“العشرية المظلمة”، هكذا يطلق بعض المراقبين على العشر سنوات الأخيرة في دولة الإمارات وذلك على خلفية اتساع دائرة قمع الحريات في البلاد خلال هذه الحقبة الزمنية.
واستعرض المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان رفض السلطات الإماراتية إلى اليوم، المصادقة على عدة معاهدات دولية على درجة عالية من الأهمية، على غرار البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
والذي يعطي اللجنة الفرعية لمنع التعذيب الحق في زيارة جميع أماكن الاحتجاز الخاضعة إلى سلطة الدولة الطرف في هذا البروتوكول.
وعلى امتداد أعوام، تلقى المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان إفادات بانتهاكات في حق سجناء الرأي في عدة سجون على غرار سجن “الرزين”.
إذ يتمّ حرمانهم من الرعاية الطبية والأدوية، كما يحرمون من الأغطية والملابس خلال فصل الشتاء، وهو ما يعدّ تعذيبا ممنهجا تنتهجه السلطات وضربا من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية.
وفي خرق لمقتضيات القانون الاتحادي رقم 43 لسنة 1992 المتعلق بتنظيم المنشآت العقابية، ولقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي تقرّ بحق السجين في التواصل مع عائلته أو أصدقائه من خلال المراسلات أو الزيارات، يتعمّد منع زيارات المسجونين، وتعمد السلطات إلى قطع الاتصالات عند سؤال معتقل الرأي عن ظروف سجنه.
وفي تقليد جرى العمل به منذ تأسيس الدولة سنة 1971، دأبت السلطات في الإمارات في كل مناسبة دينية أو وطنية، على إصدار قرارات بالعفو عن السجناء المحكومين.
لكن هذا التقليد دائما ما يستثني سجناء الرأي، إذ تمعن السلطات الإماراتية في إذلال هذه الفئة بتقاعسها المستمر في الإفراج عنهم واحتجازهم لفترة طويلة بعد انتهاء مدة عقوبتهم.
محاكمات جماعية
تستمر الإمارات في انتهاج سياسة شديدة العداء تجاه معتقلي الرأي وعائلاتهم، تصل إلى درجة سحب الجنسية من أقارب السجناء وإلى المحاكمات الجماعية، على غرار ما حدث مع مجموعة الإمارات 94 التي تتم هذا العام 10 سنوات على اعتقالها، والتي تم سجن أبنائها فقط لممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات أو الانتماء إليها.
ومن بين المعتقلين الحقوقي أحمد منصور، الاسم البارز كإحدى الشخصيات القليلة التي ساهمت في تأسيس نشاط حقوقي مهني في الإمارات بصفة خاصة، وفي منطقة الخليج بصفة عامة، على امتداد العشرية الأخيرة.
ويقضي منصور عامه الخامس في السجن منذ اعتقاله سنة 2017، والحكم عليه سنة 2018 بالسجن عشر سنوات وغرامة مقدارها مليون درهم إماراتي، بتهمة “استخدام الإنترنت لترويج أفكار مغرضة من شأنها إثارة الفتنة والطائفية والكراهية”.
في يوليو/ تموز 2021، تمكن أحمد منصور من إيصال صوته إلى العالم عبر رسالته المسرّبة من زنزانته في سجن “الصدر”، إلى الإعلام الدولي والعربي، عبر السجين البرازيلي السابق في سجون الإمارات، كاليو كاسترو.
فكشف عن ظروف احتجازه، والتدهور المتسارع لوضعه الصحي، إذ تمّ عزله عن العالم الخارجي بشكل مستمر في حبس انفرادي، وحرم من أبسط الاحتياجات المعيشية الضرورية له، حسب ما أورده في رسالته.
وهو الأمر الذي دفعه إلى خوض إضرابات جوع من أجل تحسين ظروف احتجازه في أكثر من مناسبة.
وذكر تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش مع مركز الخليج لحقوق الإنسان، بتاريخ 7 يناير /كانون الثاني 2022، أنّ السلطات الإماراتية قد تبنّت مزيداً من الإجراءات الانتقامية ضد أحمد منصور، عقب نشر هذه التسريبات، فنقل إلى زنزانة أصغر وأكثر عزلة، ومنعت عنه الرعاية الطبية، كما صودرت منه نظّارات القراءة وحرم من السرير والفراش.
وحسب تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 2021، فقد ظلت الإمارات العربية المتحدة تحتجز أشخاصاً بعد انقضاء مدد أحكام السجن الصادرة ضدهم بموجب أوامر قضائية، وذلك بموجب القانون المتعلق بـ “المناصحة لمكافحة الفكر المتطرف”، الذي لا يجوز الطعن فيه.
موقف دولي متردد
أمّا عن ردود الفعل الدولية تجاه ما يحدث في الإمارات، فيذكر أنّ البرلمان الأوروبي قد تبنّى قرارا في 15 سبتمبر/ أيلول 2021، تحت عنوان “سجل حقوق الإنسان في الإمارات”، أدان فيه استمرار احتجاز المعتقل أحمد منصور، وطالب بالإفراج الفوري عنه وعن بقية معتقلي الرأي في البلاد.
وحثّ القرار الدول الأوروبية على وقف تصدير التكنولوجيا التي يمكن توظيفها في التجسّس والرقابة على الإنترنت إلى الإمارات، بعد بروز فضيحة استخدام السلطات الإماراتية برمجيات تجسّس إسرائيلية ضد ناشطين داخل البلاد وخارجها، وضد محامين وأكاديميين وبرلمانيين في الدّول الغربية.
كما دعا البرلمان الأوروبي في قراره الدول الأعضاء إلى مقاطعة معرض إكسبو 2020 الذي أقيم لاحقا في دبي.
وحث الشركات العالمية على سحب رعايتها لمعرض إكسبو، وذلك في خطوة ظاهرها احتجاج على سجل حقوق الإنسان في الإمارات، لكنها قد تخفي دوافع سياسية أو اقتصادية غير مستبعدة، خاصة مع انتقائية المجتمع الدولي بصفة عامة، والغرب بصفة خاصة في تناولهم للقضايا الحقوقية.
في المقابل، انتخبت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة الإمارات لدورة “مجلس الأمن الدولي” عامي 2022 و2023، في يونيو/ حزيران 2021، وذلك لأول مرة منذ عام 1986، رغم سجلها الحقوقي الحافل بالانتهاكات.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول من نفس السنة، فازت الإمارات بعضوية مجلس حقوق الإنسان للمرة الثالثة، وذلك رغم تجاهلها، على مدى سنوات، آليات مجلس حقوق الإنسان وخبرائه، ولم يُسمح لأي مقرر أممي خاص بزيارة البلاد منذ 2014.
وقد يطرح تساؤل عن السر وراء هذا التردد في مواجهة السياسة القمعية للإمارات تجاه حرية الرأي والتعبير، ويبدو التفسير الأقرب للمنطق في التحالفات السياسية التي تبرمها الإمارات ولاسيما انتهاجها تطبيع العلاقات مع سلطات الاحتلال، ما يجعلها في منأى عن المحاسبة الدولية، ويحصّنها من تحميلها أيّة مسؤولية أخلاقية من المجتمع الدولي.