ضمن دورها المشبوه بالتدخل بالشعوب العربية، تتورط دولة الإمارات العربية المتحدة بالتدخل بشكل سلبي وإجرامي هذه الأيام في الجزائر التي تشهد ثورة شعبية لتغيير النظام الحاكم.
وعلمت إمارات ليكس من مصادر موثوقة أن الإمارات تقود غرفة عمليات مشتركة تشمل السعودية وفرنسا لتحجيم الثورة الشعبية في الجزائر وتحديد خليفة الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة.
وتبحث غرفة العمليات المشتركة في خطة فرنسية إماراتية سعودية لإيجاد بديل لبوتفليقة، تعكف عليها حالياً الدول الثلاث.
وقالت المصادر إن تحركاتٍ جرت وبتنسيق على أعلى المستويات الأمنية بين الرياض وأبوظبي وأطراف سياسية جزائرية من جانب آخر، وذلك في مساعي جادة لإعادة صياغة المرحلة القادمة، بعد استبعاد عبدالعزيز بوتفليقة من الترشح للانتخابات مرة أخرى، وتأكيده عدم ترشحه لولاية ثانية.
وأوضحت المصادر أن اجتماعاتٍ مغلقةً تمت بالتنسيق مع الطرف الفرنسي، في ظلِّ العلاقات القوية التي تجمع الإمارات تحديداً مع باريس، والتي تظهر في التنسيق بين الجانبين في الملف الليبي وبالتعاون مع القاهرة.
وأبلغ الطرف الفرنسي السعودية والإمارات عن موافقته على تأسيس غرفة للعمليات الاستراتيجية، لمحاولة منع توسع الحراك الجزائري واحتوائه. وتمت عدة لقاءات وزيارات خلال الأيام الماضية بين شخصيات أمنية سعودية وإماراتية من جانب، وأخرى فرنسية بالرياض وأبوظبي، حيث جاءت هذه اللقاءات بدفع ودعم سياسي من الإمارات.
والاجتماعات السرية غير المعلنة -بحسب المصادر- وصل عددها إلى 7 اجتماعات ولقاءات متنوعة، تمت خلال الأيام الماضية، لبحث ملف أزمة الحراك الشعبي بالجزائر، والسعي إلى اتخاذ موقف يطوّق تطوير المشهد السياسي بالجزائر.
وعقدت الاجتماعات الأمنية الثلاثية في أبوظبي، ولقاء آخر تمّ بجدة، وآخر بالرياض، حيث ركزت بالدرجة الأولى على كيفية إدارة المرحلة المقبلة، والسعي لتكليف شخصيات محددة للتواصل مع رموز في المعارضة الجزائرية، لفتح حوار معها في المرحلة المقبلة.
ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مهتم بأزمة الجزائر، لدرجة أنه أوكل شخصياً حمد المزروعي لإدارة هذا الملف، بالتعاون مع ضباط سعوديين وإماراتيين. ويدير حمد المزروعي، المستشار لدى ولي عهد أبوظبي هذه الاجتماعات بالتنسيق مع ضباط أمنيين سعوديين وإماراتيين.
وهذا السيناريو يعيد إلى الأذهان ما تمّ خلف الكواليس مِن قِبَل الرياض وأبوظبي لإفساد تجربة ثورة يناير/كانون الثاني 2011، بعد عزل الرئيس المصري محمد حسني مبارك.
في ذلك الوقت تعاونت الدولتان الخليجيتان مع قوى الثورة المضادة في مصر لإفساد التجربة الديمقراطية، سواء قبل تولي الرئيس المنتخب محمد مرسي السلطة، أو بعدها. وظهر هذا الدور في أزمة الوقود التي شهدتها مصر قبل سقوط مرسي مباشرة، التي اختلفت فور سقوطه؛ إذ سارعت دول الخليج بتوفير الوقود لمصر دعماً للنظام الجديد.
وكان رئيس جبهة العدالة والتنمية عبدالله جاب الله، قد حذَّر من التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي للبلاد، واتَّهم عدداً من الدول العربية والغربية بمحاولة تشويه الحراك الشعبي السلمي، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة، والسعودية وفرنسا.
وقال جاب الله في تصريحات صحفية، إنَّ هناك حملات يقودها عدد من الدول العربية والغربية، هدفها تشويه الحِراك الشعبي السِّلمي في الجزائر، وذكر أهم هذه الدول، وهي الإمارات العربية المتحدة، السعودية، وفرنسا.
وأضاف أن هذه الدول تتحرك وتريد التدخل لإفساد الحراك، كما تحركت وأفسدت الربيع العربي الذي بدأ في مصر وغيرها من الدول العربية، وحذَّر من أي تأثير خارجي، وقال إن التدخلات الخارجية تضرّ ولا تنفع، تُفسد ولا تُصلح، تُفرق ولا تُجمع.
والهدف الحقيقي من هذه التحركات التي تقوم بها فرنسا والإمارات والسعودية هو السعي لامتصاص وتطويق غضب الشارع الجزائري، وإعادة تأهيل النظام الحالي، قبل بدء الانتخابات القادمة.
وهذا هو الهدف غير المعلن من قِبَل النظام السياسي بالجزائر، وبدعم حقيقي وملموس من الرياض وأبوظبي، وهذا ما تمّ فعلياً على أرض الواقع، بعد إعلان بوتفليقة عدم ترشحه لولاية ثانية.
ويتَّفق الأطراف الثلاثة مع النظام في الجزائر على هذا الهدف، رغم اختلاف الدوافع. إذ إن فرنسا تريد ضمانَ مصالحها في الجزائر، التي قد تتأثر إذا أخذ الحراك الشعبي مداه. أما النظام الحاكم، سواء النخب العسكرية أو السياسية، فإنهم يريدون الحفاظ على الوضع القائم الذي يسيطرون فيه على مقاليد الحكم، كما يخشون فتح الباب للمساءلة حول الفساد، وغيره من القضايا الشائكة. أما الإمارات والسعودية، فدافعهما الأهم وقف عدوى الديمقراطية في العالم العربي.
فبعد أن ساهما في وأد الديمقراطية في مصر، أكبر دولة عربية، مما أوقف رياح التغيير في المنطقة، فإنهما ليسا على استعداد أن تأتيهما رياح التغيير عبر البوابة الجزائرية.
ومؤخرا بات تزايُد النفوذ الاقتصادي الإماراتي يُربِك الساحة الجزائرية. وقد غيَّر هذا الأمر الحسابات التقليدية، عن ضعف النفوذ الخليجي في الجزائر. إذ إن هذه الاستثمارات يُحتمل أن تشكِّل أداةً إضافيةً للتأثير الإماراتي السعودي.
ويبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في الجزائر 10 مليارات دولار، وأصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة واحدةً من كبرى الدول المستثمرة في الجزائر.
كما أنَّ هناك رغبة إماراتية في زيادة حجم الاستثمارات إلى 40 مليار دولار، في مجالات متنوعة مثل: السياحة، والعقار، والمحروقات. وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى غطاء ودعم النظام السياسي الحالي. وبالتالي فإنَّ الكثير من المراقبين السياسيين باتوا يرون أن هناك احتمالية كبيرة لسيناريو إعادة تدوير وتأهيل النظام السياسي الجزائري، بدعم إماراتي سعودي فرنسي.
إذ أنّ أبوظبي والرياض لا تريدان للدولة العميقة في الجزائر أن تسقط حتى لو اختلفا معها، حتى تحافظ على مصالحهما في المنطقة، وحتى لا تصل حمى الثورات العربية إلى بلادهما.