سعى النظام الحاكم في دولة الإمارات إلى الترويج زورا لاحترامه حقوق المرأة في الدولة سعيا منه للتغطية على سلسلة انتهاكات موثقة من اعتقالات تعسفية وسوء معاملة وتمييز فاضح بين الجنسين.
وشارك وفد إماراتي في الدورة الثالثة والستين للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة والتي ركزت على أنظمة الحماية الاجتماعية والاستفادة من الخدمات العامة والبنية التحتية المستدامة لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات.
وزعمت حصة تهلك مساعد الوكيل لشؤون التنمية الاجتماعية في وزارة تنمية المجتمع – التي ترأست وفد الإمارات خلال أعمال اللجنة في نيويورك – إن الإمارات حققت تقدما في مجال المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، معربة عن تقديرها للقادة الإماراتيين الذين آمنوا بالدور الحاسم لإشراك المرأة في المجتمع بأسره.
وعلى هامش أعمال اللجنة، شاركت دولة الإمارات مع معهد جورج تاون للنساء والسلام والأمن، ومكتب الأمم المتحدة لدعم بناء السلام، وإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، في استضافة مناقشة حول توسيع دور المرأة في إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع.
#الإمارات تشارك في الدورة الـ 63 للجنة وضع المرأة بـ #الأمم_المتحدة#وامhttps://t.co/BKI4ejqYMy
— وكالة أنباء الإمارات (@wamnews) March 24, 2019
إلا أن الواقع الفعلي في الإمارات يعد مغاير لدعاية النظام بشأن حقوق المرأة.
إذ تواصل السلطات الإماراتية دعايتها الرسمية حول تمكين المرأة في الإمارات عبر قرارات تجميلية غير جوهرية يتم العمل على تسويقها إعلامياً، والحملات الإعلامية والمبادرات التي لا تتوقف وهي تتحدث عن تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الإمارات.
لكن صوت المعتقلة الإماراتية علياء عبد النور التي تصارع الموت في سجون أبوظبي كان له الصدى الأوسع لدى الرأي العام العالمي لتنسف صرخاتها الرواية الرسمية حول حقوق المرأة في الإمارات.
الدعاية الرسمية ..أرقام مجردة
تحرص وسائل الإعلام الرسمية إلى نشر عدة تقارير تزامنا مع يوم المرأة العالمي الذي يصادف الأربعاء 8 – 3 أو خلال يوم المرأة الإماراتية خلال شهر آب/ أغسطس من كل عام، تقتصر على سرد عشرات الأرقام التي تؤكد أن المرأة الإماراتية سيرتفع تمثيلها في المجلس الوطني إلى 50 % من المقاعد خلال الانتخابات المقبلة ، وتمثل نحو 30 في المئة من العاملين في السلك الدبلوماسي والقنصلي للدولة، فيما تضم حكومة الإمارات حاليا 9 وزيرات، بنسبة 29 في المئة من عدد الوزراء.
كما تشير الإحصاءات الرسمية ‘اى أن المرأة تمثل نحو 46.6 في المئة من سوق العمل، وتشغل نسبة 66 في المئة من الكادر الوظيفي بالجهات الحكومية، منهن 30 في المئة تشغلن مناصب قيادية، و15 في المئة في وظائف تخصصية وأكاديمية، وأنها تشكل أكثر من 70% من الطلبة الذين يدرسون في مراحل التعليم كافة، ويتخذون من ذلك دليلا على نيل المرأة حقوقها وتميزها، فيما تتناسى هذه الإحصائيات معاناة اجتماعية حقيقية تعيشها المرأة الإماراتية، واضطرار كثير منهن للعمل بسبب ارتفاع كلفة المعيشة، وحرمانها من حقوقها السياسية.
لذا فإن تعاطي السلطات الإماراتية مع المرأة يغلب عليه الجانب الدعائي، فمن جهة تواجه المرأة ظلما اجتماعيا وتهميشا سياسيا وتراجعا اقتصاديا، تبرز السلطات تعيين المرأة كنائب أو وزيرة أو مديرة مؤسسة في سياق تقاسم الوظائف بين الرجال والنساء ليس أكثر من ذلك، وتسوقه للعالم على أنه “تمكين للمرأة”.
انتهاكات واسعة وواقع مؤلم
لم تكن المرأة الإماراتية بعيدة عن حملات الملاحقة الأمنية والاعتقالات السياسية التي تتم بلا رقيب ولا رادع يوقف كل هذا التغول الأمني واستخفافه بحقوق المواطنين والمقيمين، حتى وصل إلى نساء الإمارات.
وخلال الشهر الماضي برزت قضية معتقلة الرأي الإماراتية علياء عبد النور كمثال صارخ على امتهان حقوق المرأة وحرمانها من أبسط حقوقها.
وتواجه عبد النور – التي اعتقلت بتهمة ” دعم الإرهاب” على خلفية تقديمها للمساعدات لأسر محتاجة من اللاجئين السوريين داخل الإمارات – تواجه الموت نتيجة الإهمال الطبي وتفاقم إصابتها بمرض السرطان مع تعرضها إلى “تعرضها للتعذيب ومعاملة غير إنسانية ومهينة”. بحسب ما أكدته منظمة هيومن رايتس ووتش.
وضربت السلطات الإماراتية بعرض الحائط كل المناشدات التي أطلقتها منظمات حقوقية محلية ودولية لإطلاق سراح علياء عبد النور، وكان آخرها تقرير أعده فريق خبراء أمميين في حقوق الإنسان برئاسة داينيوس براس، المقرر الخاص المعني بحق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، حيث ندد بممارسات الإمارات حيال عبد النور.
وطالب التقرير دولة الإمارات العربية المتحدة بإطلاق سراح “علياء عبد النور”، التي تعاني من مرض “فتاك”، مشيرين إلى “تعرضها للتعذيب ومعاملة غير إنسانية ومهينة”.، حيث وأجبرت على التوقيع على اعتراف مكتوب تم الحصول عليه تحت التعذيب، وفقاً لمعلومات التقرير، وحكم عليها بالسجن لمدة عشر سنوات.
وأعرب الخبراء عن قلقهم الشديد بشأن سلامتها الجسدية والعقلية، وإزاء التقارير التي تفيد بأن ظروف احتجازها تسبب لها ألماً غير ضروري، حيث يقال: إن “السيدة عبد النور محتجزة في غرفة بلا نوافذ وبدون تهوية، مقيدة بالسلاسل وتحت الحراسة المسلحة”.
كما كان قرار المحكمة الأمنية خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016 بسجن “أمينة العبدولي” خمس سنوات وشقيقها مصعب سبع سنوات بسبب تغريدات لأمينة على موقع تويتر، وهو الحكم الأمني الأول على مواطنة إماراتية دونت تغريدات على الموقع.
استمرار لمسلسل الانتهاكات
فيما كان مركز الإمارات لحقوق الإنسان أصدر بياناً عام 2017 حول واقع المرأة في الإمارات قال فيه : “ولم تكتف سلطات الإمارات بحبس نساء إماراتيات وإخفائهن قسريا بل تعمّدت فضلا عن ذلك تحميلهن وزر غيرهن وتجريدهن من جنسيتهن الإماراتية تعسفيا بعد سجن الأب أو الزوج وهو ما حصل في مارس 2016 مع أسماء ودعاء بنتا الشيخ محمد عبد الرزاق محمد الصديق المعتقل حاليا في سجن الرزين على خلفية حكم بالسجن لمدة 10 سنوات صدر بحقّه في إطار القضية المعروفة ” الإمارات 94 ” فلقد جردن من جواز السفر وخلاصة القيد وبطاقة الهوية ورخصة القيادة والبطاقة الصحيّة. وحرما فوق ذلك من الاطلاع على المرسوم القاضي بتجريدهن من الجنسية ومن حقهن في التظلم إداريا وقضائيا ضد التجريد التعسفي للجنسية وللوثائق الثبوتية”.
وتابع البيان: “وهو عين ما حصل مع زوجة الإماراتي عبيد علي الكعبي في أبريل 2016 أحد شيوخ ووجهاء قبيلة بني كعب الممتدة بين الإمارات وسلطنة عمان والتي جرّدت من جنسيتها بالتبعية بعد إسقاط جنسية زوجها دون أدنى ضمانات ودون محاكمة”.
وتابع بالقول: “كما تتعرض زوجات المعتقلين من السياسيين والنشطاء الحقوقيين والمدونين وأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم إلى سوء المعاملة باستمرار خلال زيارة السجون مثل المنع من الزيارة دون سابق إبلاغ بحيث تقطع الأسرة مسافة لا تقل عن ساعتين ونصف وتمكث لساعات أمام بوابات السجن وقد تخضع بعدها لتفتيش مهين وحاط من الكرامة ليتم إبلاغهن بعدها بالمنع”.
لجوء إلى خارج الوطن
كما رصدت منظمات حقوقية دولية قضية الإماراتية هند البلوكي التي اضطرت للهرب من الإمارات بعد تلقيها تهديدات من أفراد عائلتها، لأنها طلبت الطلاق من زوجها “المسيء”، حيث قالت “هند” إنها أم لـ 4 أطفال، وإنها لن تترك أطفالها بلا سبب، لكننها اضطررت إلى تركهم.
واعتبرت ” منظمة هيومن رايتس ووتش” أن قرار “هند” بالفرار يبين الكثير عن نقص الحماية المتاحة للنساء في الإمارات.
ورفضت السلطات في شمال مقدونيا طلب “هند” باللجوء، ما تركها عالقة في مركز احتجاز المهاجرين، حيث تتوسّل ألا يتم ترحيلها إلى الإمارات، والسماح لها عوضا عن ذلك بطلب اللجوء في مكان آخر.
ورغم أن “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” منعت ترحيلها في أثناء النظر في قضيتها، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت السلطات المقدونية ستعيدها إلى الإمارات أم ستمتثل لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وفي وقت لاحق، قالت السلطات المقدونية إن “هند” غادرت البلاد متجهة إلى ألمانيا. واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن القوانين في الإمارات تميّز ضد المرأة بطرق رئيسية متعددة وتفشل في حمايتهن من العنف.
وأكدت أن من يصدقون خطاب الإمارات الرنان حول حقوق المرأة، فقد يكون من الصعب فهم سبب اعتقاد نساء مثل هند أنه لكي يتركن زوجا مسيئا، لا خيار أمامهن سوى الهروب من الإمارات.
وعددت المنظمة أساليب تمييز القوانين الإماراتية ضد المرأة، بينها لا يوجد لدى الإمارات أيضا قانون محدد حول العنف الأسري، بل في الواقع، قوانينها تسمح بهذا العنف.
واستدلت على ذلك بإصدار “المحكمة الاتحادية العليا” في الإمارات عام 2010 حكما يسمح للأزواج بضرب زوجاتهم وإيقاع أشكال أخرى من العقوبة أو الإكراه عليهن، شريطة ألا يتركوا علامات جسدية.
ورأت المنظمة أنه “لو التزمت سلطات الإمارات حقا بإنهاء العنف والتمييز ضد المرأة في القانون والممارسة، لما شعرت نساء مثل هند بعد الآن بأن خيارهن الوحيد هو الهروب من البلاد وترك الأطفال والأحباء خلفهن”.
وتعد هند ثاني إماراتية تهرب من بلدها، خلال الآونة الأخيرة. إذ سبقتها الشيخة لطيفة بنت محمد آل مكتوم، ابنة الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي، التي هربت من “التعنيف الأسري”، بحسب زعمها، في مارس/ آذار 2018، قبل أن تجري إعادتها إلى بلادها عبر قوة عسكرية داهمت اليخت الذي كانت عليه في المحيط الهندي.