موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

خفايا اشتداد صراع السلطة والنفوذ داخل عائلة آل نهيان

1٬815

من يتابع الشأن الإماراتي بدقة يدرك أن ما يجري خلف أسوار قصور أبوظبي يتجاوز أزمات خارجية مثل السودان أو ليبيا أو ملفات استثمارية تثير الجدل بل يتعلق بتصاعد صراع السلطة والنفوذ داخل عائلة آل نهيان.

ففي عمق العائلة الحاكمة، تدور رحى صراع مكتوم وحاد على الحكم والسلطة والنفوذ، أخذ في الآونة الأخيرة طابعًا أكثر علنية وخشونة بحسب ما كشفت مصادر مطلعة.

آخر تجليات هذا الصراع كان تقرير صحيفة نيويورك تايمز الذي سلط الضوء، بتفاصيل لافتة، على دور منصور بن زايد في ملفات مالية وسياسية حساسة، مما أعاد الرجل إلى دائرة الاتهام داخليًا وخارجيًا، وأعاد طرح السؤال الأهم: من سيجلس على عرش أبوظبي حين يحين وقت الانتقال؟

داخل القصر، لا يثق أحد بأحد. لكن الجميع متفق على حقيقة واحدة: «الكرسي لا يتسع لأكثر من واحد». وكلما اشتدت رياح الخلافات الخارجية أو تصدعت الصورة اللامعة للدولة، تتسارع الخطى لإعادة ترتيب البيت الداخلي، والتخلص من المنافسين المحتملين، أو على الأقل تشويه صورتهم وتقليص نفوذهم تمهيدًا لإقصائهم.

منصور بن زايد: الحلقة الأسهل للكسر

فتح ملف منصور بن زايد بهذا الشكل العلني والمنهجي في الإعلام الأميركي لم يكن مجرد صدفة أو نتاج تحقيق صحفي مستقل.

فمن يعرف بنية الحكم في أبوظبي، يدرك أن القصة أبعد بكثير من تفاصيل تورط الرجل في أزمات السودان أو ليبيا أو حتى فضيحة الصندوق الماليزي (1MDB). إن استهدافه إعلاميًا في توقيت حساس، يعني أن هناك قرارًا ببدء إزاحته من طريق مشروع توريث العرش.

ففي الإمارات، كما يؤكد العارفون بدهاليز الحكم، هناك قاعدة صامتة مفادها: «حين يُفتح ملف أحد الإخوة، فذلك لأن ملفًا آخر يُغلق أمام الابن».

أي أن ضرب شخصيات بعينها من أبناء زايد بن سلطان يرتبط عضوياً بتسهيل تمرير ولاية العهد لابن الرئيس الحالي، محمد بن زايد، أي خالد بن محمد، الذي جرى إعلانه وليًا للعهد في مارس 2023.

منصور، الذي حاول طويلًا رسم صورته كرجل المال الناعم، والرياضة، والاستثمار، والابتعاد عن الأضواء السياسية الحادة، وجد نفسه محاصرًا بمجموعة ملفات قذرة أثقلت سمعته، داخليًا وخارجيًا.

لم يكن يومًا مقبولًا كبديل جاهز في لحظة الارتباك الكبرى، سواء داخل العائلة أو لدى الحلفاء الغربيين. ومع تصاعد الحملة الأخيرة ضده، أصبح الحلقة الأسهل للكسر، والأرخص في التضحية.

طحنون بن زايد: الوريث المؤجل

لكن الصراع على العرش في أبوظبي لا يقف عند حدود منصور بن زايد. فهناك رجل آخر ظل طويلًا مرشحًا قويًا لخلافة محمد بن زايد: طحنون بن زايد، شقيق الرئيس، الذي جمع أوراق قوة غير مسبوقة في يده، من أجهزة الأمن، إلى ملف السيادة الرقمية، إلى الاستثمارات السيادية الضخمة التي أصبحت ذراعًا استراتيجية للإمارات عالميًا.

حاول طحنون أن يفرض نفسه كوريث آمن يضمن استقرار الدولة بعد رحيل شقيقه.

لكنه أُحرق سريعًا سياسيًا بسبب تورطه، أو توريطه، في ملفات شائكة على غرار فضائح التجسس الإلكتروني (مثل بيغاسوس) أو صفقات التكنولوجيا الأميركية الحساسة، التي أثارت غضب واشنطن وأحرجت أبوظبي أمام حلفائها الغربيين.

غير أن الرجل لا يزال قويًا وفاعلًا. ومهما بدت أوراقه محترقة، يبقى لاعبًا مؤجلًا في المعركة الكبرى. إذ أن الصراع معه يتطلب أكثر من مجرد تقارير إعلامية؛ فهو معركة تحتاج ترتيبات أمنية وسياسية أعمق.

ولهذا، فضّل طحنون في المرحلة الحالية الانسحاب التكتيكي إلى الظل، يعيد تموضعه بهدوء، ويترقب اللحظة المناسبة للعودة، إن سنحت الظروف.

خالد بن محمد: الوريث الشاب يُعيد رسم الدولة

منذ إعلان خالد بن محمد وليًا للعهد، لم تعد التوازنات داخل القصر تُبنى على روابط الأخوّة أو التاريخ المشترك أو توزيع الحقائب. بل بات المعيار الوحيد هو: «من يضمن الاستقرار لحظة انتقال العرش».

ولهذا بدأ محمد بن زايد بترتيب أوراق العائلة والسيطرة الأمنية لضمان وصول ابنه إلى الحكم دون مفاجآت.

في الكواليس، جرى تسليم الأجهزة الأمنية تباعًا إلى خالد، وأُبعد طحنون عن ملفات حيوية بهدوء، وأُعيد ترسيم صورة الإمارات إعلاميًا لتكون «دولة رئيس شاب، نظيف، بلا ماضٍ دموي».

غير أن انتقال السلطة في أبوظبي لا يتم فقط بمرسوم أو إعلان رسمي. بل يتطلب «تنظيف الطريق» من المنافسين داخل الأسرة، ومن هنا تأتي أهمية الحملات الإعلامية، والتسريبات المقننة، والضغط الأميركي، وفتح الملفات القديمة في توقيت جديد.

فالإعلام الغربي، وخصوصًا الصحف الأميركية الكبرى، تحول إلى أداة صريحة في لعبة صراع العرش الإماراتي. حين تُسلَّط الأضواء على شخصية ما في نيويورك تايمز أو وول ستريت جورنال، فالمغزى غالبًا يتجاوز مجرد كشف الحقائق للرأي العام، إلى توجيه رسائل داخلية وخارجية، تقول: «هذا الرجل خرج من الحسابات… أو في طريقه للخروج».

إسقاط منصور بداية… لا نهاية

التقرير الأخير الذي استهدف منصور بن زايد ليس سوى بداية فصل جديد في مسلسل طويل. إسقاط الرجل في الإعلام الغربي مقدمة لإزاحته سياسيًا، سواء عبر سحب صلاحياته أو تحجيمه ماليًا أو حتى تهميشه اجتماعيًا.

ففي نظام أبوظبي، لا يُترك أحد خارج المنظومة بلا تكلفة، ولا يُسمح لأحد بالاحتفاظ بأوراق قوة موازية قد تُستخدم في لحظة اضطراب.

لكن رغم ذلك، تظل المعركة غير محسومة بالكامل. طحنون بن زايد لا يزال يحتفظ بشبكة نفوذ أمنية ومالية تجعل الصدام معه خيارًا محفوفًا بالمخاطر. وهو، حتى وهو في الظل، يراقب ويرتب تحركاته، ربما على أمل حدوث أي خلخلة في مشروع التوريث لصالح خالد بن محمد.

إذ إن قناعة طحنون، التي يتشاركها كثيرون داخل الأسرة، أن خالد شاب قليل الخبرة، وأن الدولة تحتاج «رجلًا قويًا» لا مجرد واجهة شابة.

وفي أبوظبي اليوم، الصراع على العرش لم يعد شائعة أو همسًا في المجالس المغلقة، بل أصبح مادة تتصدر عناوين الصحافة الدولية.

ومع كل تقرير أو تسريب أو وثيقة، تنكشف أوراق جديدة من لعبة الصراع الدائر بين الإخوة، والابن، في محاولة للإمساك بمفتاح القصر لحظة الرحيل الحتمي لمحمد بن زايد.

وحتى ذلك الحين، ستبقى الإمارات محكومة بمعادلة خطيرة: «لا أحد يثق بأحد… لكن الكرسي لا يتسع لأكثر من واحد».