يعاني النظام القضائي في دولة الإمارات من ثغرات قوية تجعله ينتمي للعصور الاستبدادية في ظل استخدامه من النظام الحاكم كأداة للقمع الممنهج.
ويواجه النظام القضائي الإماراتي تشكيكا واسعا من خبراء في قدرته على مجابهة التقدم الذي يحيط بالدولة ومدى استقلاليته عن جهاز أمن الدولة الحاكم الفعلي للدولة.
وبهذا الصدد قلل الخبير القانوني الإماراتي وأستاذ العلوم السياسية حبيب الملا، من قدرة الجهاز القضائي الاتحادي في بلاده على مجاراة التطوير، ومراوحته في مكانه، مع وجود شكاوى عديدة من خدماته.
وقال الملا، في سلسلة تغريدات عبر حسابه في موقع “تويتر”، إن “الجهاز القضائي الاتحادي على الرغم من الجهود الحثيثة لتطويره إلا أنه لا يزال عصياً على التطوير، ويراوح مكانه، والمتعاملون يئنون بالشكوى من خدماته”.
وأضاف الملا: “أليس من الاجدر أن تتحول المحاكم الاتحادية في الإمارات إلى محاكم محلية، ويقتصر اختصاص القضاء الاتحادي على الجرائم الكبرى الماسة بأمن الدولة وعلى القضايا الدستورية؟”.
وتابع: “هذا سيؤدي ليس فقط إلى تطوير عمل الأجهزة القضائية في الإمارات، وإنما أيضاً إلى تطوير التشريعات الاتحادية التي لا تزال تعاني من جمود كبير لا يتناسب والطفرة التي حققتها دولة الإمارات في كل المجالات”.
المتأمل لحال الجهاز القضائي في الدولة يتبين له أن أكثر الأجهزة القضائية فعالية وانضباطا وإنجازا هى محاكم إمارات ابوظبى ودبي ورأس الخيمة. وهي كلها محاكم محلية.
— حبيب الملا (@DrHabibAlMulla) February 3, 2019
اما الجهاز القضائي الاتحادي فعلى الرغم من الجهود الحثيثة لتطويره إلا أنه لا يزال عصيا على التطوير ويراوح مكانه والمتعاملون يئنون بالشكوى من خدماته
— حبيب الملا (@DrHabibAlMulla) February 3, 2019
وهذا سيؤدي ليس فقط إلى تطوير عمل الأجهزة القضائية في الإمارات وإنما أيضا إلى تطوير التشريعات الإتحادية التي لا تزال تعاني من جمود كبير لا يتناسب والطفرة التي حققتها دولة الإمارات في كل المجالات
— حبيب الملا (@DrHabibAlMulla) February 3, 2019
إشراف حكومي كامل
ويعمل النظام القضائي في دولة الإمارات، خلال إطار ثنائي يشمل القضاء المحلي والقضاء الاتحادي، فهو بذلك ينفرد عن غيره من الأنظمة القضائية في العالم العربي.
وتنظم المواد الدستورية من المادة 94 إلى 109 العلاقة بين هذين النظامين، حيث تشرح الأصول الكلية لهذه العلاقة، بينما ترك بيان تفصيلاتها للقضاء المحلي دون أن يخالف أو يتعارض مع المبادئ الكلية التي وضعها الدستور.
وتوجد في جميع إمارات الدولة محاكم ابتدائية ومحاكم استئنافية، اتحادية أو محلية، فضلاً عن المحاكم الشرعية التي تنظر في قضايا الأحوال الشخصية، مثل الزواج والطلاق والميراث وغيرها. وتعد الشريعة الإسلامية التي تستنبط أحكامها وقوانينها من الكتاب والسنة المصدر الرئيس للتشريع في دولة الإمارات.
ويكفل الدستور الإمراتي حقوق الإنسان ويحظر التعذيب والمعاملة المهينة للكرامة بمختلف أشكالها وإلقاء القبض والتفتيش والحجز والحبس ودخول المنازل من دون إذن أصحابها إلا وفقاً لأحكام القانون، لكن ذلك مغيب بفعل استبداد جهاز أمن الدولة الإماراتي.
وتعتبر المحكمة الاتحادية العليا أعلى سلطة قضائية في دولة الإمارات. وعلى المستوى الاتحادي، تشرف وزارة العدل على أعمال المحاكم، ودوائر النيابة العامة في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تقوم بتعيين القضاة، وترخيص المحامين، والخبراء، والمترجمين القانونيين.
وتنظم المواد الدستورية من المادة 94 إلى 109 العلاقة بين هذين النظامين، وتشرح أصولها بشكل عام ، بينما تركت بيان تفصيلاتها للقضاء المحلي دون أن يخالف أو يتعارض مع المبادئ الكلية التي وضعها الدستور. ولكل إمارة من الإمارات السبع الحق في اختيار إما المشاركة في السلطة القضائية الاتحادية، أو الحفاظ على النظام القضائي المحلي الخاص بها.
تتبع كل من الشارقة، وعجمان، والفجيرة، وأم القيوين، النظام القضائي الاتحادي.
بينما على المستوى المحلي حافظت كل من دائرة القضاء في أبو ظبي ، ومحاكم دبي، ومحاكم رأس الخيمة على الدوائر القضائية المستقلة الخاصة بها، والتي تًعنى بالمسائل التي لم يُعهد بها للقضاء الاتحادي، وفقاً لأحكام هذا الدستور.
أداة قمع
يشبه ناشطون حقوقيون دولة الإمارات بوضع دولة كوريا الشمالية حيث تجاوز خطر أبو ظبي كل الحدود فهي تُمارس ما تمارسه الدولة البوليسية لا أحد يجرؤ على الانتقاد أو توجيه سؤال، وكل من يفعل يتعرض للاعتقال، الاختفاء القسري ونزع الاعترافات تحت التعذيب وبالتالي المحاكمة التعسفية.
ولتكريس نظام القمع والاستبداد الذي يفرضه النظام الحاكم في الإمارات فإنه طوع النظام القضائي والقانوني في الدولة ليكون فقط في خدمة جهاز أمن الدولة وممارساتها الإجرامية بحق مواطني الدولة والوفدين إليها على حد سواء.
وتسجل منظمات حقوقية دولية العديد من المأخذ الخطيرة على النظام القضائي في الإمارات، مثل أن المتهم في الدولة له الحق في محام أثناء المحاكمة وليس خلال فترة اعتقاله.
ويتساهل النظام القضائي في الإمارات في وضع المتهم وهو لا يزال على قيد التحقيق في السجن الانفرادي لمدة أسابيع والتعرض للتعذيب الجسدي والنفسي من دون مساعدة قانونية.
وفي حال الوافدين الأجانب، فإن المتهمين منهم يكونون ملزمين بالتوقيع على اعترافات باللغة العربية، دون الاهتمام إن كانوا لا يعرفون هذه اللغة أصلا.
ويزعم المسئولون الإماراتيون أن الوثائق القانونية تكون باللغة العربية وعندما تعرض هذه الوثائق على شخص لا يعرف العربية هناك مترجم يشرح له محتواها حرفيا.
لكن المنظمات الحقوقية الدولية تؤكد أن هذه الحقوق لا تراعى دائما كما أن نوعية خدمات الترجمة تختلف من مترجم لآخر، في وقت يقوم فيه النظام القضائي في الإمارات على أساس الاعتراف بغض النظر عن الأدلة.
وإن كان الاعتراف سيد الأدلة فإن التوقيع على اعترافات باللغة العربية فقط دون مراعاة حقوق المتهم ومعرفته بتلك اللغة يمثل تعسفا بهم وينفي صحة أن يكون الاعتراف أساس الإدانة، خاصة في قضايا أمن الدولة.
وسبق لمنظمة هيومن ريتس ووتش الحقوقية الدولة أن وثقت العديد من حالات اعترافات أخدت بالإكراه في دولة الإمارات، دون حضور محامي المتهم، ومنع المتهمون من المساعدة القانونية وزيارة أهاليهم.
وقبل أسابيع أيدت المحكمة الاتحادية العليا حكماً سياسياً بسجن الناشط الحقوقي أحمد منصور عشر سنوت وغرامة مليون درهم وهو حكم صدر بحقه في مايو/أيار2018.
وأظهر هذا الحكم أن جهاز أمن الدولة قرر المضي بخياراته بالإمعان في الإساءة للقضاء الإماراتي وتقديمه كإحدى أدواته لقمع ممارسة سكان الدولة لحرية الرأي والتعبير.
ما زال أحمد منصور يناضل في السجن من أجل الحرية والمواطنة المتساوية والإصلاحات الضرورية لإنقاذ الدولة، وهو أخر الأصوات المدافعة عن حقوق الإنسان علناً في الإمارات واعتقل في مارس/أذار 2017 ولا يزال في سجن انفرادي منذ ذلك الحين، ولم يتم السماح بزيارته إلا نادراً، كما لم يسمح له بالاتصال بعائلته.
ووجهت إليه تهمة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل “الإضرار بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي وسمعة الدولة”، بعد يوم من تضامنه مع المعتقل “أسامة النجار” الذي تستمر السلطات في سجنه رغم انتهاء محكوميته وهو سجين رأي اعتقل بسبب نشره تساؤلات عن مكان وظروف والده المعتقل أيضاً.
ولم يسبق أن قامت المحكمة الاتحادية العليا بإلغاء حكم سياسي صادر من محكمة أمن الدولة، إذا تؤيد قرارات المحكمة الخاضعة لسيطرة جهاز أمن الدولة.
لكن منصور أراد التأكيد للإماراتيين ومنظمات حقوق الإنسان العالمية والمحامين أن هذه المحكمة صورية وتخضع لجهاز أمن الدولة مثلها مثل محكمة أمن الدولة.
ويعتبر تأييد الحكم الصادر بحق منصور طعنه النهاية في نعش تعديل القانون سنة 2016 الذي كرّس تشريعيا الحق في التقاضي على درجتين بعد أن كانت دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا تفصل في الدعاوى بحكم نهائي لا يقبل الطعن بأي وجه من الوجوه.
وهذا التأييد يرد على تعهدات الإمارات الدولية، وتفاخرها بدرجتين للتقاضي في القضايا المتعلقة بأمن الدولة، ويؤكد مراراً وتكراراً أن سلوك جهاز الأمن “عدواني” تجاه تعهدات الدولة المتعلقة بحقوق الإنسان ولا يتعدى كونه محض دعاية لتحسين السُمعة السيئة بالفعل.
وقبل الجلسة كانت منظمة العفو الدولية قالت إن العالم ينظر إلى محاكمة أحمد منصور، ويبدو أن الرسالة وصلت للعالم أن أبسط أنواع الانتقاد يواجه بالسجن وأن المحاكم الإماراتية خاضعة لسيطرة أجهزة أمن الدولة. وهو الذي انعكس فوراً على صورة الدولة الدولية، وذكرت وكالة “رويترز”: الإمارات مركز تجاري وسياحي تتبع نظام الحكم المطلق لا يتساهل مع الانتقادات العلنية.
واستخدام المحكمة الاتحادية العليا لتأييد أحكام السجن السياسية بحق الناشطين وصمة عار في جبين القضاء الإمارات، ولا يمكن للتاريخ القضائي للإمارات أن يغفر لهذه الخطيئة التاريخية على ستدرس في المستقبل بصفتها أسوأ فترات استخدام القضاء في قمع المواطنين.
صرحت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “استمرار سجن أحمد منصور دليل إضافي على عدم احترام الإمارات لحكم القانون. بينما تدعي أنها دولة تقدمية ومتسامحة وتحترم الحقوق، تثير الإمارات القلق بعد أن أصبحت على مدى السنوات القليلة الماضية مكانا غير آمن للأكاديميين والصحفيين والناشطين والمنتقدين على حد سواء”.