يكرس النظام الإماراتي واقع الحرب بالوكالة في اليمن بما أسسه من ميلشيات مسلحة تعمل خارج نطاق الحكومة اليمنية الشرعية وتغذي مؤامرات أبوظبي لتقسيم البلاد.
وصفت مجلة “American Prospect” الأمريكية الدور الإماراتي في منطقة الشرق الأوسط وعلاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بـ”الثعلب”.
وأكدت المجلة الأمريكية الحاجة إلى مساءلة أنشطة الإمارات المزعزعة للاستقرار التي تقوض حقوق الإنسان والسلام والأمن في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتشير الصحيفة إلى أن الإمارات أطلقت حربا إجرامية على اليمن منذ أكثر من أربعة أعوام انطلاقا من دورها الرئيسي في التحالف العسكري بقيادة السعودية.
ونبهت إلى أن الضربات الجوية للتحالف، والتي تسببت في أضرار جسيمة للمدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية الحيوية بشكل منهجي، اقترنت بحصار بحري أدى إلى إبطاء تدفق المواد الغذائية والسلع الحيوية إلى الدولة التي تعتمد على الاستيراد.
وقد أدى كل هذا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، والتي تعد الآن الأكبر في العالم وفقًا للأمم المتحدة، حيث يواجه الملايين خطر المجاعة و 24 مليونًا يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية – يشكلون 80 في المائة من إجمالي سكان اليمن. وفي الوقت نفسه، لم تستمر الإمارات والسعودية في الوفاء بالتزاماتهما الإنسانية بشأن اليمن.
وقالت المجلة: في هذه الأثناء، تلقى “التقليص” المزعوم من دولة الإمارات لقواتها من الصراع في اليمن الكثير من الضجة، وتم إظهاره كنموذج للسعودية لإنهاء تدخلها العسكري في اليمن. لكن الواقع هو أن الإمارات لم تنسحب من اليمن، كما اعترف وزير الخارجية الإماراتي مؤخراً في الواشنطن بوست.
وبدلاً من ذلك، حافظت على احتلالها العسكري لجنوب البلاد، الأمر الذي ساعد في تمكين الانفصاليين الجنوبيين الذين يشتبكون بشكل مباشر – وغالبًا بشكل عنيف – مع الحكومة اليمنية التي تدعي الإمارات دعمها. كما أشار وزير الخارجية الإماراتي إلى أن بلاده “ستقدم المشورة والمساعدة للقوات اليمنية المحلية” في الجنوب، والتي يبدو أنها استمرار للتمويل والإمداد الحاليين للميليشيات غير الحكومية التي أنشأت مراكز قوة متنافسة في “عدن” عاصمة اليمن المؤقتة.
وأشارت المجلة إلى أن الانفصاليين اليمنيين لديهم شكاوى تاريخية مشروعة ضد الحكومة المركزية يجب معالجتها في مفاوضات السلام، لكن دعم الإمارات لهذه القوات يقوض قدرة الحكومة اليمنية على استعادة السيطرة على مؤسسات الدولة – الذي يعتبر ظاهرياً هو الهدف الأساسي لتدخل التحالف في المقاوم الأول.
وشددت على أن استمرار دولة الإمارات في “احتلال” جنوب اليمن وتمكينها للميليشيات غير الحكومية لن يسهم إلا في زيادة تفتيت الدولة اليمنية، مما يقوض احتمال قيام اليمن الموحد بعد الحرب.
ورأت أنه رغم أنه ليس من حق النقاد غير اليمنيين، أن يقرروا كيف يبدو مستقبل اليمن، إلا أن هناك حقيقة واحدة تظل واضحة: تسليح الميليشيات والاستفادة من فوضى الحرب الأهلية لا يفعل شيئًا في إحلال السلام في اليمن.
ويشدد مراقبون تحدثون للمجلة الأمريكية على أن إنهاء تمويل دولة الإمارات وتسليح الجماعات المسلحة في الجنوب أمرٌ حاسم لحصول عملية السلام في اليمن إلى مسارها الصحيح.
وتقوم أبوظبي بتسليح الميليشيات السلفية اليمنية، من بينها كتائب مسلحة تحت سلطة أبو العباس، قائد ميليشيا عاقبته وزارة الخزانة في عام 2017 لصلاته بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش (وما زال يتلقى الدعم الإماراتي). بالنسبة لأي مراقب محايد، تعمل هذه الإجراءات على تمكين، بدلاً من تقويض، مجموعات مثل القاعدة في جزيرة العرب.
إن جدوى وجود الإمارات كقوة يمكنها أن تعطل وتقوض الجماعات العنيفة التي ترتكب جرائم إرهابية، أصبحت موضع تساؤل أكبر من خلال سجلها في التعذيب. لسنوات، تدير دولة الإمارات والقوات اليمنية التي تدعمها مراكز اعتقال سرية في جنوب اليمن من أجل “المشتبه بهم” في مكافحة الإرهاب.
وتشمل ممارسات الاعتقال والاستجواب التي يقوم بها ضباط إماراتيون أو ضباط من القوات التابعة لها الاحتجاز التعسفي الجماعي والاختفاء القسري والتعذيب، والإساءة الجنسية لمئات الرجال اليمنيين – كثير منهم لا تربطهم صلات بتنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية، وفقا لعائلاتهم.
وبالنظر إلى حقيقة أن التعذيب يغذي، بدلا من أن يقلل، جاذبية الجماعات العنيفة التي ترتكب الإرهاب، هل دولة الإمارات العربية المتحدة هي بالفعل “شريك” موثوق به لمكافحة الإرهاب؟
لسوء الحظ، فإن ممارسات الإمارات في اليمن ليست جديدة أو حتى معزولة، حيث أنها تقوم بتصدير ممارساتها المحلية التي تهدف إلى منع المعارضة والحفاظ على القبضة “البوليسية” على السلطة في الداخل وفي المنطقة.
ومع ذلك، تشير المجلة إلى أنه على الرغم من سلسلة الانتهاكات التي تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة- وتقويض النظام السياسي الأمريكي ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة – فإن معظم صناع السياسة في واشنطن ليسوا على علم بكيفية عمل الإمارات.
وذكرت أنه حتى الآن، فإن آلة الضغط والعلاقات العامة الإماراتية، التي نظمها سفير أبوظبي لدى واشنطن يوسف العتيبة، كانت تحمي الدولة إلى حد كبير من التدقيق.
ومثل بدء انسحابهم المزعوم من اليمن، أصبحت الإمارات وفرق العلاقات العامة لديها مهارة في بناء الروايات التي تزيد من قوتهم وتخفي دورهم في إثارة العنف والموت والدمار في المنطقة.
واختتمت المجلة بالقول: “في حين أن علاقة الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية في حاجة ماسة إلى الإصلاح، فإن الفشل في التشكيك لحكمة التحالف الأمريكي الحالي مع الإمارات سيؤدي إلى نبوءة تحقق ذاتها بالاستعانة بدولة متقلبة في المنطقة. هذا يشبه إحضار ثعلب إلى المنزل أكثر من كونه شريكًا حيويًا لبناء السلام والأمن الإقليميين”.
من جهتها قالت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية إن الإمارات العربية المتحدة فاقمت بقرارها سحب أجزاء من قواتها الموجودة في اليمن من متاعب حليفتها المملكة العربية السعودية، بسبب حرصها أولا وأخيرا على رعاية مصالحها الخاصة.
واعتبر مقال “فورين بوليسي” أن من بين الأسباب التي دفعت أبوظبي للتخلي عن حليفتها الرياض في عز الأزمة باليمن، التباطؤ الاقتصادي الذي تعرفه الإمارات، الذي ربما يكون قد دفعها أخيراً إلى اتخاذ القرار بالانسحاب من مستنقع اليمن.
وأضاف المقال أن الإمارات تدرك جيداً أن المليشيات المتحالفة معها ستواصل السيطرة على الجزء الجنوبي من اليمن، وبأن السعودية، وبالرغم من مدى انزعاجها، لن تقدم على منع الإمارات من استخدام موانئ المنطقة، التي تعد محور استراتيجيتها الهادفة إلى التحكم بالقواعد البحرية من المحيط الهندي وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط.
وجاء في المقال أنه مهما بلغت درجة غضب صناع القرار السعوديين من الخطوة الإماراتية، إلا أنه من غير الوارد أن يقدموا على فرض حظر عليها من استخدام منشآت البنية التحتية اليمنية، بالنظر لحاجتهم لدعم أبوظبي في ما يخص التعامل مع إيران، وكذا الحصار المفتعل ضد دولة قطر.
كذلك اعتبر مقال “فورين بوليسي” أنه حتى في حال أدى الصراع إلى تقسيم اليمن، فإن المصالح الإماراتية ستتحقق في المجمل.
ورأى أنه في حال نجحت جماعة أنصار الله (الحوثيين) في السيطرة على أجزاء من شمال اليمن، ما قد يوفر موطئ قدم لإيران، فإن التهديدات على الإمارات البعيدة جغرافيا، ستظل محدودة.
وفي الآن ذاته، يضيف المقال، فإن تمكن جنوب اليمن من تنفيذ خطته بالاستقلال سيكون خاضعا للسياسيين والمليشيات المسلحة الموالين لأبوظبي، الذين سيعتمدون على الدعم الإماراتي، ولن يقدموا أبداً على منعها من الولوج للمنشآت والأراضي هناك.
من جانب آخر، أوضح مقال “فورين بوليسي” أن الإمارات ما زالت متخوفة كثيرا من التهديد الإيراني بمياه الخليج، وتتعرض لضغوط شديدة لحماية جبهتها الداخلية.
وأضاف أن أبوظبي كانت ترى في السابق أن بوسعها الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية لمساعدتها على احتواء التهديد الإيراني، لكن مع تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن توجيه ضربة عسكرية لإيران بعد إسقاطها طائرة تجسس مسيرة أميركية، تفضل الإمارات عدم نشر قواتها بعيداً عن حدودها.
أما السبب الآخر وراء سياسة أبوظبي الجديدة باليمن، حسب “فورين بوليسي”، فيتمثل في رغبة المسؤولين الإماراتيين في تقليص حدة الانتقادات الموجهة لهم وللسعودية بسبب الانتهاكات الجسيمة التي سببتها الحرب باليمن، لا سيما داخل أروقة الكونغرس الأميركي.
وذكر المقال في هذا الصدد أن الكونغرس بغرفتيه مرر مشاريع قوانين تحظر تزويد البلدين بالأسلحة الأميركية، وهو القرار الذي التف عليه ترامب من خلال استخدام حق النقض “الفيتو”.
وفي المجمل رأى المقال أن هذه الأسباب تبدو معقولة لانسحاب أبوظبي من اليمن، لكن القرار يجعل السعودية في وضع محرج للغاية، فلا هي قادرة على مواصلة حرب بلا نهاية في اليمن بدون الاعتماد على حلفائها كالإمارات، ولا هي تستطيع جمع جنودها والانسحاب، لأن ذلك بمثابة هزيمة استراتيجية لها ستعزز قوة الحوثيين الموالين لإيران على حدودها الجنوبية.
ورغم انسحابها الجزئي لم تظهر الإمارات أي تراجع على صعيد استراتيجيتها بتقسيم اليمن، وعلى العكس من ذلك، فقد دعمت أخيراً، إنشاء قوات جديدة تابعة لذراعها السياسية الانفصالية في الجنوب اليمني، على نحوٍ يظهر التناقض بين التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الإماراتيون عن خطة لدعم السلام وبين الواقع الذين لا يدخرون فيه جهداً بفرض مخطط التقسيم.
وفيما حاولت أبوظبي ومن خلال تصريحات مسؤوليها في الأسابيع الأخيرة، إيصال رسائل بأنها بدأت توجهاً جديداً يدعم السلام وعودة الاستقرار، إلا أنها تواصل دعمها المكثف للانفصاليين عبر ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، والتشكيلات العسكرية والأمنية المدعومة منه.
وبالإضافة إلى مجمل التشكيلات العسكرية الخارجة عن سلطة الحكومة اليمنية، والتابعة مباشرة لأبوظبي ولـ”المجلس الانتقالي” الانفصالي، شهدت عدن أخيراً، الإعلان عن قوة جديدة تحت مسمى “اللواء الأول صاعقة”، بالترافق مع الانسحابات الإماراتية المحدودة. الأمر الذي بدا مؤشراً إضافياً على أن خطة “السلام أولاً”، التي أعلنت عنها أبوظبي، ليست أكثر من تراجع محدود لوجودها المباشر، يتيح لها مواصلة الاستراتيجية التي تعمل على تنفيذها بدعم تقسيم اليمن، بعد أن تكون قد اتخذت بعض الاحتياطات التي تحاول من خلالها على ما يبدو، تقليل تبعات هذه السياسة في ظل السخط اليمني المتزايد ضد الدور الإماراتي.
الجدير بالذكر أن الإمارات، ومنذ الأشهر الأولى لتصدرها واجهة التحالف في عدن، عملت على إنشاء “قوات الحزام الأمني” من خليط من الانفصاليين والسلفيين. كما أسست على المنوال ذاته، قوات ما يعرف بـ”النخبة الحضرمية” و”النخبة الشبوانية” شرقاً، وجميعها تكوينات قامت على أسس مناطقية وجهوية لا تعترف بالوحدة اليمنية، بل إنها تمثل تهديداً حتى على مستوى وجود “جنوب” و”شمال”، إذ إن الواقع يقود إلى شرذمة اليمن إلى ما هو أكثر من ذلك.
وإلى جانب الأذرع العسكرية التي لا يعتبر رفع راية اليمن أحد المحظورات في معسكراتها، أسست أبوظبي الذراع السياسية للانفصال في اليمن، في مايو/أيار2017، وهي “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي قدم نفسه في البداية على أنه السلطة البديلة لـ”دولة الجنوب”، ثم تراجع تحت ضغط الفضيحة التي وقعت فيها الإمارات بدعم انقلاب ضد الشرعية في مقابل اعتبار أن الهدف المعلن للتحالف هو دعم الشرعية ضد انقلاب الحوثيين.