أظهرت وثيقة استخباراتية إماراتية رسمية صادرة عن قيادة العمليات المشتركة في أبوظبي، تفاصيل خطة إماراتية منظمة هدفت بشكل مباشر إلى تقليص النفوذ السعودي في محافظة المهرة اليمنية، وصولًا إلى تصفيته ميدانيًا وسياسيًا، عبر أدوات محلية وأساليب استخباراتية مركّبة.
وتكشف الوثيقة المؤرخة في 13 سبتمبر/أيلول 2021، جانبًا مسكوتًا عنه من صراع النفوذ داخل التحالف العربي، بحيث تؤكد أن الإمارات تعاملت مع التواجد السعودي في المهرة بوصفه عائقًا استراتيجيًا يجب إزالته، لا شريكًا في مهمة عسكرية مشتركة.
ووفق ما ورد في الوثيقة، اعتمدت أبوظبي على “المجلس الانتقالي الجنوبي” كأداة مركزية لتنفيذ الخطة، عبر توجيه قياداته وعناصره للتغلغل داخل المعسكرات السعودية، وإظهار الولاء الظاهري للرياض، في وقت كانت فيه التحركات الفعلية تعمل على تقويض الوجود السعودي من الداخل.
وتشير الوثيقة إلى أن الخطة الإماراتية نُفذت على مراحل مدروسة، بحيث في المرحلة الأولى اعتمدت على التحريض المنهجي وإثارة الاحتجاجات الشعبية ضد القوات السعودية في المهرة.
ودفعت الإمارات بعناصر مدنية وعسكرية موالية لها للاندساس وسط المحتجين، ورفع شعارات مناوئة للوجود السعودي، بهدف خلق ضغط شعبي مصطنع يُجبر الرياض على الانسحاب دون كلفة مباشرة على أبوظبي.
وعندما فشلت هذه المرحلة في تحقيق أهدافها، انتقلت الخطة إلى ما سُمّي في الوثيقة بـ”الطور الثاني”، وهو الدفع نحو المواجهة المباشرة عبر اقتحام المعسكرات السعودية.
في هذه المرحلة، كثّفت الإمارات دعمها المالي واللوجستي للمحرّضين، وسعت إلى تفجير الوضع أمنيًا للوصول إلى صدام مفتوح يُظهر القوات السعودية في موقع الضعف والعجز.
وتكشف الوثيقة أن “معسكر لوسيك”، أحد أقدم وأهم المعسكرات السعودية في المهرة، تم اختياره كهدف أولي لعملية الاقتحام. الهدف لم يكن عسكريًا بحتًا، بل إعلامي وسياسي بالدرجة الأولى، عبر تصدير صورة انهيار الهيبة السعودية وعدم قدرتها على حماية مواقعها، تمهيدًا لدفعها إلى الانسحاب تحت ضغط الواقع الميداني.
واللافت في مضمون الوثيقة أن الهدف النهائي للعملية وُصف بعبارات صريحة لا تحتمل التأويل، إذ تحدثت عن “تصفية المملكة العربية السعودية من مدينة المهرة”.
ولم يقتصر الدور الإماراتي على التحريض والتمويل، بل امتد إلى السعي المنهجي للحصول على وثائق ومستندات من داخل المعسكرات السعودية لخدمة أجندتها الخاصة، سواء للاستخدام السياسي أو الاستخباراتي لاحقًا.
وتؤكد الوثيقة أن الإمارات كانت على علم مسبق بنية السعودية إخلاء بعض المواقع وإعادة ترتيب انتشارها. إلا أن أبوظبي استغلت هذا الظرف عبر تحريك عناصرها الميدانية لتحطيم بوابات المعسكرات، ما أدى إلى حالة فوضى ونهب واسع، أعاقت عملية تأمين الوثائق والمعدات بشكل منظم، وحوّلت ما كان يُفترض أن يكون انسحابًا منضبطًا إلى مشهد فوضوي مُدان.
وفي قراءة إماراتية داخلية للأحداث، تعتبر الوثيقة أن ما جرى لم يكن انسحابًا سعوديًا حقيقيًا، بل “إعادة تموضع”، وهو توصيف يكشف حجم القلق الإماراتي من عودة الرياض لاحقًا للتحقيق في ما حدث.
وتضيف الوثيقة أن أبوظبي اتخذت بالفعل “عمليات تحصين لازمة” تحسبًا لفتح تحقيقات سعودية قد تكشف خيوط الدور الإماراتي في تأجيج الأحداث.
وتضع هذه المعطيات الدور الإماراتي في المهرة تحت ضوء أكثر قتامة، إذ يظهر كدور تخريبي يستهدف شريكًا مفترضًا، لا خصمًا، ويُدار بعقلية استخباراتية لا تعبأ بتداعياتها على استقرار اليمن أو على صورة السعودية لدى الشارع اليمني.
فنتيجة هذه العمليات، كما تعكسها الوقائع، لم تكن إضعاف النفوذ السعودي فحسب، بل دفعه إلى موقع الاتهام أمام اليمنيين، باعتباره تدخلًا ساهم في تفكيك وحدة البلاد وفتح الباب أمام المليشيات المدعومة خارجيًا.
وفي المحصلة، تكشف الوثيقة أن ما جرى في المهرة لم يكن حدثًا عابرًا أو نتيجة توترات محلية، بل نتاج خطة إماراتية ممنهجة استخدمت الوكلاء والعملاء والأدوات الاستخباراتية لإعادة رسم خريطة النفوذ بالقوة.
وتؤكد أن استمرار هذا المسار دون إجراءات سعودية صارمة ورادعة لن يعني سوى مزيد من الفوضى، وترسيخ واقع تتحول فيه الإمارات من شريك معلن إلى خصم يعمل في الظل، على حساب اليمن ووحدته، وعلى حساب التحالف نفسه.
