تستهدف الإمارات من وراء أطماعها المعلنة في جزيرة ميون اليمنية التأثير على قناة السويس وزيادة نفوذها في حركة التجارة العالمية.
ويجمع مراقبون على أن احتلال الإمارات لجزيرة ميون أمرا يهم العالم كله وليس اليمنيين فقط بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي للجزيرة.
إذ يشكل تشييد الإمارات قاعدة سرية في جزيرة ميون اليمنية الاستراتيجية تطوراً استراتيجياً خطيراً للعالم كله، وليس اليمن فقط؛ لأن من يتحكم في هذه الجزيرة يتحكم في الملاحة في قناة السويس، التي تمر عبرها نسبة كبيرة من التجارة العالمية.
وكشفت وكالة اسوشيتد برس الأمريكية أن الإمارات تقوم بتشييد “قاعدة جوية سرية في جزيرة ميون البركانية قبالة اليمن، وتقع القاعدة في واحدة من نقاط الاختناق البحرية المهمة في العالم لكل ممرات الطاقة والشحن التجاري، بالتحديد عند مضيق باب المندب.
ونقلت الوكالة عن مسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أن إماراتيين يقفون وراء مشروع القاعدة الجوية، رغم أنها أعلنت عام 2019 سحب قواتها من التحالف العسكري بقيادة السعودية من اليمن.
وأفادت تقارير بأنه جرى نقل المعدات من القاعدة الإماراتية في إريتريا إلى جزيرة ميون، في استنساخ لسيناريو الهيمنة الإماراتية على جزيرة سقطرى اليمنية التي سيطرت عليها الإمارات، علماً بأن موقع جزيرة ميون أكثر أهمية.
وقال نائب رئيس مجلس النواب اليمني، عبدالعزيز جباري، إن السكوت عما يجري في جزيرة ميون في مضيق باب المندب من قِبل دولة الإمارات تفريط في سيادة اليمن.
جاء ذلك في أول تعليق رسمي على ما نشرته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية من صور مأخوذة عبر أقمار صناعية لقاعدة جوية في جزيرة ميون اليمنية، يعتقد أنها تابعة لدولة الإمارات.
موقع استراتيجي هام
عُرفت جزيرة ميون في البداية باسم جزيرة ديودورس بحسب ما ذُكر في كتاب “الطواف” لبحار يوناني لم يُعرف اسمه حتى الآن.
وسمّاها الأجانب بجزيرة البريم، بينما سمّاها البرتغاليون باسم جزيرة فيراكروز، أمّا بالنسب للعرب بحسب اللفظ وبحسب الكثير من الخرائط العربية فهي معروفة باسم جزيرة ميون.
وتقع الجزيرة في مضيق باب المندب، قبالة الساحل الجنوبي الغربي لليمن، وهي جزيرة بركانية صخرية، وتبلغ مساحتها 5 أميال مربعة (13 كيلومتراً مربعاً) وترتفع إلى 214 قدماً (65 متراً)، ولها ميناء على الشاطئ الجنوبي الغربي، ومطار في الشمال.
وتعتبر جزيرة ميون أو بريم من أوائل المناطق التي خضعت للاحتلال الحديث في العالم العربي، ومن أكثرها خضوعاً للاحتلال من حيث المدى الزمني، وكذلك تعد المنطقة العربية التي تناوب على احتلالها أكبر عدد من الإمبراطوريات الاستعمارية الرئيسية.
فلقد غزا البرتغاليون بريم عام 1513، إلا أنهم لم يبقوا فيها بسبب تصدي العثمانيين لهم، واحتلها الفرنسيون عام 1738، لفترة وجيزة.
وفي عام 1799 احتلتها شركة الهند الشرقية البريطانية لفترة قصيرة تمهيداً لغزو مصر التي كان يحتلها الفرنسيون في ذلك الوقت (حملة نابليون بونابرت)، لكن شح المياه أجبرهم على النزوح إلى عدن، ثم عادوا في عام 1857 وأنشأوا محطة فحم، حسبما ورد في موسوعة “britannica”.
أما في عام 1915 فقد فشل العثمانيون في محاولتهم لطرد البريطانيين من الجزيرة خلال العالمية الأولى.
وتوسّع عدد سكان بريم بشكل كبير بعد ذلك، ولكنه انخفض بعد التخلي عن محطة الفحم في عام 1936. تم دمج الجزيرة في مستعمرة عدن البريطانية في عام 1937.
أطماع إسرائيلية سابقة بالجزيرة
اختارت جزيرة ميون أن تكون تحت سيادة جمهورية اليمن الديمقراطية (اليمن الجنوبي) بعد أن نالت استقلالها العام 1967.
وبعد استقلال اليمن الجنوبي، خضع مضيق باب المندب لمحاولات التدويل في عدة مناسبات، حيث فشلت بريطانيا قبيل انسحابها من محمية عدن أن تضع جزيرة ميون تحت الحماية الدولية في عام 1967.
كما فشلت محاولة مماثلة لتدويل الجزيرة جرت العام 1971 بعد هجوم فدائيين فلسطينيين على ناقلة نفط متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي.
وطرحت فكرة تدويل باب المندب مجدداً بعد نجاح مصر وجمهورية اليمن الديمقراطية في فرض حصار على المضايق خلال حرب تشرين الثاني/ نوفمبر العام 1973 ضد السفن المتجهة إلى مرفأ إيلات والعائدة منه.
ففي حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، كان البحر الأحمر أحد عناصر خطة فرض الحصار على إسرائيل، فقد بدأ حصار غير معلن على مضيق باب المندب منذ الأسبوع الثاني للحرب، حين أغلقت مصر بالتنسيق مع اليمنيين هذا الممر الحيوي.
كما قامت قوة من اليمن الشمالي باحتلال بعض جزر البحر الأحمر، لمنع إسرائيل من استخدامها لفك الحصار.
وفي عام 1974، بعد أن تم فك الحصار البحري عن إسرائيل، جرى وضع جزيرة ميون تحت القيادة المصرية، باتفاق تدفع بموجبه السعودية 10 ملايين دولار سنوياً إلى جمهورية اليمن الديمقراطية، حسبما ورد في دراسة نشرتها مجلة الدفاع الوطني اللبناني التابع للجيش اللبناني.
وحاولت إسرائيل في فترة لاحقة في السبعينات، احتلال جزيرة ميون اليمنية الاستراتيجية للسيطرة على باب المندب، لمنع تكرار الحصار الذي تعرضه له خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، لكنها واجهت ردة فعل مصرية فورية تمثلت في “إرسال مدمّرات إلى منطقة بريم لمواجهة أيّ حالة طارئة”.
تحكم في التجارة العالمية
أهمية جزيرة ميون تأتي من كونها تُشرف على الممر المائي في مضيق باب المندب، الذي تمر فيه نحو 21 ألف سفينة عملاقة سنوياً، وبواقع 57 سفينة حاملة نفط يومياً، حسب ما ذكرته وزارة التجارة في صنعاء قبل سنوات، وتُقدر كمية النفط العابرة في المضيق بـ3.3 مليون برميل يومياً.
وجزيرة ميون ومضيق باب المندب يعتبران الشريان المتدفق الرابط بين البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن جنوباً، وعرض باب المندب الكلي يُقدر بـ30 كلم، (20 ميلاً تقريباً)، وهي المسافة الفاصلة بين قارتي آسيا وإفريقيا، بين رأس منهالي في الساحل الآسيوي إلى رأس سيان على الساحل الإفريقي.
وتقسم الجزيرة مضيق باب المندب إلى ممرين أو قناتين، شرقية تعرف باسم “باب إسكندر” وعرضها 3 كلم وعمقها 30 متراً، وتقع بين الجزيرة والبر الآسيوي، وغربية تفصلها عن البر الإفريقي بمسافة 16 كلم وعمقها يقدر بـ100-310 أمتار في العمق المحاذي للساحل الإفريقي.
وهو ما يسمح لشتى السفن وناقلات النفط بعبور الممر بيسر على محورين متعاكسين متباعدين.
وتبعد جزيرة ميون عن ميناء عدن ما يقارب مئة ميل بحريّ، وعن جزيرة كمران ما يقارب الأحد عشر ميلاً بحرياً.
ما علاقتها بقناة السويس؟
موقع جزيرة ميون يجعلها تسيطر بشكل كامل على مضيق باب المندب، الذي يعد طريق التجارة الرئيسي بين الشرق والغرب، وهو يتكامل بشكل كامل مع قناة السويس، فإذا توقفت الملاحة به توقفت قناة السويس، والعكس صحيح.
وازدادت أهمية الجزيرة الصغيرة بحكم موقعها المتحكم في باب المندب، بوصفه واحداً من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي.
وكانت أهمية الجزيرة أقل قبل افتتاح قناة السويس وربط البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط وعالمه، حينها صار باب المندب واحداً من أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحري بين بلدان أوروبية والبحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرق إفريقيا.
وموقع جزيرة ميون وباب المندب له أهمية عسكرية استراتيجية بالغة، يمكن لمن يسيطر عليها تحقيق السيطرة العملياتية العسكرية.
وإمكانية التحكم والمراقبة المباشرة لخطوط ومواصلات ممر الملاحة البحرية الدولية الرابط لعبور المياه البحرية لخليج عدن والبحر العربي شرقاً، والبحر الأحمر وحتى قناة السويس غرب.
وأهمية باب المندب تبقى مرتبطة بحيوية وتطوير قناة السويس المصرية، وكذا مضيق هرمز، وبقاء الاثنين مفتوحين أمام الملاحة الدولية، خصوصاً ناقلات النفط.
ما هدف الإمارات من تأسيس هذه القاعدة؟
يعتقد أن هدف الإمارات من احتلال هذه الجزيرة لا يرتبط فقط بالوضع اليمني، بل أيضاً بطموحات الإمارات الاستراتيجية.
إذ ترى أبوظبي في نفسها إمبراطورية بحرية، (وصفها عسكريون أمريكيون بإسبرطة الصغيرة)، يجب أن تسيطر على الموانئ الرئيسية وطرق التجارة البحرية في المنطقة.
كما يأتي هذا التطور في وقت يشهد المشروع الإماراتي في المنطقة كبوات، بدءاً من السمعة السيئة للتطبيع الإماراتي بسبب حرب غزة، والتقارب بين حركة حماس ومصر، التي توسطت في التهدئة مع إسرائيل.
في وقت تبدو القاهرة غاضبة من الدور الإماراتي المؤيد لإثيوبيأ في ملف سد النهضة، والتعاون الإماراتي الإسرائيلي في مجال النقل، الذي يهدف إلى إيجاد منافسين أو بدائل لقناة السويس.
ولذا كان لافتاً أن واحدة من أوائل عمليات القصف التي نفذتها حماس ضد إسرائيل استهدفت خط أنابيب إيلات عسقلان، الذي يمثل واحداً من أوائل المشروعات المنافسة لقناة السويس.
كما يشهد المشروع الإماراتي في ليبيا تراجعاً، بسبب هزيمة اللواء خليفة حفتر، في معركة طرابلس ومضي العملية السياسية قدماً.
والأهم التهدئة المصرية التركية، خاصة في الملف الليبي، وانفتاح القاهرة على كل المكونات الليبية بما فيها المكونات في الغرب الليبي.
ومن هنا فإن سعي الإمارات لإقامة قاعدة في هذه الجزيرة يأتي ضمن محاولة إعادة تقوية موقفها في المنطقة، كلها بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية البالغة لهذه الجزيرة التي سيطرت عليها على مدار القرون الماضية كل الإمبراطوريات الاستعمارية القوية.
ومن الصعب معرفة إلى أي مدى وصلت الخلافات المصرية، ولكن المؤكد أنه هناك غضباً مصرياً ظهر في تصريحات المسؤولين بالقاهرة، بشأن التعاون الإسرائيلي الإماراتي في مسألة إيجاد منافسين أو بدائل لقناة السويس.
وفي 29 يناير/كانون الثاني الماضي، أعرب رئيس هيئة قناة السويس المصرية، أسامة ربيع، عن “قلق بلاده بشأن مشروع خط أنابيب إيلات-عسقلان بين الإمارات وإسرائيل”.
وكشف أن “هيئة الأوراق المالية والسلع تجري حالياً دراسات لبحث سبل مواجهة المشروع الإسرائيلي الإماراتي الذي يمكن أن يقلل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%”.
كما تقلق القاهرة من الدعم الإماراتي المعلن لإثيوبيا، والذي وصل إلى مساعدة أديس أبابا في القضاء على ثورة إقليم تيغراي، عبر مشاركة طائرات إماراتية مسيرة في قصف الإقليم، انطلاقاً من إريتريا.
واللافت أن جزيرة ميون تمسّ الأزمتين، فمن يسيطر على هذه الجزيرة يستطيع أن يعرقل الملاحة في قناة السويس (لا يتوقع أن تفعل الإمارات ذلك ولكنها ورقة بيدها)، كما أن الجزيرة قريبة من إثيوبيا.
ويمكن أن تؤدي إقامة قاعدة جوية فيها إلى تعزيز التعاون العسكري الإماراتي الإثيوبي، في وقت وصل فيه التوتر في أزمة سد النهضة، إلى تنظيم مصر والسودان لمناورة ضخمة تحمل اسم “حماة النيل” بالتزامن مع بدء إثيوبيا الملء الثاني للسد.
كما تستطيع الإمارات من هذه الجزيرة تشكيل تهديد للنفوذ التركي المتصاعد في الصومال.
أما بالنسبة للغرب فإن سيطرة الإمارات على هذه الجزيرة الاستراتيجية تزيد أهميتها لعواصم القرار الغربي في ظل أن أبوظبي تقدم نفسها كوكيل للغرب في المنطقة.
كما أن السيطرة الإماراتية ترفع الحرج والأثقال عن الغرب، بدلاً من أن تضطر إحدى الدول الغربية لإرسال قوات لاحتلال الجزيرة مباشرة لتأمنيها.