لمزيد من المؤامرات والتخريب.. الإمارات تتحرك للبحث عن نفوذ سياسي واقتصادي في العراق
جاء إعلان السلطات العراقية عن فوز شركة إمارتية بحق التنقيب عن النفط في 3 رقع تنقيب عراقية، وما سبقه من قرار أبوظبي دعم عملية إعادة إعمار العراق بـ 500 مليون دولار إضافة إلى استثمارات القطاع الخاص في مشروع معسكر الرشيد و ميناء أم قصر بخمسة مليارات و500 مليون دولار، ليسلط الضوء على تزايد التحرك الإماراتي على الساحة العراقية لبسط نفوذ اقتصادي وصولاً إلى النفوذ السياسي.
وعلى الرغم من الرمزية التي تحيط بهذا المسجد الذي أعلن من على منبره زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي نفسه خليفة عام 2014، يمكن اعتبار هذه الخطوة بداية مرحلة إماراتية جديدة في العراق، بينما لا يزال دور الإمارات يُعتبر خجولًا مقارنة بدور حليفتها وجارتها السعودية.
وفي مارس/آذار الماضي، تقدمت الإمارات بمبادرة لتتكفل بإعادة بناء وترميم مسجد النوري ومنارة الحدباء الشهيرة في الموصل، لتؤكد رسميًا بعد أيام انطلاق المشروع بإرسال مندوب خاص لإعمار المسجد ومنارة اللذين فجرهما تنظيم داعش في يونيو/حزيران الماضي.
وأوضحت الإمارات أن إعادة بناء هذا المسجد – الذي يعود إلى القرن الثاني عشر – يأتي في إطار مشروع هو الأضخم من نوعه في العراق، انطلاقًا من إيمانها بأن الثقافة تلعب دورًا مهمًا في مواجهة الإرهاب، إذ قالت وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتية نورة الكعبي إن هذا المشروع “يعكس جهود الإمارات ودورها في نشر رسالة الأمل والوسطية والانفتاح ونبذ التعصب والتطرف الفكري والديني والثقافي”.
وخلال سنوات البحث عن إيجاد موطئ قدم لها في العراق، وجدت أبوظبي الفرصة سانحة بعد إعلان حاجة العراق إلى 88.2 مليار دولار لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار داخل البلد الذي شهد دمارًا كبيرًا خلال الحرب ضد تنظيم الدولة، وفقًا لوزارة التخطيط العراقية.
والرابط المشترك بين البلدين يكاد ينحصر في نتائج مباريات كرة القدم، لكن خلف النتائج الرياضية التي تتصدر نتائج البحث، هناك ألعاب أخرى تديرها أبوظبي على الملعب العراقي، بحثًا عن بداية مرحلة إماراتية جديدة في العراق بعد إعلان انطواء صفحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بحسب ما أورده تقرير لموقع ” نون بوست”
وخلال الشهور القليلة الماضية، تعاظم دور الإمارات في العراق بشكل ملحوظ ليُظهر وجهًا سياسيًا مختلفًا يُخفى وراءه أحلام “إسبرطة الصغيرة”، بحجة إيجاد حلول سياسية للقضايا والملفات الإقليمية والدولية، وتقديم الدعم المالي لإنقاذ الدول التي دمرتها الحروب.
وفي إطار الجهود الإماراتية الرامية للتقارب، وقع البلدان اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب المالي بما يخص الضريبة على الدخل ورأس المال، وذلك في الوقت الذي شهدت فيه العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والعراق نموًا متزايدًا على مدى السنوات الماضية.
وتُرجم النمو من خلال تجاوز حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات والعراق حاجز الـ11 مليار دولار في عام 2016، منها 2.6 مليار دولار صادرات إماراتية، 6.7 مليار دولار حجم تجارة إعادة التصدير، و1.8 مليار دولار واردات من العراق.
وفي آب/أغسطس الماضي، التقى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي وصل إلى الإمارات قادمًا من النجف على متن طائرة إماراتية خاصة، بعد أسبوعين من زيارته للسعودية ولقائه بمحمد بن سلمان حيث جرى الاتفاق على دراسة استثمارات محتملة في المناطق الشيعية، جنوب العراق.
وبعدها بأسبوع تقريبًا استقبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي السفير الإماراتي في بغداد الذي نقل رغبة الإمارات في تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية بين البلدين وأشاد بالانتصارات على تنظيم الدولة الإسلامية.
وقعت أبوظبي في فخ التناقضات حين وصف أنور قرقاش منذ نحو شهر “الحشد الشعبي” بالجماعة الإرهابية، ووضعه في الخانة نفسها مع “جبهة النصرة”
تأتي محطات التقارب الأخيرة لتشير إلى سير العلاقات في مسار إيجابي بعد أعوام سقوط أبوظبي في فخ التناقضات، فقد سبق أن وصف أنور قرقاش منذ نحو شهر “الحشد الشعبي” بالجماعة الإرهابية، ووضعه في الخانة نفسها مع “جبهة النصرة”، متهمًا قطر بتقديم الدعم المالي لها.
وردّت الخارجية العراقية حينها على لسان المتحدث باسمها أحمد محجوب بالقول إن مؤسسة الحشد الشعبي جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الوطني ومؤسساته الرسمية كونها خضعت للتصويت عليها في البرلمان العراقي وتتبع للقائد العام للقوات المسلحة.
وأعربت وزارة الخارجية العراقية عن استغرابها من تصريحات الوزير الإماراتي، معتبرة أن هذه التصريحات تمثل عائقًا أمام تطور علاقات البلدين، وتبعث على القلق من عرقلة تطوير هذه العلاقات والارتقاء بها لما فيه صالح البلدين والشعبيين الشقيقين، لا سيّما أنها أتت في الوقت الذي يسعى فيه العراق لتعزيز علاقته مع الإمارات.
تشير المعطيات لعدد من العوائق الأساسية أمام العلاقات الإماراتية العراقية، حيث لم يتحقق سوى لقاء واحد بين ابن زايد وحيدر العبادي، خلال زيارة أجراها الأخير إلى الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2014.
دخلت أبوظبي في دائرة الاتهام الرسمي بدعم مشروع انفصال إقليم كردستان عن العراق، مع دخول بغداد على خط المشكلة الجديدة داخل الإقليم الكردي
وفي مارس/آذار 2016، شن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي هجومًا غير مسبوق على دول مجلس التعاون الخليجي خلال اجتماعه بقيادات مليشيات الحشد الشعبي، وقال إن “مجموع من قاتلوا في صفوف داعش من دولة الإمارات العربية المتحدة وصل إلى مئة شخص، فكم نفوس الإمارات مقارنة بالعراق”.
كما دخلت أبوظبي في دائرة الاتهام الرسمي بدعم مشروع انفصال إقليم كردستان عن العراق، مع دخول بغداد على خط المشكلة الجديدة داخل الإقليم الكردي، لمناكفة تركيا قدر الإمكان، وكذلك إيران، على اعتبار أن أنقرة تعتبر أن دولة كردية مستقلة على حدودها خط أحمر ممنوع بالكامل، وهو موقف لا تبدو طهران بعيدة عنه أيضًا.
وقبل ذلك، أعلن القنصل العام لدولة الإمارات في إقليم كردستان راشد محمد المنصوري أن بلاده تطمح لزيادة عدد استثماراتها في إقليم كردستان العراق بجلب 200 شركة استثمارية من مختلف الاختصاصات في الإقليم، ما سيشجع على تقوية العلاقات الاقتصادية بين بلاده والإقليم والعراق بشكل عام.
وتأكيدًا على الدور الإماراتي في كردستان، أفاد مسؤولون حكوميون في كردستان العراق بأن حجم الاستثمارات الإماراتية في الإقليم يبلغ 16.5 مليار درهم، أي ما يعادل 4.5 مليارات دولار.
على الرغم من تفاهم السعودية والإمارات في أغلب ملفات دول المنطقة والتنسيق المشترك فيها، إذ غالبًا ما يكون هناك تنسيق مشترك في الملفات الرئيسيّة، إلّا أنّ هذا الأمر لا يبدو واضحًا في ملف العلاقات مع العراق.
وفي حين اقتصر الدور الإماراتي على انفتاح خجول على العراق عبر تقديم عرض بإعادة إعمار المئذنة الحدباء والجامع النوري في الموصل، بادرت السعودية بإنشاء مجلس تنسيقي مع العراق، بدءًا بمشاريع كثيرة، كان آخرها إهداء ملعب لبغداد يتسع لمئة ألف مشجع.
وفي الوقت الذي تبدو فيه السعودية منفتحة بشكل كامل على العراق، مع غياب التصريحات السعودية المنتقدة للحشد الشعبي والتدخلات الإيرانية، يبدو الموقف الإماراتي غير واضح تمامًا.
وبينما وصف أنور قرقاش الحشد بـ”الإرهاب”، لم تصدر تصريحات عن مسؤول سعودي يهاجم فيها الحشد الشعبي والتدخل الإيراني في العراق، منذ استبدال السفير السعودي السابق لدى العراق، ثامر السبهان.
ومن المنتظر أن يشهد العراق انفتاحًا إماراتيًا شبيها بالسعودية يعبر عن مدى التفاهم حتى لو كان لأبوظبي أغراضها الخاصة
هذا التباين بين الموقفين السعودي والإماراتي يعود بشكل أساسي إلى أنّ الإمارات تعتمد على البوصلة الدولية وعلاقاتها مع الغرب أكثر من السعودية، وبالتالي فإنها تقرأ الموقف بعدم وجود ترحيب كبير من دول التحالف الدولي بدور عربي واضح بالعراق، وعودته لحضنه العربي سريعًا، كما قال المحلل السياسي العراقي وسام الكبيسي في تصريح صحفي.
ويقول المحلل السياسي العراقي عدنان التكريتي إن “الموقف الإماراتي يبدو أنه يعكس مدى التعقيد الذي تتعامل به مع الملفات الخارجية وعدم نجاحها في فك الارتباط بينها”، الأزمة الإماراتية – القطرية دون شك لها دور، ولكن نستغرب من الدخول في جانب كهذا”.
ويضيف “من المنتظر أن يشهد العراق انفتاحًا إماراتيًا شبيها بالسعودية يعبر عن مدى التفاهم حتى لو كان لأبوظبي أغراضها الخاصة”.