موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات.. ثقب أسود للمعارضين ومركز للاختفاءات القسرية والقمع العابر للحدود

1٬456

يمثل اختفاء أنزاليكا ميلنيكافا، القيادية في المعارضة البيلاروسية، التي انقطعت آثارها فجأة في الإمارات في مارس/آذار 2025، حادثة مقلقة تعكس بوضوح المخاطر التي يواجهها النشطاء والمعارضون من مختلف دول العالم عند وجودهم في أبوظبي بالاختفاءات القسرية والقمع العابر للحدود.

فالقضية لا تقتصر على شخص مفقود، بل تفتح الباب أمام ملفات شائكة تتعلق بالاختطاف برعاية الدولة، والصفقات الأمنية السرية، وبيئة الاستخبارات المظلمة التي جعلت من الإمارات نقطة محورية في عمليات القمع العابرة للحدود.

صعود ميلنيكافا كزعيمة معارضة

أنزاليكا ميلنيكافا برزت بسرعة داخل المعارضة البيلاروسية بعد فرارها من بلدها عام 2020 خوفًا من الملاحقة. في بولندا، أسست نشاطها عبر مؤسسة “بيلاروسيا 2020” لدعم اللاجئين، ثم انضمت إلى الإدارة الوطنية لمكافحة الأزمات (NAU)، وهي هيئة معارضة بارزة يقودها بافيل لاتوشكو.

بحلول عام 2024، صعد نجمها أكثر بانتخابها رئيسة للمجلس التنسيقي المعترف به من البرلمان البولندي كحكومة منفى، ما جعلها في صدارة المعارضة البيلاروسية.

كما ارتبط اسمها بمجموعة “القراصنة الإلكترونيين” (Cyber Partisans) التي نفذت هجمات رقمية ضد نظام لوكاشينكا، وهو ما منحها مكانة حساسة جعلتها هدفًا مباشرًا لجهاز الأمن البيلاروسي.

اختفاء يثير الريبة

آخر أثر لميلنيكافا سُجل في الإمارات نهاية مارس 2025، بعد رحلة متعرجة من بولندا إلى بريطانيا وسريلانكا قبل دخولها أبوظبي. هذا المسار يشي بعملية استدراج مخابراتية معقدة، إذ تبدو الإمارات بؤرة مثالية لاختطاف المعارضين بسبب غياب الشفافية في تعاونها الأمني، وسجلها المليء بالانتهاكات.

توقفت اتصالات ميلنيكافا فجأة في 25 مارس. بعدها بأيام، رُصد هاتفها وهو يتصل من شبكة في مينسك، حيث جرى تنزيل ملفات تخص المعارضة.

هذا التفصيل الرقمي عزز فرضية أن العملية كانت منسقة بين أجهزة الأمن البيلاروسية والإماراتية، سواء عبر نقلها سرًا أو خلق بصمة رقمية مضللة لتبرير “إعادتها”.

الإمارات مركز عمليات سوداء

ليست هذه أول مرة تُذكر فيها الإمارات كمساحة خطرة على المعارضين. تاريخ أبوظبي حافل بحوادث مشابهة:

بول روسيساباجينا (رواندا، 2020): اختطف في دبي ورُحل قسرًا إلى كيجالي حيث واجه محاكمة سياسية.

لجين الهذلول (السعودية، 2018): سُلّمت من أبوظبي إلى الرياض حيث تعرضت للتعذيب.

عائشة الزعابي (الإمارات، 2014): زوجة معارض إماراتي، اعتقلت على الحدود وصودر جوازها.

هذه النماذج تعكس أن الإمارات ليست مجرد “محطة عبور” بل بيئة عمليات مفضلة للأنظمة الاستبدادية، حيث تُنفذ عمليات التسليم القسري أو الاختفاء القسري بغطاء سياسي وأمني.

سياسة أبوظبي تجاه معارضيها

أبوظبي لا تكتفي بالتعاون مع أجهزة أجنبية ضد معارضيها، بل طورت آليات خاصة لاستهداف منتقديها في الخارج.

عبدالرحمن القرضاوي (مصر، 2025): اختطفته من لبنان ونقل إلى الإمارات حيث يظل مختفيًا.

خلف الرميثي (2023): رحل من الأردن رغم حمله الجنسية التركية.

عبدالرحمن بن صبيح (2015): خُطف من جاكرتا بعد محاولة طلب لجوء سياسي.

هذه السوابق تؤكد أن أبوظبي تمارس القمع العابر للحدود لنفسها ولحلفائها، في مقايضة أمنية تقوم على “الخدمات المتبادلة”: تسليم معارضين أجانب مقابل غض طرف عن معارضي الداخل.

العلاقات الأمنية بين بيلاروسيا والإمارات

تزامن اختفاء ميلنيكافا مع توسع العلاقات الأمنية بين مينسك وأبوظبي. ففي 2023 وُقعت اتفاقية “مكافحة الإرهاب” صادقت عليها بيلاروسيا لاحقًا، وتولت لجنة أمن الدولة البيلاروسية (KGB) الإشراف على تنفيذها.

إضافة إلى ذلك، أصبحت الإمارات ثاني أكبر مستثمر في بيلاروسيا عام 2024، وهو ما يمنح العلاقات بعدًا اقتصاديًا داعمًا للتحالف الأمني. هذا السياق يعزز الفرضية بأن اختفاء ميلنيكافا كان ثمرة تعاون استخباراتي مباشر بين الطرفين.

وفي العلن، تقدم الإمارات نفسها كوجهة أعمال وسياحة عالمية، لكن خلف الصورة اللامعة تكمن شبكة معقدة من التعاونات الأمنية غير المعلنة. المعارضون يجدون في مطاراتها “فخاخًا” يسهل عبرها تنفيذ عمليات تسليم قسري، بعيدًا عن رقابة القضاء الأوروبي أو الأميركي.

غياب الشفافية القانونية، والتاريخ الطويل في احتجاز المعارضين، يحول الإمارات إلى ما يشبه “الثقب الأسود” حيث يختفي النشطاء دون أثر، إما بتسليمهم إلى بلدانهم أو احتجازهم داخليًا.

الأبعاد الجيوسياسية

يسلط ملف ميلنيكافا الضوء على القمع العابر للحدود كظاهرة متنامية، حيث تستخدم الأنظمة الاستبدادية أدوات أكثر تطورًا لإسكات معارضيها بالخارج.

وتجد الإمارات نفسها في قلب هذه العمليات بحكم موقعها الجغرافي، وقوة بنيتها الأمنية، وارتباطاتها الواسعة مع أنظمة استبدادية من روسيا وبيلاروسيا إلى مصر والسعودية.

لكن هذا الدور يضع سمعة الإمارات الدولية على المحك، إذ تتحول تدريجيًا من “مركز استثمار عالمي” إلى “مركز قمع عالمي”، ما يعرضها لضغوط متزايدة من منظمات حقوق الإنسان والبرلمانات الأوروبية.

الرسالة الدولية

اختفاء ميلنيكافا ليس مجرد حادث فردي، بل جزء من مشهد عالمي تتآزر فيه أنظمة استبدادية عبر منصات غير شفافة لتصفية معارضيها. وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي، فإن الإمارات ستبقى ساحة مفضلة لعمليات الاختطاف القسري.

المطلوب اليوم هو مساءلة أبوظبي عن دورها، وربط علاقاتها الاقتصادية والتجارية بمدى احترامها لالتزاماتها الحقوقية. فبدون هذه المحاسبة ستبقى حياة النشطاء والمنفيين مهددة كلما مروا عبر مطارات الإمارات أو استقروا فيها.

إذ أن قضية ميلنيكافا تكشف بجلاء كيف يمكن أن تتحول الإمارات إلى مصيدة للمعارضين، ليس فقط من بيلاروسيا بل من أي بلد استبدادي يرتبط بعلاقات أمنية معها.

ومع تزايد الأدلة على دورها في عمليات الاختطاف والتسليم القسري، تصبح الحاجة ملحة لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، وفرض ضغوط سياسية وقانونية دولية تحدّ من حصانة أبوظبي.

وإن تحقيق العدالة لميلنيكافا وأمثالها ليس مجرد مطلب إنساني، بل هو اختبار حقيقي لمدى قدرة المجتمع الدولي على مواجهة ظاهرة القمع العابر للحدود.