موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات وحرب السودان.. النفي الرسمي يصطدم بسيل الأدلة الدولية

1٬688

رغم الإنكار المتكرر من أبوظبي وتبني نهج النفي الرسمي المتكرر لأي دور عسكري في الحرب السودانية، تتكشف يوماً بعد يوم شبكةٌ معقدة من الأدلة والتقارير الدولية التي تضع الإمارات في قلب النزاع الدامي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

فبينما تواصل أبوظبي الادعاء بأنها تقف على مسافة واحدة من طرفي الصراع، تؤكد تقارير الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وصحف أميركية وبريطانية كبرى أن الإمارات تموّل وتسلّح الميليشيات المتهمة بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور وكردفان.

من ذلك تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة الصادر في يناير/كانون الثاني 2024 وصف الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع بأنه “موثوق ومدعوم بالأدلة”، مشيراً إلى تحويلات مالية وشحنات أسلحة حديثة ومرتزقة أجانب جندتهم شركات خاصة تعمل من دبي وأبوظبي.

وبعد عام واحد فقط، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركات مقرها دبي بتهمة تمويل المليشيا عبر تجارة الذهب وتهريب السلاح، مؤكدة أن تلك الشركات تمثل واجهات مالية تعمل لصالح حميدتي ومقربيه.

من جهتها، كشفت منظمة العفو الدولية عن إعادة تصدير قنابل ومدرعات إماراتية الصنع إلى مناطق النزاع في دارفور، في خرقٍ واضح لحظر السلاح المفروض على السودان بموجب قرارات مجلس الأمن. ووصفت المنظمة هذا السلوك بأنه “تحدٍ فاضح للقانون الدولي، وتورط مباشر في جرائم ضد المدنيين”.

جسور جوية ومرتزقة من الظل

تؤكد صحيفة الغارديان البريطانية أن الإمارات استخدمت أراضي تشاد كجسر جوي سري لإيصال السلاح والمعدات إلى قوات الدعم السريع.

في حين كشفت واشنطن بوست أن طائرات شحن إماراتية أقلعت من قواعد في أبوظبي والعين باتجاه مطارات صحراوية على الحدود التشادية السودانية، في رحلات غير مسجلة رسمياً.

كما تحدثت تقارير استخباراتية غربية عن نشر مرتزقة كولومبيين وأفارقة ضمن صفوف الدعم السريع بعد تلقيهم تدريبات خاصة في معسكرات تمولها شركات أمنية إماراتية.

فظائع في الفاشر ودارفور

أحدث الجرائم التي أعادت الملف إلى الواجهة كانت في مدينة الفاشر، حيث وثّقت صور أقمار صناعية وتقارير ميدانية – نشرتها واشنطن بوست – عمليات قتل جماعي عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.

وأشارت الصحيفة إلى تمركز مركبات عسكرية قرب جثث وبقع دماء ضخمة يمكن رؤيتها من الجو، فيما أكدت مصادر محلية أن عناصر المليشيا أعدموا المرضى في المستشفى السعودي بالفاشر، في واحدة من أبشع الجرائم منذ اندلاع الحرب.

ودفعت هذه الفظائع ناشطين وصحفيين عرباً وسودانيين إلى توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى الإمارات. وتصدر وسم #جرائم_الامارات_في_السودان منصات التواصل الاجتماعي، حيث دعا آلاف المستخدمين إلى فرض عقوبات دولية على أبوظبي وعزلها دبلوماسياً، معتبرين أن دعمها للمليشيات يعادل “شراكة كاملة في جرائم الإبادة”.

وكتب الصحفي اليمني عبدالله دوبله على منصة “إكس”: “قد تعتقد الإمارات أن تواطؤ الدول الغربية سيستمر إلى ما لا نهاية، لكن ماذا لو تحوّل الملف إلى ورقة ابتزاز في محكمة الجنايات الدولية؟ الصندوق السيادي الإماراتي مغرٍ، والغرب الاستعماري جشع بطبعه”.

أما الصحفي المصري جمال سلطان فقال إن “سقوط الفاشر تزامن مع تقارب البرهان مع تركيا، لا القاهرة، في إشارة إلى تبدّل ميزان الثقة الإقليمي بعد انكشاف الدور الإماراتي”.

بدوره، الإعلامي القطري حسين حمود وصف ما يجري في السودان بأنه “خيانة للعروبة والإنسانية”، مضيفاً أن “صمت بعض العواصم تواطؤ صريح مع القتلة”.

الإمارات في مرمى الغضب الشعبي

أكد القيادي السوداني محمد ناجي الأصم، أن “أيّاً كان من يقرر السياسة الخارجية للإمارات، فهو يقوم بعمل سيئ للغاية”. وأضاف: “بتدخلها في السودان فقدت الإمارات تأييد غالبية الشعب السوداني، كما خسرت ثقة شعوب المنطقة من فلسطين إلى ليبيا واليمن”.

وأشار الأصم إلى أن “اليوم الذي تُحاصر فيه الإمارات دولياً بسبب تمويلها للحروب قادم لا محالة، كما حدث مع إسرائيل بعد جرائم غزة”.

أما الكاتب السوداني تاج السر عثمان فاعتبر أن “الاستنكار وحده لا يكفي، ما لم يُوجَّه إلى الراعي الحقيقي لهذه الميليشيات”. وتابع: “تقارير الأمم المتحدة وثقت وصول أسلحة إماراتية متطورة إلى الجنجويد وتجنيد مرتزقة من أفريقيا وكولومبيا، فيما تعربد الإمارات في السودان مستخدمة هؤلاء كستار لإخفاء تورطها المباشر”.

تورط لا يمكن إخفاؤه

بحسب ناشطين ميدانيين، أرسلت أبوظبي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول وحده 57 طائرة إمداد محمّلة بالأسلحة إلى قوات الدعم السريع، رغم العقوبات الأميركية والتحذيرات الأوروبية.

ورغم محاولات الإمارات الدفاع عن نفسها عبر تصريحات مبهمة عن “الحياد”، فإن الأدلة التقنية وشهادات الناجين واعترافات المرتزقة تشكل – كما يقول مراقبون – “ملف إدانة يصعب التهرب منه”.

في المقابل، يلفّ صمت غربي مريب الموقف الدولي من الدور الإماراتي في السودان، وسط تقارير عن ضغوط اقتصادية تمارسها أبوظبي بفضل نفوذها المالي واستثماراتها في العواصم الغربية. ويقول محللون إن الإمارات “تشتري الصمت الدولي بالذهب والصفقات”، فيما يستمر المدنيون في دارفور وكردفان في دفع الثمن من دمائهم.

وعليه بين النفي الرسمي الإماراتي وتدفق الأدلة من مصادر أممية ودولية، تتكشف ملامح حربٍ بالوكالة تُدار من أبوظبي على الأرض السودانية.

وبينما تسعى الإمارات إلى تلميع صورتها كقوة استقرار إقليمي، فإن سجلها في السودان – كما في اليمن وليبيا – يكشف عن دولة تغذّي الفوضى وتقتات من النزاعات.

ومع اتساع الغضب الشعبي وارتفاع أصوات الضحايا، يبدو أن محاولة التستر على الدور الإماراتي في حرب السودان لم تعد ممكنة، وأن ساعة الحساب تقترب.