موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات تستثمر في تمرد الدروز وتدفع لفرض خطط تقسيم سوريا

2٬118

تكشف التطورات الأخيرة في الجنوب السوري، ولاسيما تحركات الدروز، عن ملامح مشروع إقليمي معقّد يتشابك فيه الدور الإماراتي مع الإسرائيلي، في محاولة لإعادة رسم خرائط النفوذ داخل سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وتولي حكومة إنقاذ ذات توجه إسلامي زمام السلطة في دمشق.

في قلب هذا المشروع برزت سلسلة وقائع سياسية وأمنية، أبرزها استقبال الرئيس الإماراتي محمد بن زايد للزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف، ثم استقبال الشيخ حكمت الهجري، زعيم الدروز في سوريا، الذي ارتبط اسمه بمحاولات الدفع باتجاه انفصال الدروز عن سوريا في إطار مشروع تقسيمي أوسع.

وفي 14 مارس/ آذار 2025، اجتاز نحو 100 رجل دين درزي سوري خط وقف إطلاق النار في الجولان المحتل، في أول زيارة من نوعها إلى إسرائيل منذ عقود.

وقد جاءت الزيارة بدعوة من حكمت الهجري وبطلب من موفق طريف، وفي حماية الجيش الإسرائيلي. لم تكن زيارة دينية بحتة كما زعم طريف لاحقاً، بل حملت أبعاداً سياسية واضحة، إذ أعلن الوفد الدرزي تمرده على حكومة دمشق الجديدة، وأعرب عن طلبه الحماية من إسرائيل.

الإمارات والورقة الدرزية

تزامنت الزيارة مع نشاط إماراتي محموم على خط التواصل مع الزعامات الدرزية. ففي ديسمبر 2024، استقبل محمد بن زايد الشيخ موفق طريف في أبوظبي، تحت عناوين فضفاضة كـ«التعايش» و«الحوار الحضاري».

غير أن التقديرات المعارضة للنظام الإماراتي ترى في هذا اللقاء جزءاً من دور خفي للإمارات لإجهاض الثورة السورية الجديدة، ومحاولة خلق جيوب انفصالية تؤدي إلى تفتيت البلاد، وتحديداً في الجنوب حيث تتمركز الطائفة الدرزية.

وتعززت هذه الشكوك حين تكررت زيارة طريف إلى الإمارات في مارس 2025، بعيداً عن الأضواء الإعلامية، لتوقيع مذكرة تفاهم مع مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» الإماراتي، الذي تصفه مصادر سورية معارضة بأنه واجهة استخبارية تعمل على التنسيق مع الأقليات السورية، وفي مقدمتهم الدروز.

المفارقة أن الصحافة الإماراتية لعبت دوراً تبريرياً لهذا الحراك. صحيفة «العرب» الإماراتية الصادرة في لندن، دافعت بشكل لافت عن مشايخ الدروز السوريين الذين زاروا إسرائيل، معتبرة أنه من الظلم اتهامهم بالعمالة، وادعت أن الطائفة الدرزية لم تحصل على أي مكاسب تحمي خصوصيتها الثقافية والدينية داخل سوريا، ما اضطرها للبحث عن «الأمان» لدى إسرائيل.

تحرك متكامل مع إسرائيل

يتّضح من تتابع الأحداث أن الإمارات لا تتحرك بمعزل عن إسرائيل. فبعد توقيع «تريندز» اتفاقية تعاون مع مجلس طريف الديني في إسرائيل، اندلعت تحركات درزية في السويداء مطالبة بالحماية الإسرائيلية، تزامناً مع مظاهرات فلول النظام السابق في دمشق.

ويشير مراقبون إلى أن ذلك يشي بمحاولة تنسيق محكمة بين الطرفين، لإحداث فوضى أمنية في سوريا، وإيجاد مناطق نفوذ مستقلة عن حكومة دمشق الجديدة.

حتى البيان الذي أصدره زعيم دروز سوريا، حكمت الهجري، في 12 مارس 2025، حمل رسائل سياسية واضحة ضد حكومة الإنقاذ الإسلامية، إذ وصف الإعلان الدستوري المؤقت بأنه «ديكتاتوري» وطالب بإعلان دستوري جديد تشارك في صياغته «جهات وطنية مختصة».

وبدت تصريحات الهجري متناغمة مع التصعيد الإماراتي ضد الحكومات ذات التوجه الإسلامي في المنطقة، خاصة بعد فشل الإمارات في استغلال ورقة «قسد» الكردية في الشمال، عقب اتفاق المصالحة الذي أبرمه الرئيس السوري أحمد الشرع مع مظلوم عبدي.

مشروع تقسيم سوريا

تسعى الإمارات، بالتنسيق مع إسرائيل، إلى خلق كيانات طائفية أو إثنية في سوريا تكون بمثابة مناطق نفوذ تضمن لها موطئ قدم استراتيجي في البلاد.

ففي الجنوب، تضع أبوظبي رهانها على الدروز، وفي الشمال سبق لها أن دعمت الأكراد، إلا أن اتفاق دمج قوات «قسد» ضمن الدولة السورية أجهض هذا المسعى.

وفي الساحل السوري، كشفت تقارير عن محاولة إماراتية لتجنيد ضباط علويين من بقايا النظام السابق للانقلاب على الحكومة الجديدة، بغية إقامة كانتون علوي يخضع للنفوذ الإماراتي، بما يحقق هدفين أساسيين: تقاسم ثروات الغاز والنفط في المتوسط، ومنع تركيا من توسيع نفوذها في سوريا.

وكشف الدكتور محمد شمص، أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية، أن مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد، أدار غرفة عمليات لتجنيد ضباط علويين بهدف السيطرة على مدن الساحل السوري مثل اللاذقية وطرطوس. إلا أن هذه المحاولة أخفقت نتيجة انكشافها وافتقارها للحاضنة الشعبية.

وبحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، فإن إسقاط نظام بشار الأسد أحبط خطة إماراتية إسرائيلية خطيرة لتقسيم سوريا إلى ثلاثة أقاليم: كردي في الشمال الشرقي، ودرزي في الجنوب، مع إبقاء الأسد في دمشق تحت وصاية إماراتية. الهدف كان قطع الصلات بين سوريا وإيران وحزب الله، وتقليص النفوذ التركي في إدلب والشمال الغربي.

هل الإمارات تلعب دور الوكيل؟

يرى محللون أن الإمارات تؤدي دور الوكيل الإسرائيلي في مشروع تقسيم سوريا. فهي تتولى تمويل وتنظيم لقاءات الزعامات الدينية والأقليات، وتفتح قنوات تواصل تحت غطاء مراكز أبحاث أو مؤتمرات حول التسامح.

لكن أبوظبي عملياً تنفذ أجندة إسرائيلية تضمن لإسرائيل حدوداً أكثر أمناً مع سوريا المفككة، وتضمن للإمارات نفوذاً سياسياً واقتصادياً يضعها لاعباً مركزياً في مستقبل البلاد.

والمؤكد أن الإمارات لا تخفي قلقها من صعود حكومة سورية ذات توجه إسلامي، خشية انتقال العدوى إلى الداخل الخليجي أو تعزيز نفوذ جماعة الإخوان المسلمين إقليمياً. لذلك، فهي تتبع استراتيجية استباقية لتقويض أي حكم إسلامي، عبر الاستثمار في الأقليات أو في الفوضى الأمنية.

لكن على الأرض، ثمة مقاومة شعبية واضحة لهذه المشاريع. فقد رفض العديد من الدروز السوريين زيارة إسرائيل، وأصدر أهالي بلدة حضر بياناً أدانوا فيه الوفد الدرزي الذي عبر إلى إسرائيل، وأكدوا تمسكهم بوحدة سوريا.

في النهاية، تكشف الأحداث أن الإمارات، إلى جانب إسرائيل، تدفع باتجاه خلق واقع جديد في سوريا يقوم على الكيانات الطائفية، في مسعى لتقسيم البلاد وضمان مصالحهما المشتركة.

غير أن الموقف الشعبي داخل الطائفة الدرزية وسائر أطياف المجتمع السوري قد يكون العائق الأهم أمام تمرير هذا المخطط. فلا تزال الوطنية السورية، رغم كل الجراح، قادرة على التصدي لمحاولات العبث بوحدة البلاد.