يجمع مراقبون على أن النظام الإماراتي يؤدي دورا وظيفيا لنشر الفوضى والتخريب وتفجير الأوضاع في المنطقة، في ظل معاداته لثورات الربيع العربي، وتشكيله مركزا للثورات المضادة على أرضها كانت أبو ظبي فيه رأس الحربة في حروبها ضد الشعوب العربية المطالبة بالحرية والعدالة والمساواة.
والإمارات الدولة المحدودة الحجم، القليلة الوزن، الصغيرة في العمر، تحولت إلى عظيمة في التآمر على الأمة الإسلامية، ليس فقط في محيطها العربي، بل امتد تآمرها على المسلمين في كل بقاع الأرض، من مالي إلى تركيا، ومن بلاد البلقان وتعاونها مع صربيا ضدهم، إلى الهند والصين ودعمها لهما في مجازرهما الوحشية في حق المسلمين.
ويتساءل مراقبون مَن تكون الإمارات التي تتكون من عدة إمارات صغيرة ولم تكمل عقدها الخامس بعد؟! وهل ما يحركها طموح ذاتي وأطماع في التوسع والنفوذ؟ أم إن هناك قوى تحركها لمصلحتها؟! ومن أين أتت تلك الدولة الوليدة بهذه القوة والنفوذ الذي يحركها شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، والتي تجعلك تشعر أن في يدها “زرا” تضغط عليه في المكان الذي تريد تخريبه وتفجيره؟!
لكن بقليل من التفكير في شأنها والتمعن في تحركها تجاه الأحداث، تدرك على الفور أن هذا “الزر” أو الريموت كنترول ليس في يدها، ولكن في يد مَن يستخدمها ويكل إليها القيام بهذا الدور وتأدية هذه المهمة نيابة عنه.
فهي دولة وظيفية كما صرح مؤخراً وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار”؛ قائلا إنها دولة وظيفية تخدم غيرها سياسياً وعسكرياً ويتم استخدامها واستغلالها عن بُعد. وتساءل “أكار” عمن تخدم هذه الدولة، ولأي جهة يعمل هؤلاء ولأجل مَن وباسم مَن يتحركون وينشطون!..
والإجابة على هذه التساؤلات يعرفها “أكار” بالطبع، قبل أن نعرفها نحن الذين خُدعنا بهذه الدولة.
ربما لم ندرك هذا الدور الوظيفي لدولة الإمارات إلا بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، وكان الكثير منا منبهرا بالنهضة العمرانية الجبارة التي حدثت فيها، والتي حولت أراضيها من صحراء جرداء إلى أراض خضراء يانعة كست التلال والجبال، شقوا فيها الوديان والبحيرات الصناعية، وشيدوا فوقها أعلى البنيان وأعظم الفنادق وأفخر المتاجر و.. و.. إلى آخر ذلك من مناظر رائعة مما تلذ الأعينُ، وتُسكر الأبصارَ وتسُر القلوبَ.
خشيت الإمارات أن تنتقل إليها رياح الثورات العربية ويتنفس شعبها عبير الحرية المُحرّم عليه، ويطالب بالعدل والمساوة في توزيع ثروة بلادهم وألا تقتصر على أفراد الأسرة الحاكمة، وأن يشاركوها في حكم البلاد.
فشكلت أبوظبي سريعاً على أرضها غرفة عمليات للثورة المضادة بمساعدة خارجية، فهذه الثورات العربية لم تكن على هوى أمريكا، بعكس ما يُشاع أو يحاول البعض إلصاق ثورات الربيع العربي بمؤامرة أمريكية لخلق حالة من الفوضى الخلاقة التي أعلنتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “كونداليسا رايس” عام 2006، وإلا لما سمحت بإجهاضها ولعملت على نجاحها واستمرارها.
فما يهم أمريكا في المقام الأول والأخير هو إسرائيل، وهما يدركان تماماً أن الخطر على هذا الكيان الغاصب لأرض فلسطين يأتي من التيارات الحرة والعقائدية، لذلك يتم وضع الخطط التفصيلية لتنفيذها في مثل هذه الظروف الثورية، كي يتم على الفور وأد أي تجربة ديمقراطية في البلدان العربية، فهنا تلاقت المصالح والأهداف المشتركة بين هذه الأطراف لوأد ثورات الربيع العربي.
أنفقت دولة الإمارات المليارات من الدولارات، وشاركتها في الأمر المملكة السعودية، ولعل آخر ما شهدناه في تلك الحرب المعلنة التآمر على تونس ومحاولات زعزعة الاستقرار فيها، بتمويل حملة تقودها النائبة “عبير موسي” وبعض أحزاب العهد البائد وفلول الرئيس المخلوع “زين العابدين”، لإسقاط رئيس البرلمان “راشد الغنوشي”، زعيم حزب النهضة، بحجة انتمائه للإخوان المسلمين.
ولكن محاولاتهم البائسة باءت بالفشل الذريع، وجدد البرلمان الثقة في “الغنوشي”، وأعطت تونس درساً جديداً للشعوب العربية في الديمقراطية.. فازت تونس وخسر المبطلون أموالهم، ولكن لا يعني خسارتهم هذه المرة انتهاء محاولاتهم التخريبية في تونس، بل سيعاودون الكرة مرات عدة وبأشكال أخرى، فدولة المؤامرات لا تريد أن تكون تونس نموذجاً للديمقراطية يحتذى به في العالم العربي..
لقد بدأت أولى الثورات المضادة في مصر، فمولت الإمارات حركة “تمرد” المخابراتية وأسقطت أول رئيس منتخب فيها منذ سبعة آلاف سنة، في انتخابات حرة ونزيهة شهد لها العالم أجمع، فتم وأد التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، ليذهب عرابو الثورة المضادة بعدها إلى سوريا ليزجوا بالمرتزقة وعناصر من صنيعتهم إلى الأراضي السورية لدعم ومساعدة نظام السفاح “بشار”، ويحولوا الثورة النبيلة إلى حرب أهلية طاحنة، تدمر البلاد والعباد وتحول سوريا الجميلة التي منحها الله الطبيعة الخلابة الجذابة وخلف فيها الأجداد أعظم الآثار المعمارية البديعة؛ إلى خراب وأرتال من الأتربة وأكوام من الحجارة تسبح في بحور من دماء السوريين!!
ولم يتوقف سلوك الإمارات والسعودية عند هذا الحد، بل امتد إلى اليمن الذي غزوتاه ظلماً وعدواناً، وقتلتا عشرات الآلاف من شعبه الطيب، ودمرتا حضارته غيلة وحقداً، وأعادتاه إلى العصور الوسطى.
كما أعادت الإمارات تقسيم اليمن لتحتل جنوبها وتغتصب موانئها فالإمارات تسعى جاهدة لأن تستولي على موانئ المنطقة تحت مسميات تجميلية، كما فعلت في الصومال وجيبوتي قبل طردها منهما، بل بلغ طموحها أو جنوحها أن تستولي على ميناء للدولة التي تستخدمها (أمريكا) تحت عرض استئجاره، وجاء الرد قاطعاً: الزمي حدودك..
وكذلك تفعلان في ليبيا وتدعمان المنقلب “خليفة حفتر” بالمال والسلاح، رغم ما مُني به من هزائم متوالية على يد حكومة الوفاق التي تدعمها “تركيا”..
وما كان لدولة الإمارات، الصغيرة الحجم، أن تؤدي هذا الدور الوظيفي، والذي أدته باقتدار منقطع النظير؛ لو لم يكن على رأسها رجل طموحه بلا حدود، يريد أن يمتد نفوذه وسيطرته إلى خارج بلاده وإلى أبعد مما تراه العين، يريد أن يضع الدنيا بين جناحيه.
هذا الطموح الذي يصل لحد الجنون توافر في ولي العهد “محمد بن زايد” الذي أبعد أخاه رئيس البلاد “خليفة بن زايد” عن شؤون الحكم، وتولى هو مقاليد الأمور بمباركة أمريكية، ليقوم بهذا الدور الوظيفي والذي يحقق من خلاله طموحه الشخصي.
فمثل هذه الشخصيات على استعداد للتنازل عن كل الثوابت والتضحية بكل شيء من أجل تحقيق أحلامها، والتي غالبا ما تكون كارثية على الأمة.
وفي التاريخ نماذج عدة من تلك الشخصيات الكارثية التي استخدمها أعداء الأمة لضربها من داخلها، وليحل البلاء عليها. الأمريكان والغرب عموما يدرسون الشخصيات جيدا وأبعادها السيكولوجية، ويضعون أيديهم على مفتاحها، ويقومون أيضا بتدريبها قبل أن يكلوا إليها مهامها الوظيفية، ولقد وجدوا في “ابن زايد” الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة.