موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحليل/ انسحاب بطعم الهزيمة للإمارات من اليمن.. لكن بأهداف خفية

165

يحاول النظام الإماراتي الترويج لموقف يدعم خطوته الأخيرة بسحب وتقليص قواته من اليمن والتغطية على أنه انسحاب بطعم الهزيمة ويشكل تحولاً استراتيجياً في موقف أبو ظبي وسياساتها الخارجية.

 

في الواقع عمدت الإمارات خلال السنوات الأربع الماضية من حربها الإجرامية مع السعودية في اليمن إلى خلط أوراق كثيرة، وتهميش قوى مهمة على الساحة اليمنية، من أجل تعملق ثبت أنه ليس إلا نمراً من ورق.

إذ سريعاً ما انهار هذا التعملق الإماراتي بعد الضربات الحوثية التي طالت المدن السعودية الحدودية، وهو ما زرع الخوف والقلق في نفوس حكام الإمارات من أن تمتد هذه الضربات إلى المدن الإماراتية، ومن ثم تهدّد اقتصادهم الذي يشكو هذه الأيام من الكساد والتراجع.

تحدثت التقارير الموالية لإيران عن زيارات قامت بها أبوظبي لطهران وكذلك لموسكو من أجل ترتيب الانسحاب، مع التعهّد الحوثي بعدم التعرّض للمدن الإماراتية بالقصف.

ولكن الأهم من ذلك كله أن التصدع الذي حصل بين الموقف الإماراتي والسعودي في اليمن -على الرغم من محاولات التغطية والتستر عليه- قد حصل، وشعر السعودي أنه وقع في مستنقع يمني خطير، شبيه بالمستنقع الذي تورّط فيه من قبل محمد علي باشا، فكان طُعمه آلافاً وربما عشرات الآلاف من الضحايا، ليكرر الخطأ ذاته بعد قرن تقريباً جمال عبد الناصر، فكانت العاقبة ذاتها، وربما أسوأ.

واليوم يسير السعودي والإماراتي على الخُطى ذاتها، فتكون العاقبة أسوأ بكثير على ما يبدو، كل ذلك بسبب حالة الفوبيا التي أصابتهم من الإخوان المسلمين أصحاب الوزن الثقيل في اليمن، ومعها فوبيا من كل الثورات العربية، فكان أن حيّدوا كل أصحاب هذه القوى، فاعتمدوا على قوتهم التي ثبت أنها أضعف مما يتخيلون في مواجهة الحوثي وحلفائه من ورائه.

لكن هذا الواقع الجديد في اليمن سيضع السعودية في مأزق حقيقي، لا سيما بعد أن برزت بوصفها دولة محاصِرة حقيقة، بعيدة كل البعد عن محيطها العربي والسني؛ حروب باليمن، ومواجهة مع الربيع العربي، وتركيا، ومن ثم فستقوم بدفع أثمان باهظة من جراء تحمّل كلفة الانسحاب الإماراتي، وما جرّه من مغامرات عليها وعلى المنطقة.

الواقع الإماراتي في ليبيا ليس بأقل سوءاً مما يحصل في اليمن بعد الانتكاسة التي تعرضت لها قوات حليفها الضابط المتمرد على الشرعية خليفة حفتر، وبعد الفضائح التي تكشفت عن تهريبها له أسلحة أمريكية نوعية؛ الأمر الذي أحرجها وأحرج الإدارة الأمريكية أمام شعبها وإعلامها.

والواقع السيئ نفسه ينطبق في مناطق أخرى؛ فالنجاح سلسلة وكذلك الفشل، وحال خسارة حلقة أو كسب حلقة ستنعكس سلباً أو إيجاباً على السلسلة برمتها.

وتتواصل التساؤلات حول حقيقة و تداعيات انسحاب الإمارات من اليمن،  وأثر ذلك على الحرب التي تقودها السعودية ضد الحوثيين والأسباب الحقيقية وراء هذا الانسحاب ، وإن كانت الإمارات حققت الأهداف التي سعت لها من خلال مشاركتها في هذه الحرب.

تُركت اليمن بعد ثورة فبراير (شباط) 2011 التي أطاحت نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ دون تدخل مباشر من أية من الدول العربية، وقد دخل اليمنيون في صراع على الحكم بعد تلك الثورة أدى إلى تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد.

هذه الأوضاع استغلتها جماعة الحوثيين (حركة أنصار الله) الانفصالية التي خاضت عدة حروب ضد النظام السابق، فتمادت الجماعة وخرجت من معقلها الرئيس في صعدة الواقعة في شمال اليمن حتى زحفت نحو العاصمة صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014.

انطلق الحوثيون بعد الوصول إلى العاصمة صنعاء نحو السيطرة على محافظة تلو الأخرى في اليمن، حتى طالبوا الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي انتخب رئيسًا لليمن عام 2012 بتسليمهم مقاليد الحكم، على أن يبقى هو مجرد واجهة سياسية.

كانت الإمارات عضوًا رئيسيًّا في التحالف الذي قادته السعودية في اليمن، لكن سرعان ما انكشفت أهدافها من جراء هذا التدخل، إذ تبين أن أبوظبي تلعب دورًا خطيرًا بمساعدة حلفائها اليمنيين من الميليشيات المحلية والمقاتلين السلفيين والانفصاليين في الجنوب اليمني، فهي تريد تحقيق انفصال عن حكومة هادي؛ التي دخلت اليمن لدعمها كما ادعت.

وقد ساهم التغلغل الإماراتي بشكل رئيسي في الجنوب في إحداث جملة اضطرابات تهدف لخلق حركة انفصالية تطالب باستقلال الجنوب اليمني عن شماله.

وكما يذكر تقرير صحيفة “الغارديان” البريطانية فإن “الإماراتيين هم أعضاء التحالف الوحيدون الذين لديهم استراتيجية واضحة، فهم يستخدمون جيوشًا خاصة قاموا بإنشائها وتدريبها وتمويلها في محاولة لسحق كل من التشدد الجهادي، والأحزاب السياسية الإسلامية مثل الإصلاح، إذ تتحد الإمارات العربية المتحدة مع الحركة الجنوبية الانفصالية، التي تعارض كل من الحوثيين وحكومة هادي”.

يضيف التقرير أن: “الإماراتيين بنوا سلسلة من المعسكرات والقواعد العسكرية، وأنشأوا ما هو في الأساس دولة موازية، مع أجهزتها الأمنية الخاصة غير المسؤولة أمام الحكومة اليمنية”.

بل وصل الأمر إلى حد كشف منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية وجود شبكة من السجون السرية تديرها الإمارات وقواتها بالوكالة، وفيها يتم تعذيب أعضاء الإصلاح والمقاتلين المناهضين للحوثيين من الفصائل المتنافسة، وحتى نشطاء ينتقدون التحالف السعودي الإماراتي.

وبعد ما يقارب أربع سنوات من التدخل الإماراتي في اليمن، شهدت الأيام الأخيرة من شهر يونيو (حزيران) 2019 حديث عن أن الإمارات بدأت تقلص وجودها العسكري في اليمن.

وأعلن مسؤول إماراتي كبير مؤخرًا أن الإمارات: “تقوم بعملية سحب لقواتها من هناك ضمن خطة إعادة انتشار لأسباب استراتيجية وتكتيكية”، وذكر المسؤول أن: “هناك انخفاضًا في عدد القوات لأسباب استراتيجية في الحديدة (غرب) وأسباب تكتيكية في مناطق أخرى”.

ويقول مراقبون إنه هذه اللحظة لم تتضح حدود ولا حجم انسحاب الإمارات المعلن من اليمن، فهناك قرائن على أنها انسحابات محدودة للقوات والمعدات من مواقع معظمها يتركز في المحافظات الشمالية للبلاد.

ويوضح المراقبون أنه: “من السابق لأوانه الحديث عن انسحاب الإمارات بالمعنى الحرفي، فقد تقوم عمليًّا بإعادة التموضع في محاولة جديدة، لتحقيق أهدافها الأكثر سوءًا، والمتمثلة في استكمال تفكيك اليمن، وهدم الدولة اليمنية، ودفع القوى الانفصالية في الجنوب، لخوض جولة دموية جديدة مع الحكومة الشرعية، يصعب التكهن إلى أي مدى ستصل في نتائجها”.

كما تحذر أوساط يمنية من أن انسحاب الإمارات لن يكون بهذه السهولة، وأن ما أعلنته أبو ظبي لا يمكن اعتباره انسحابًا إماراتيًّا حقيقيًّا من اليمن، بل هو انسحاب شكلي فقط إلا في ما يخص مأرب، فقد حدث انسحاب ولكن بعد تفريخ قبائل مساندة للحوثي ودعمها.

والإمارات حققت جزءًا من أهدافها في اليمن، وهي إعاقة عمل الشرعية اليمنية، وتقوية جماعة الحوثي، وتفريخ ميليشيات في الجنوب اليمني، كما قامت بنهب ثروات نفطية وبحرية يمنية سعيًا منها إلى فصل الجنوب عن الشمال.

كما أن الإمارات قامت بثبيت وضعها في المناطق الجنوبية باليمن عبر إيجاد ميليشيات عسكرية موالية لها تضم تقريبًا 90 ألف مقاتل وتسيطر على الجزر الواقعة في المنطقة الجنوبية لليمن، والمطلة على الخليج العربي وعلى الممرات البحرية والجوية اليمنية من خلال الميليشيات الموالية لها.

كذلك تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أوجدت له جمعية وطنية وسلطة تشريعية، ثم قامت بإيجاد شبكة من المصالح الاجتماعية مع الشيوخ والرموز المؤثرة، أي أنها قامت بتأسيس المناطق الجنوبية وإضعاف السلطة الشرعية وإبقائها خارج الجغرافيا.

وعليه فإن إعلان انسحاب الإمارات يمكنها من أن تعيد تموضعها العسكري في اليمن؛ على أن ما دفع أبوظبي لهذا الإعلان هو رغبتها في امتصاص الضغط الدولي الذي يحملها مسؤولية تدهور الأوضاع في اليمن، فهناك صفقات السلاح التي تورطت بها أبوظبي، وهناك الملف الحقوقي الخاص بأوضاع اليمنيين.

والأهم أن الإمارات تريد أن تظهر في حال حدوث انقلاب في المناطق الجنوبية بأنها خرجت، ولا علاقة لها بما يحدث ويتم داخل الأراضي اليمنية، وبالتالي هي من جهة قادرة على التنصل من تحمل المسؤولية باعتبارها انسحبت، ومن جهة أخرى تظهر في حال تعيين فوضى منظمة في اليمن أنها خرجت ثم بسبب خروجها تفاقم عمل الجماعات الإرهابية التي تعمل وفق أجندات خاصة في اليمن، أي أنها كانت صمام أمان؛ مما يدعو لعودتها من أجل المساهمة في مكافحة الإرهاب.