موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

دراسة تكشف خفايا الوجود الإماراتي–الإسرائيلي في جزيرة عبدالكوري اليمنية

682

كشفت دراسة عن تفاصيل صادمة تتعلق بواحد من أكثر المشاريع الجيوسياسية غموضاً في البحر الأحمر: مشروع الوجود الإماراتي–الإسرائيلي المشترك في جزيرة عبدالكوري اليمنية، الواقعة ضمن أرخبيل سقطرى.

وتستند الدراسة الصادرة عن مركز (هنا عدن للدراسات الاستراتيجية)، إلى وثائق مسربة، وصور أقمار صناعية، وشهادات ميدانية تؤكد تحويل الجزيرة إلى قاعدة عسكرية واستخباراتية تخدم مصالح أبوظبي وتل أبيب في الممرات البحرية الدولية.

من المساعدات إلى القواعد العسكرية

تبدأ القصة، تحت غطاء “العمل الإنساني”. فقد دخلت مؤسسة خليفة بن زايد الخيرية إلى الجزيرة منذ عام 2020 لتوزيع المساعدات الغذائية والمعدات الصحية، لكنها سرعان ما تحولت إلى أداة لتنفيذ مشروع عسكري واستخباراتي متكامل.

والوثائق التي حصل عليها المركز تكشف عن إنشاء مدارج للطائرات المسيّرة، ومحطات اتصالات إماراتية، ومنشآت محصنة، إضافة إلى تعزيز التواجد البحري حول الجزيرة، في ما يشبه “إعادة هندسة جغرافية” لواحدة من أكثر النقاط حساسية في الممرات البحرية العالمية.

وتوضح الدراسة أن الخطوة الأولى كانت بناء شبكة قبول محلية عبر دعم مشاريع صغيرة مثل وحدات سكنية ومحطات مياه ومساعدات للصيادين، وهي إجراءات هدفت إلى كسب ولاء السكان وتحييد أي معارضة محلية. لكن ما تبع ذلك كان أخطر: دخول خبراء عسكريين إسرائيليين وأمريكيين بالتنسيق مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي وفّر الغطاء الميداني لعملية إنشاء القاعدة.

تحالف ما بعد “اتفاقيات أبراهام”

تربط الدراسة بين هذا المشروع وبين التحالفات الإقليمية التي تلت اتفاقيات أبراهام عام 2020.

فبينما كانت العلاقات الإماراتية–الإسرائيلية تُسوَّق كـ“شراكة اقتصادية وتكنولوجية”، تكشف وثائق “هنا عدن” أن التعاون الحقيقي تمحور حول التحكم في البحر الأحمر وباب المندب وخطوط التجارة العالمية.

وتشير الدراسة إلى أن إسرائيل تعتبر عبدالكوري موقعاً محورياً في منظومتها الأمنية البحرية، يتيح لها رصد التحركات من خليج عدن إلى قناة السويس، بينما توفر الإمارات الأرض والتمويل والواجهة “الشرعية” للمشروع.

بهذا المعنى، لم تعد عبدالكوري مجرد جزيرة يمنية نائية، بل قاعدة أمامية إسرائيلية تحت راية إماراتية، تُدار بأنظمة مراقبة متقدمة وشبكات اتصالات عسكرية حديثة.

وتؤكد صور الأقمار الصناعية التي فُحصت خلال الدراسة ظهور منشآت جديدة بين عامي 2021 و2023، منها مدرج طيران بطول يتجاوز 1.5 كيلومتر، وموقع يُعتقد أنه محطة تنصّت بحري موجهة نحو القرن الإفريقي.

جزيرة استراتيجية في قلب الصراع العالمي

تقع جزيرة عبدالكوري في قلب شبكة الممرات البحرية التي تمر عبرها 14% من التجارة العالمية وأكثر من 3 ملايين برميل نفط يومياً.

وقد جعلت هذه الأهمية من الجزيرة هدفاً مغرياً للقوى الإقليمية والدولية منذ عقود، لكنها اليوم تُوظّف في سياق مختلف: مشروع هيمنة بحرية مزدوجة بين الإمارات وإسرائيل.

وفقاً للدراسة يسعى هذا المشروع إلى تأمين خط بحري بديل عن قناة السويس في حال اندلاع نزاعات في الشرق الأوسط، وإلى مراقبة الأنشطة الإيرانية والتركية في البحر العربي.

كما أن موقع الجزيرة –التي تبعد نحو 107 كيلومترات عن القرن الإفريقي و89 كيلومتراً عن مضيق غواردافوي– يمنحها قدرة إشرافية نادرة على تقاطع المصالح الأمريكية والصينية والخليجية في البحر الأحمر والمحيط الهندي. وبهذا تتحول عبدالكوري إلى مركز استخباراتي عابر للحدود أكثر منها منشأة عسكرية تقليدية.

الاحتلال الناعم وتغيير هوية المكان

تحذر الدراسة من أن المشروع الإماراتي–الإسرائيلي لا يقتصر على السيطرة العسكرية فحسب، بل يشمل محاولة لسلخ الجزيرة من هويتها اليمنية.

فالسكان، الذين لا يتجاوز عددهم الألف، يخضعون لضغوط اقتصادية وإدارية متزايدة، إذ يجري تقييد الصيد والتنقل، وتحويل الجزيرة إلى منطقة مغلقة أمام الزوار والباحثين. وتصف الدراسة ذلك بأنه “احتلال ناعم” يستخدم أدوات التنمية والمساعدات لإعادة تشكيل المجتمع المحلي بما يخدم أهداف الهيمنة.

وتشير الدراسة إلى أن هذه الممارسات تذكّر بالأساليب الاستعمارية القديمة، حين كانت القوى الكبرى تبدأ ببناء مراكز لوجستية في الجزر المعزولة قبل فرض سيطرتها الكاملة. الفارق الوحيد اليوم أن الاحتلال يرتدي قناع العمل الإنساني والتنمية، ويمتلك دعماً إقليمياً وغربياً يمنحه شرعية شكلية.

أبعاد إقليمية ومخاطر استراتيجية

تؤكد الدراسة أن ما يحدث في عبدالكوري جزء من مشروع أوسع لإعادة رسم خرائط النفوذ في البحر الأحمر والمحيط الهندي.

فالإمارات، التي تسعى لتثبيت نفسها كقوة بحرية إقليمية، تستخدم إسرائيل والولايات المتحدة كرافعة لتوسيع نطاق سيطرتها، في حين ترى تل أبيب في أبوظبي “الوكيل المثالي” لإدارة قواعدها المتقدمة في مناطق حساسة لا تستطيع دخولها مباشرة.

وتحذر من أن هذا التمدد يمثل تهديداً مباشراً للسيادة اليمنية والأمن الإقليمي، إذ يمكن أن يؤدي إلى عسكرة الممرات البحرية وخلق بؤر صراع دائمة. كما أن صمت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وتواطؤ بعض القوى المحلية، سمحا بترسيخ هذا النفوذ دون مقاومة تُذكر.

وتخلص دراسة تقرير “هنا عدن” إلى أن جزيرة عبدالكوري أصبحت مرآة مكبّرة للمشروع الإماراتي–الإسرائيلي في المنطقة، وأن ما بدأ بمساعدات غذائية انتهى بمدارج للطائرات المسيّرة وقواعد استخباراتية. إنها نموذج صارخ لكيفية تحول “العمل الإنساني” إلى أداة استعمارية جديدة، وكيف تُستخدم الجزر النائية لتغيير موازين القوة في البحار والممرات الحيوية.

وبينما يواصل التحالف الإماراتي–الإسرائيلي توسيع نفوذه في البحر الأحمر، يواجه اليمنيون خطر فقدان سيادتهم على أراضيهم ومياههم. أما عبدالكوري، فتبقى اليوم رمزاً لجغرافيا تُعاد صياغتها في الظل، وجزيرة صغيرة تختصر صراعاً كبيراً بين الهيمنة والمقاومة، بين الاحتلال الناعم وحق الشعوب في تقرير مصيرها.