لم نسمع يوماً بأن حكومةً عاقبت شخصاً يقدم مقترحات وتوصيات إصلاحية للبلاد ومكتوبة على عريضة، إلا في دولة السعادة المزعومة، الإمارات العربية المتحدة.
وليت العقوبات كانت بالمعقول، بل تجاوز بعضها حدود العقل والمنطق، حتى وصلت إلى اختطاف الشقيقات والبنات والأخوة والأبناء ومساومة المعتقلين بشكلٍ دنيء جداً، كما شملت العقوبات مصادرة الممتلكات والأموال والسجن لمددٍ طويلة من 7 إلى 15 سنة بتُهمٍ ملفقة غير منطقية.
لكنّ أبرز الفضائح الإنسانية بالانتهاكات الحقوقية التي تضمنتها عقوبة (سحب الجنسيات)، حيث أقرت المحكمة الاتحادية العليا بقرارٍ لا طعن ولا استئناف فيه، سحب الجنسية الإماراتية من بعض المواطنين الذين قدموا العريضة الإصلاحية للحكومة، واتهامهم أصلاً بأنهم حصلوا عليها بالتجنس وليس بالمواطَنَة!
وفي ذلك انتهاكٌ سافرٌ لكل المعايير الدولية والحقوق الإنسانية، خاصة المتعلقة بحق المواطَنَة، بما اعتبره الكثيرون جريمة نكراء لا مثيل لها بين الأمم.
فكيف بجرّة قلمٍ يتمّ إلغاء وشطب مواطن إماراتي من هويته الإماراتية دون سببٍ مقنع، بل تعدى الأمر إلى سحب جنسية أهاليهم كما حدث مع عائلة الدكتور محمد الصديق الذي سُحبت الجنسية منه ومن عائلته!!.
واستنكرت كل المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، تلك الجريمة الحقوقية التي قام بها القضاء المأجور والمسيّس بحقّ العشرات من المواطنين الشرفاء المشهود لهم بالعراقة والإنجاز والبصمات الإصلاحية في البلاد.
وقد سلط المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان الضوء على تجريد السلطات القضائية والتنفيذية بالإمارات العربية المتحدة للناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من جنسيتهم الإماراتية بشكلٍ تعسفي، لخطورة هذا الإجراء السالب للمواطنة وما يستتبع ذلك من حرمان من حقوق أساسية وحياتية.
حيث تعمّدت السلطات الإماراتية تجريد نشطاء سياسيين إماراتيين ومدافعين عن حقوق الإنسان من جنسيتهم وأسقطت مواطنتهم بعد أن انتهكت حقوقهم وحاكمتهم في محاكمة هزلية لا تتماشى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
وبداية سنة 2016 تمّ رصد خمسة عشر حالة من سحب الجنسية وإسقاطها وقد شمل بعضها الأب والزوجة والأطفال وبعضها لم يشمل غير الأب والأطفال دون الزوجة وبعضها الآخر شمل الأب والزوجة والأبناء والأحفاد وبلغ العدد في ما وصل المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان من معلومات (60) ستين فردا.
وأبرزهم كان المواطنون السبعة كأكثر من تضرروا من عنجهية الأمن الإماراتي بقيادة محمد بن زايد وشقيقه سيف، وهم: الشيخ محمد عبد الرزاق الصديق، الدكتور على حسين الحمادي، الدكتور شاهين عبد الله الحوسني، الأستاذ حسين منيف الجابري، وشقيقه الأستاذ حسن منيف الجابري، الأستاذ إبراهيم حسن المرزوقي، والأستاذ أحمد غيث السويدي.
انتهاكات بالجُملة ومحاكمات غير عادلة:
وكانت الحملة الشعواء التي أطلقتها أجهزة الأمن الإماراتي تجاه كل المؤيدين لعريضة الإصلاح الشهيرة باسم “عريضة 3 مارس”، قد طالت الجميع وعائلاتهم وأفسدت صورة وسمعة الدولة أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، حيث تكفّل جهاز أمن الدولة باعتقال المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وحتى المدوّنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونقلهم إلى جهات غير معلومة، وتعريضهم للاختفاء القسري وللتعذيب والتنكيل والمعاملة المهينة الحاطّة من كرامة الإنسان، كما منع عنهم الحق في ملاقاة محامٍ أو زيارة الأهل، لحين إحالتهم على دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا وأحكامها النهائية التي لا تقبل الطعن أو الاستئناف، وحاكمتهم من أجل مطالبات إصلاحية أو من أجل التضامن مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أو من أجل تغريدات، ضمن القضية التي عُرفت باسم (الإمارات 94)، كما طالت الانتهاكات والمحاكمات الظالمة حتى الفتيات مثلما حصل مع بنات الشهيد العبدولي، وشقيقات السويدي وبنات الصديق وموزة ابنة محمد المنصوري وصولاً لمريضة السرطان علياء عبد النور.
وكلّ ذلك طبقاً لقوانين لا تضمن احترام حقوق الإنسان ولا سيادة القانون العادل، مثل المرسوم بالقانون الاتحادي المعدَّل رقم 5 لسنة 2012م، في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات والقانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014م، بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية وهو ما رصدته المقررة الأممية الخاصة المعنية باستقلال القضاء والمحامين (غابرييلا كانول) أثناء زيارتها لدولة الإمارات في 27 يناير 2014م، ولاحظت خرق الدستور الإماراتي الذي كفل ضمن مواده حرية التعبير، كما خرق كل المواثيق الدولية ذات الصلة.
آلية إلغاء الجنسية وإجراءات سحبها:
تتولى إدارة الجنسية والإقامة بدولة الإمارات استدعاء المعنيين وتطلب منهم، إحضار أوراقهم التعريفية كالهوية ورخصة القيادة وغيرها من أجل تحديثها وتجديدها، ليأخذوا منهم الأوراق الرسمية كلها، ثم بعدها يبلغونهم أنه تمّ سحب جنسيتهم، ويُمهلونهم وقتاً يسيراً ليوفروا لأنفسهم جنسية بديلة أو يتمّ اعتقالهم للإقامة غير الشرعية!.
وهو ما حصل على سبيل الذكر لا الحصر مع:
*المواطن الإماراتي “عبيد علي الكعبي” أحد شيوخ ووجهاء قبيلة بني كعب الممتدة بين الإمارات وسلطنة عمان، والذي أفاد باعتقاله من قبل جهاز أمن الدولة واختفائه قسريا ليفرج عنه فيما بعد ولكن سُحِبتْ منه –تعسفياً- جنسيته الإماراتية، وشمل إسقاط الجنسية زوجته وأطفاله، بزعم خطورته على أمن الدولة وسلامتها دون محاكمة ودون دليل على ذلك!
*”الشيخ محمد عبد الرزاق الصديق” من الشارقة والمعتقل حالياً في سجن الرزين على خلفية حكمٍ بالسجن 10 سنوات مع 3 أخرى إضافية للمراقبة، وسُحبت الجنسية من أبنائه، وهم: (أسماء وعمر ودعاء)، حيث طلب منهم موظف بإدارة الجنسية بإمارة الشارقة الحضور للإدارة وإحضار جواز السفر وخلاصة القيد وبطاقة الهوية ورخصة القيادة وحتى البطاقة الصحية، وأبلغهم أن الغرض من ذلك تحديث البيانات والتحقيق، ليأخذ منهم الوثائق وليخطرهم شفاهياً بعدها بتجريدهم من جنسيتهم وزعم وجود مرسوم يقضي بذلك، دون تمطينهم طبعاً من الاطلاع على ذلك المرسوم، وتهديدهم بالاعتقال حال الاعتراض!.
وتستند السلطات الإماراتية -دستورياً- في ذلك إلى:
*المادة 8 من دستور الإمارات العربية المتحدة التي تمّ تعديلها لتنص على أن: (يكون لمواطني الاتحاد جنسية واحدة يحددها القانون ويتمتعون في الخارج بحماية حكومة الإتحاد وفقا للأصول الدولية المرعية).
غير أنّ الدستور يحدّ من هذا الحق بالتنصيص على جواز قيام السلطات بسحب الجنسية الإماراتية من الشخص في “ظل ظروف استثنائية يحدّدها القانون”.
*قانون الجنسية وجوازات السفر المرقم بالقانون -“عدد 17”- المادة 15 تخص إسقاط الجنسية، والمادة 16 تعني سحب الجنسية وتخص المتجنسين، وجاء في فقرته أنه: (إذا سحبت الجنسية عن شخص جاز سحبها بالتبعية عن زوجته وأولاده القصر).
*المادة 20 حددت الشكل القانوني لقرار سحب الجنسية: (تمنح الجنسية بمرسوم بناء على عرض وزير الداخلية وموافقة مجلس الوزراء كما يتم إسقاط الجنسية وسحبها بالإجراء المتقدم).
*كما تنص المادتان 121 من قانون العقوبات و42 من مرسوم مكافحة جرائم تقنية المعلومات للسلطات: (ترحيل الأجانب الذين يرتكبون جرائم في الإمارات العربية المتحدة) ولكنهما لا تنصّان على توضيح الأساس القانوني الذي يبيح للسلطات اتخاذ إجراء مشابه بحق مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة.
وهو ما يجعل قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة غير متماشية مع المعايير الدولية ذات الصلة بالحرمان من الجنسية.
وقد عدّد المركز النصوص والمواثيق الدولية التي ترى في التمتع بالجنسية حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان، وأنّ انتهاك هذا الحق من أخطر الانتهاكات الحقوقية، وقد ورد التنصيص على حماية هذا الحق في عدة مواثيق وصكوك دولية منها:
*المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
1- “لكل فرد حق التمتع بجنسية ما”.
2– “لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفا أو إنكار حقّه في تغييرها”.
*اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري: حيث “المادة 5” تتعهد الدول بضمان الحق في الجنسية دون تمييز.
*اتفاقية “لاهاي” المبرمة في 12/04/1930م، في شأن مسائل الجنسية وتناولت الحق في الجنسية والقضاء على كل حالات انعدام الجنسية.
*المادة 8 من الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل التي نصت على أن تتعهد الدول باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته.
*المادة 19 من إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام.
*المادة 29 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وتنص الفقرة الأولى على أنّ: لكل شخص الحق في التمتع بجنسية ولا يجوز إسقاطها عن أي شخص بشكل تعسفي أو غير قانوني.
*الاتفاقية الدولية المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية 1954م.
*الاتفاقية الدولية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية 1961م.
ردود الفعل الدولية:
ورد ضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان والحرمان التعسفي من الجنسية بتاريخ 19ديسمبر 2013م، تحت عدد (A/HRC/25/28)، وجوب خضوع القرارات المتعلّقة بالجنسية لمراجعة قضائية فعالة وفي سياق فقدان الجنسية أو الحرمان منها يعتبر الشخص من مواطني الدولة المعنية خلال الفترة الكاملة لإجراءات الاستئناف.
كما على الدول ضمان حق اللجوء للمتضرر المسحوب منه الجنسية إلى القضاء والتظلم قضائيا من انتهاك حقه في الجنسية وهو ما أكّدت عليه “المادة 2” من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي أكدت على الدول بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية!
ولقد سبق للدنمارك أن عبرت عن قلقها إزاء حرمان الناشطين السياسيين من جنسيتهم حين الاستعراض الدوري الشامل للإمارات العربية المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 21 مارس 2013م.
وبالنظر لكل ما سبق،، يتأكد لدينا أنّ حكومة الإمارات اخترقت كل القوانين والأعراف الدولية في قضية (الإمارات 94)، ولم تمنح أي حق من الحقوق السالف ذكرها، خاصة وأنها لم تنشر أي مرسوم رسمي بشأن تلك القرارات في نشرتها الرسمية، بما يثبت أنّ التعامل بين السلطات والشعب يشبه شريعة الغاب حيث لها مكان للضعيف فيها.