علمت إمارات ليكس من مصادر موثوقة أن النظام الإماراتي يمارس ضغوطا متواصلة بغرض تعزيز دور المجلس الجنوبي الانفصالي في إطار الحوار الجاري في السعودية مع الحكومة اليمنية والمجلس الموالي لأبوظبي.
وانطلقت حوارات في مدينة جدة السعودية منذ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، بين وفد من المجلس الانفصالي يترأسه رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، وبين ممثلين عن الحكومة الشرعية في اليمن.
إلا أن الطرفين لم يعقدا أي لقاءات مباشرة معلنة، واستمر التواصل عوضاً عن ذلك عبر المسؤولين السعوديين الذين يعقدون لقاءات مع الجانبين.
وسرّبت مصادر سياسية يمنية مضامين جديدة من مسودة المقترح السعودي لحل الأزمة في اليمن، الذي يشمل تشكيل حكومة جديدة، يُشارك فيها “الانتقالي” ومكونات جنوبية أخرى للمرة الأولى.
وتنصّ المسودة على تشكيل الحكومة مناصفة من الجنوب والشمال، وأن يُعيّن الرئيس عبدربه منصور هادي من يشغل منصب رئيس الحكومة، بالإضافة إلى أعضاء الوزارات السيادية.
وتشدّد المسودة، على دمج مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، وهو ما يعني عملياً ضم القوات التي كانت خاضعة للإمارات وخارجة عن سيطرة الحكومة، إلى الأجهزة الحكومية في اليمن رسمياً.
وتتعمد دولة الإمارات نشر الفوضى والتخريب في اليمن الذي يعاني من ويلات حرب أبوظبي في إطار التحالف بقيادة السعودية والمستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام.
وتدعم أبوظبي ميليشيات خارجة عن القانون أبرزها المجلس الانفصالي الجنوبي الذي باعتباره سلطة فرضتها شرعة الغلبة وإرادة المتغلّبين الإقليميين في اليمن، يواجه اختبارا حقيقيا في إدارة مدينة عدن.
إذ إن حسم المجلس الانفصالي صراع السلطة نقله من قوة موازية للسلطة الشرعية في الشارع الجنوبي إلى سلطة أمر واقع تدير مدينة عدن، فيما يفرض استمرار انسداد أفق المفاوضات السياسية بين فرقاء الصراع في جنوب اليمن هذا الواقع.
بيد أن تثبيت المجلس الانتقالي سلطته لا يكون بالاحتكام للقوة العسكرية، وإنما من قدرته على إيجاد آليات جديدة للتغلب على التحدّيات التي قد تحدّد خياراته السياسية، وتحكم تجربته في المستقبل، بدءاً ببُنيته السياسية إلى علاقته بالقوى الفاعلة في الساحة الجنوبية، بمن في ذلك حلفاؤه الإقليميون، وكذلك قدرته على تطبيع الحياة في مدينة عدن، إذ تظلّ إدارة المجلس هذه التحديات المُركبة المحكّ الرئيس لاستدامة سلطته في مدينة عدن.
تتأتّى فاعلية القوى السياسية من انسجام مكوناتها، وكذلك توافق شعاراتها السياسية مع ممارساتها، بالإضافة إلى احتكامها إلى برنامج سياسي واضح، يمكّنها من تحقيق أهدافها في المستقبل.
وفي هذا السياق، فإن الهيئة السياسية للمجلس الانتقالي، بصيغته الحالية، تضم تمثيل زعاماتٍ سياسيةٍ على أساس جغرافي، لا تكويناتٍ سياسية في الأرض، ما يعكس مشكلات هذه التمثيلات داخل بُنية المجلس، كما يفتقر المجلس لبرنامج سياسي محدّد، في مقابل تصلّبه عند مرحلة الشعاراتية، إضافة إلى علاقته المُختلة بمحيطه السياسي وحلفائه الإقليميين، ما يعوق نضوجه السياسي وتحوله إلى سلطةٍ حقيقية.
كما أن التناقض الأيديولوجي لزعامات المجلس الانتقالي، من أقصى اليمين الإسلامي المتشدّد إلى خلفية رجراجة من القومية واليسارية، انعكس على توجهات المجلس، إذ لا رابط بين هذه الزعامات سوى مطالبتها باستقلال جنوب اليمن عن شماله.
وفي حين أن هذا التكوين العشوائي قد يصمد عند الحشد الجماهيري في مرحلة التأسيس، فإنه يسقط في اختبار السلطة، وهو ما تمظهر في تباين تصريحات زعامات المجلس حيال شكل الدولة المستقبلية في جنوب اليمن، فضلا عن أن سيطرة السلفيين الجنوبين على الصوت السياسي للمجلس الانتقالي تمثل قلقاً حقيقياً لأنصاره في الشارع الجنوبي، وكذلك المجتمع الدولي.
غياب المشروع السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي يعد الوجه الآخر لضبابية رؤاه السياسية، وهو ما انعكس في تباين الطروحات السياسية لزعامات هذا المجلس وتوجهاته حيال علاقته بالسلطة الشرعية، فمنذ تأسيسه في مايو/ أيار 2017 وحتى سيطرته على مدينة عدن في أغسطس/ آب الماضي، تباينت خطابات زعامات المجلس بين الاستقلال عن الشمال إلى الاعتراف بسلطة خصمه الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، ما يكشف عن تذبذبه السياسي.
وهذا ما تؤكده تسريبات إعلامية عن مفاوضات الرياض، ومطالبة المجلس الانتقالي بحقائب وزارية في الحكومة الشرعية وإدارة مدينة عدن للاعتراف بالسلطة الشرعية، وحتى إن كان هذا الاعتراف والمطالب الآنية للانتقالي تكتيكاً مرحلياً يهدف إلى حصوله على غطاء دولي لشرعنة سلطته، مقدمة لتحقيق الاستقلال الكامل عن شمال اليمن، فإن ذلك يعد ارتباكاً في مواقفه وخديعة لجمهوره المتحمّس في جنوب اليمن.