دخلت علاقات الإمارات مع المغرب منذ أسابيع منعطفا جديدا، يوشك على تحويل البرودة والجفاء اللذين امتدا أكثر من سنة إلى صدام ومواجهة، بعدما قرّرت الرباط استدعاء سفيرها في أبوظبي بمعية القنصل في دبي، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين
وبرز منذ فترة تصعيد الإمارات تدخلاتها في المغرب عبر استهداف الحكومة خدمة لمؤامراتها وطمعا في كسب النفوذ الإقليمي.
وتستمر التقارير في الحديث عن الدور الذي تلعبه الإمارات في المغرب وتوسع الاتهامات للدولة بالتدخل في الشؤون الداخلية له، أخرها هجوم واسع النطاق للذباب الالكتروني لأبوظبي للتحريض على الحكومة المغربية ورئيسها.
ورداً على ذلك أطلق نشطاء من حزب العدالة والتنمية حملة على منصات التواصل الاجتماعي للرد على الهجوم الذي استهدف الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني، عبر نشر إشاعات.
وبدأت الصحافة المغربية في شن هجوم على الإمارات، والمنصات الإعلامي الإماراتية التي قالت إن المغرب قد يعجز عن مواجهة وباء كورونا.
وقالت الصحافة المغربية إن الحسابات التي استعملتها دولة الإمارات في حملتها ضد المغرب حسابات وهمية تدار من طرف شركات مصرية تعمل على إنتاج الحملات الإلكترونية الموجهة لتأليب الرأي العام حول قضية محددة.
وقال موقع “الصحيفة” المغربي إنه ومن خلال تتبع الحسابات “الوهمية” عبر سلسلة من التعقيدات التقنية، مؤكدا أن هذه الحملة التي بدأت طوال أسبوع (10-15 ابريل/نيسان) واستهدفت المغرب وحكومته، والملك محمد السادس، تقف وراءها شركات مصرية مهمتها “صناعة ذباب إلكتروني” لإنتاج محتوى موجه لضرب شخصيات، أو دول، أو حكومات، وهي نفس الشركات التي تشتغل بشكل موثوق مع الإمارات.
وسبق لموقع “تويتر” أن أعلن عن ذلك في العديد من بلاغاته، كما جمّد موقع “فيسبوك” الآلاف من الحسابات الوهمية التي استهدفت دولاً مثل ليبيا وقطر وتركيا واليمن.
وشنت وسائل إعلام مغربية مقربة من الإمارات خلال الحرب حملة ضد رئيس الحكومة المغربية وطلبت من النيابة العامة فتح تحقيق معه على خلفية تصريحات أطلقها قبل تفشي الوباء بالمغرب. قال فيها إنه ليس للكمامات الطبية أهمية في الحد من انتشار الفيروس وذلك بناء على دراسات قدمتها منظمة الصحة العالمية، إلا أن المغرب قرر في منتصف ابريل/نيسان2020 أن وضع الكمامة إلزامي ويعرض عدم وضعها إلى عقوبة.
هل تريد الإمارات النفوذ في المغرب؟ يعتقد نزار بو لحية وهو كاتب تونسي في الإجابة على هذا التساؤل “لكن إن كانت هي اليوم كذلك فليس هناك ما يدل بالمقابل على أن الشمال الافريقي، بغض النظر عن التطورات الأخيرة، سيكون مجالا لسيطرة إماراتية، طالما دقت نواقيس التحذير منها، غير أنه سيكون من التهوين أيضا، أن لا يؤخذ مثل ذلك التوسع المتنامي لأبوظبي في ذلك الجزء من العالم بعين الاعتبار”.
وأضاف الكاتب: لعله سيغيب عن بال الكثيرين التنبه لذلك الآن مع انشغالهم بتداعيات وباء كورونا، الشيء الذي يتقاسمه معهم الإماراتيون بالطبع، ولو أن هؤلاء ضاقوا ذرعا، على ما يبدو، في خضم ذلك الانشغال بنوع محدد مما يرونه كذبا وخداعا غير مقبول”.
وتحدث على النفوذ الإماراتي في دول المغرب العربي وقال إن “هل كانت عيون الإماراتيين على الموانئ؟ أم أن طموحهم كان في أن يضعوا يدهم على مناطق محددة، أو حتى على قواعد عسكرية في مناطق استراتيجية من الشمال الافريقي؟ بقدر ما تعددت وتنوعت الصفقات التي قادتهم ليمارسوا ما يعرف بدبلوماسية الشيكات، بشكل نزق ومبالغ فيه، فإن مساوماتهم مع دول المغرب الكبير اختلفت من بلد إلى آخر.
وأضاف أنه “ومع ذلك فلم يكن غريبا أن تنشب بين الحين والآخر أزمة بين الإمارات ودولة من دول المغرب، ففي السنوات العشر الأخيرة خرجت محاولات أبوظبي للتدخل والتأثير في تلك المنطقة عن العد والحصر، ولم يعد ممكنا لأحد أن يعرف كم مغامرة خاض الإماراتيون في الدول المغاربية الخمس”.
ولفت إلى أن هناك “عدة اعتبارات أبقت المغرب أقرب البلدان المغاربية لأبوظبي. لكن منذ عام سحبت الإمارات سفيرها في الرباط على خلفية الموقف المغربي من حصار قطر، بحسب ما تردد، فيما بادر المغرب بدوره الشهر الماضي لسحب سفيره في عاصمتها”.
ويلاحظ أن حكام الإمارات لم يتقبلوا انطباق التحولات الأخيرة في السياسة الخارجية للمغرب عليهم، بعدما اعتمدت الرباط البراغماتية منطقا جديدا، تتحرك على وقعه الدبلوماسية المغربية؛ أي استقلال القرار الخارجي وسيادته، وانتهاء مرحلة التبعية والاصطفاف.
جاء الرد الإماراتي الظاهر في صيغة فتور غير مسبوق في العلاقات؛ جسّدها بقاء سفارة أبوظبي في الرباط بدون سفير أزيد من سنة، بعد مغادرة السفير علي سالم الكعبي المغرب بناء على “طلب سيادي عاجل”.
وفي الخفاء شنت الإمارات حربا قذرة بشتى الوسائل، قصد إخضاع المغرب لتوجيهات غرفة العمليات في أبو ظبي التي يسعى ولي عهدها، محمد بن زايد، إلى لعب دور قيادي في المنطقة.
تحرص الإمارات بشدة على استغلال أي فرصة، قصد إدخال المغرب قسرا ضمن الاستقطابات الجارية في العالم العربي، فقبل أيام أقدمت؛ بقرار أحادي الجانب، على محاولة إجلاء سياح إسرائيليين عالقين في المغرب، بسبب أزمة فيروس كورونا، من دون تنسيق أو تشاور مع البلد المضيف.
وقصد التغطية على فشلها، أطلقت هجوما إلكترونيا واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي يروج إشاعاتٍ، مفادها اضطراب الأوضاع بسبب عجز الدولة عن مواجهة وباء كورونا.
وحاولت توظيف قضية الصحراء، بعد شروع المغرب في تقييم مشاركته في حرب اليمن، إلى درجة تجاوزت فيها الخطوط الحمراء، حيث بثت قناة العربية من دبي تقريرا عن الموضوع، تحدّث عن أن “المغرب قام بغزو الصحراء بعد انتهاء الاستعمار الإسباني”.
أكثر من ذلك، سمحت أبو ظبي باستضافة زعيم جبهة بوليساريو على قناة الحرّة الموجودة في الإمارات، للإعلان عن عزم الجبهة العودة إلى العمل المسلح ضد المغرب.
وإقليميا، عملت الإمارات ضد المغرب في الأزمة الليبية، فكانت في مقدّمة الدول التي أجهضت مجهودات المغرب الدبلوماسية، من خلال عرقلة تطبيق بنود الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات الليبية في ديسمبر/ كانون الأول 2015، بالدعم البشري والمادي لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لشن حرب على حكومةٍ شرعيةٍ زكّاها الاتفاق، وتحظى باعتراف دولي، منذ بداية سريان الاتفاق في إبريل/نسيان 2016.
ويعتبر المغرب أن التدخل الإماراتي في الشأن الليبي إساءة له، فلا يعقل أن يُستدعى للمشاركة في حرب اليمن، بدعوى تثبيت دعم الشرعية هناك، بينما تقاتل الإمارات بضراوة ضد الحكومة الشرعية في ليبيا.
وقد ساهمت أبوظبي في تعاظم الدور الجزائري في الأزمة الليبية، على الرغم مما للمغرب من أسبقية تاريخية بشأن هذا الملف. كما ارتفع منسوب التنسيق بين حكام البلدين؛ فقد زار رئيس أركان الجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح الإمارات أكثر من مرة، في عز الحراك الجزائري.
تقارب غير مفهوم، بحكم وقوعه خارج سياق التحالفات الإقليمية وطبيعتها، ولا تفسير له سوى سعي الإمارات إلى محاصرة المغرب تمهيدا لعزله؛ فمواقفه وأدواره النشيطة في شمال أفريقيا وغربها، لا تتوافق مع خطط الإمارات وتوجهاتها.
امتدت مناكفة المغرب إلى الحقل الديني في أوروبا، حيث استغلت الإمارات البرودة والجفاء اللذين تشهدهما العلاقات بين الرباط وباريس؛ منذ أكثر من سنة، لشن هجوم على نموذج التدين المغربي الذي يُروج في أوروبا، وتحديدا في فرنسا، من خلال مخطط يهدف إلى السيطرة على المساجد المغربية هناك، بتجنيد مواطنين مغاربة عهد لهم تدبير الشأن الديني لمغاربة الخارج، أمثال خليل مرون عميد مسجد ايفري الكبير باريس، ومحمد بشاري أمين عام المجلس الإسلامي الأوروبي.
ويبدو أن اللقاءات الخاصة بين محمد السادس ومحمد بن زايد بين الفينة والأخرى لم تنجح في رأب الصدع، وتطويق الأزمة الآخذة في الاتساع بين البلدين. وخير دليل على ذلك استبعاد دولة الإمارات من برنامج جولات وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إلى بلدان الخليج في السنتين الأخيرتين. ثم اختيار أسلوب المعاملة بالمثل، بإعادة ممثلي الدبلوماسية المغربية في الإمارات إلى المملكة.
إنها بداية أزمة عميقة يتوقع أن تستمر طويلا، فالمغرب على ما يبدو مستعدٌّ لتحمل سياسة الابتزاز التي يمارسها أشباه “الحلفاء”، نظير الظفر بإعادة ترسيم حدود للعلاقات مع الدول، وفق ما يخدم مصالحه، ويثبت سيادته واستقلالية قراره الخارجي، بعيدا عن الاصطفاف في محاور يسعى قادتها إلى الهيمنة، وتحويل حلفائهم فيها لمجرد أتباع يتلقون التعليمات.