المندب وذلك في إطار مخطط تل أبيب للسيطرة على النفوذ في البحر الأحمر.

ورسمت الدراسة التي صدر عن مركز (هنا عدن للدراسات الاستراتيجية)، اعتمدت على وثائق مسرّبة وتحليلات أقمار صناعية وشهادات ضباط سابقين، صورة معقّدة لمشروع عسكري–استخباراتي يتجاوز حدود اليمن ليطال موازين القوى في المنطقة برمّتها.

وقد تحولت جزيرة ميون، المعروفة تاريخيًا بأهميتها كحارس لمضيق باب المندب، منذ سنوات الحرب اليمنية إلى موقع عسكري فاعل تديره أبوظبي، بينما تشكّل زقر، الأصغر مساحة والأقل شهرة، امتدادًا وظيفيًا لهذه السيطرة، من خلال دورها في الرصد والرادار والعمليات التقنية.

ورغم صغر المساحة وغياب السيادة الفعلية للدولة اليمنية، باتت الجزيرتان محورًا لنشاط عسكري متشابك، يعكس التقاء الطموح الإماراتي مع الانخراط الإسرائيلي المتنامي في البحر الأحمر.

الإمارات: عقيدة بحرية تتجاوز حدود الخليج

لم يعد الوجود الإماراتي في ميون مرتبطًا حصريًا بمهام “التحالف العربي” ضد الحوثيين، بل يرتكز إلى عقيدة بحرية ترى أن السيطرة على المضائق والممرات البحرية ضرورة وجودية للأمن القومي الإماراتي.

فقد شرعت أبوظبي منذ عام 2016 في بناء قاعدة جوية على ميون، مع مدارج قادرة على استقبال طائرات كبيرة، إلى جانب منشآت مراقبة ومساكن مخصصة لبعثات استخباراتية.

ووفق الدراسة، فإن هذه البنية ليست معزولة، بل جزء من شبكة أوسع تشمل موانئ ومراكز دعم في إريتريا، الصومال، وليبيا، تعكس طموح أبوظبي لتكريس نفوذ عابر للقارات.

زقر: القاعدة الصامتة

على الرغم من محدودية مساحتها، تؤدي جزيرة زقر دورًا حيويًا في المشروع الإماراتي.

فقد زُوّدت بأنظمة رادار متقدمة، ونُصبت فيها منصات بحرية متحركة لمراقبة حركة السفن في مضيق باب المندب وخليج عدن.

وتشير الدراسة إلى أن الجزيرة استُخدمت كمحطة خلفية للتجهيزات التقنية الإسرائيلية، بما في ذلك أنظمة الاتصالات المشفرة والقدرات السيبرانية، ما يجعلها مركزًا للتجسس والمراقبة الإقليمي.

والحضور الإسرائيلي في المشروع، بحسب الدراسة، لم يعد مقتصرًا على تقديم الدعم التقني أو تبادل المعلومات، بل اتخذ شكل تواجد مباشر عبر خبراء عسكريين يعملون تحت غطاء شركات واجهة.

وقد ركزت إسرائيل على تشغيل طائرات مسيّرة لمراقبة التحركات الإيرانية والتركية، إضافة إلى اختبار أنظمة اعتراض صاروخي صغيرة مخصصة للبيئات البحرية.

وترى الدراسة أن هذا الوجود يعكس رؤية إسرائيلية أوسع تعتبر البحر الأحمر والقرن الأفريقي جزءًا من الأمن القومي، إذ يكمّل نشاطها العسكري في إريتريا وإثيوبيا والسودان وكينيا.

صمت دولي وتواطؤ إقليمي

اللافت في قراءة الدراسة ليس فقط خطورة التموضع العسكري الإماراتي–الإسرائيلي، بل أيضًا غياب أي موقف حازم من المجتمع الدولي.

فالأمم المتحدة لم تُصدر بيانات واضحة حول الانتهاكات المرتبطة باستخدام الجزر اليمنية دون موافقة حكومية، فيما تكتفي القوى الكبرى، وخصوصًا الولايات المتحدة، بالنظر إلى ما يجري باعتباره “إعادة تموضع مشروع” ضمن معادلات الأمن البحري العالمي. هذا الصمت، وفق الباحثين، يثير تساؤلات حول جدوى القانون الدولي في حماية سيادة الدول الضعيفة.

وتطرح الدراسة إشكاليات قانونية تتعلق بشرعية استخدام أراضٍ يمنية دون إذن رسمي، في ظل وجود تقارير عن سجون سرية وعمليات احتجاز تعسفي وتجنيد جماعات محلية خارج سيطرة الدولة.

ويرى خبراء القانون الدولي أن هذه الممارسات قد ترقى إلى انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، ما يفتح الباب لمطالبات مستقبلية بالتحقيق والمساءلة.

اليمنيون: بين الغياب القسري والتحدي السيادي

أكبر الخاسرين من هذا التموضع هم اليمنيون أنفسهم، الذين حُرموا من ممارسة سيادتهم على أراضٍ وطنية. فبينما تتآكل الدولة اليمنية تحت وطأة الحرب والانقسام، تتحول الجزر إلى ورقة تفاوضية خارجية.

ومع ذلك، تدعو الدراسة النخب اليمنية والعربية إلى قراءة ما يجري بجرأة أكبر، وعدم الاكتفاء بالخطاب الإعلامي، بل صياغة استراتيجيات وطنية لحماية الجغرافيا البحرية.

وتوقّعت الدراسة أن يؤدي هذا التموضع إلى تصعيد في التنافس الإقليمي، خصوصًا مع إيران وتركيا اللتين تريان في هذه التحركات تهديدًا مباشرًا لمصالحهما.

كما قد يشكّل ذلك سببًا لزيادة التوتر في البحر الأحمر، الذي بات بالفعل ساحة تنافس مفتوحة بين قوى إقليمية ودولية، بدءًا من الولايات المتحدة وفرنسا، مرورًا بالصين وروسيا، وصولاً إلى القوى الإقليمية الصاعدة.

البحر الأحمر: مختبر لخرائط النفوذ الجديدة

في المحصلة، تعتبر الدراسة أن ميون وزقر ليستا مجرد جزيرتين مهملتين، بل نافذتين على مستقبل البحر الأحمر والممرات العالمية.

فإذا استمر الصمت الدولي وتواصلت مشاريع التموضع، فإن المنطقة قد تشهد نموذجًا جديدًا من الاحتلال المقنّع، المغلّف بشعارات “حماية الممرات” و”مكافحة الإرهاب”.

أما إذا تمكّنت القوى المحلية من استعادة زمام المبادرة، فقد تكون هذه الجزر نقطة انطلاق نحو استعادة السيادة.

وتخلص الدراسة إلى أن التموضع الإماراتي–الإسرائيلي في ميون وزقر ليس حدثًا عابرًا، بل جزء من مشروع طويل الأمد لإعادة تشكيل خريطة النفوذ في البحر الأحمر.

ويستفيد المشروع من ضعف اليمن، وانشغال القوى الكبرى، والتطبيع الإقليمي، ليصوغ معادلة جديدة قد ترسم مستقبل المنطقة لعقود مقبلة. إنها دعوة مفتوحة لليمنيين والعرب جميعًا: إمّا الانخراط في بناء استراتيجيات مقاومة تعيد الاعتبار للسيادة الوطنية، أو القبول بمسار التفكك والتبعية أمام مشاريع الهيمنة المتجددة.