لدى دولة الإمارات تاريخا طويلا في دعم تقسيم اليمن وتحريض ميليشيات انفصالية وتمويلها بالمال والسلاح خدمة لمؤامراتها في نشر الفوضى والتخريب وكسب النفوذ والمصالح الاقتصادية.
وأبرزت صحيفة “القدس العربي” الصادرة من لندن تولى الإمارات دعم ورعاية المشروع الانفصالي في جنوب اليمن، والذي يمثله ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو الكيان الذي تم تأسيسه في أيار/مايو 2017 بدعم وإشراف مباشر من قبل أبو وبي والتي كانت حينها تتولى الإدارة السياسية والعسكرية لمدينة عدن ومعظم مناطق المحافظات الجنوبية والساحل الغربي من اليمن.
وقد شمل الدعم الإماراتي: إنشاء وتسليح قوات عسكرية وأمنية في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي، وتوفير الدعم السياسي للمجلس في داخل اليمن، وتسويقه ومشروع الانفصال في الخارج.
وقبل أيام أعلن المجلس الانتقالي الإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية، من قبل قادته الذي يقيم معظمهم في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، وهو الإعلان الذي يُعتقد بأنه تم بإيعاز إماراتي، أو عدم ممانعة من قبلها. وعلى الرغم من أن هذا الإعلان لم يصل إلى حد إعلان الانفصال، إلا أنه يعد خطوة في هذا الطريق، ومؤشرا قويا على رغبة الإمارات في تنفيذ عملية انفصال جنوب اليمن في المستقبل.
وعلى الرغم من رعاية دولة الإمارات للمشروع الانفصالي؛ إلا أنها لم تعلن بشكل رسمي دعمها لتقسيم اليمن وإنهاء الجمهورية اليمنية التي تأسست في أيار/مايو 1990.
والسؤال الذي يصعب الإجابة عليه يتمثل في الأسباب التي تقف خلف الرغبة الإماراتية في دعم الانفصال؟ ومكمن الصعوبة هنا يرجع إلى غياب المصلحة الحقيقية والواضحة التي يمكن للإمارات أن تجنيها من عملية الانفصال.
ناهيك عن المخاطر والأضرار التي ستلحق بها نتيجة الاستمرار في دعم مشروع الانفصال، والتي تشمل أعباء مالية وسياسية ومعنوية، وربما أمنية. وهي أعباء ستتزايد في المستقبل بالنظر إلى صعوبة عملية الانفصال في الوقت الحالي وفي المستقبل المنظور على الأقل.
كما أن مشروع الانفصال سيخلق تعارضا في المصالح بين الإمارات والسعودية، والتي ليس من مصلحتها، في الوقت الحالي على الأقل، انفصال الجنوب، لأنه يمنعها من هزيمة أو إضعاف الحوثيين، وهو الهدف الرئيسي الذي دخلت الحرب من أجله. وتدهور العلاقة بين الدولتين سيضعف الإمارات ويعزلها بعد أن تخسر أهم حليف لها في المنطقة.
يشير خصوم الإمارات إلى عدد من الأسباب التي يعتقدون بأنها تقف خلف رغبتها في تقسيم اليمن، ومن ذلك: الاستفادة من موارد الجنوب وموقعه الجغرافي.
وفي هذا الصدد؛ يشير هؤلاء تحديدا إلى رغبة الإمارات في الاستحواذ على الموارد النفطية والغازية الجنوبية، ومنع ميناء عدن من العمل كي لا ينافس ميناء دبي.
غير أن الواقع يؤكد على ضعف هذه الأسباب، فموارد الجنوب النفطية لا تساوي شيئا يذكر قياسا بموارد الإمارات، فإنتاج النفط في المحافظات الجنوبية قبل الحرب لم يكن يتجاوز 100 ألف برميل في اليوم، وحجم الاحتياطي النفطي القابل للاستخراج في المحافظات الجنوبية يقل عن مليار برميل، وهذه الكمية هي أقل من 1في المئة من احتياطي الإمارات من النفط.
كما أن الغاز الطبيعي غير متوفر في المحافظات الجنوبية إلا بكميات قليلة جدا، والاحتياطي الغازي لليمن يوجد في محافظة مأرب التي تقع في المحافظات الشمالية.
وأما موضوع تعطيل ميناء عدن خشية منافسة ميناء دبي؛ فيبدو سببا غير مُقنع لدعم الإمارات للانفصال، لأكثر من سبب أهمها: ضعف القدرة التنافسية للميناء في الوقت الحالي وفي المستقبل المنظور لأسباب موضوعية، مثل غياب الأمن وضعف البنية التحتية.
إلى جانب ذلك؛ إمارة أبو ظبي التي تتولى فعليا إدارة السياسة الخارجية للإمارات، ومن ضمنها دعم المشروع الانفصالي، غير معنية بشكل رئيسي بقضية الموانئ، فهذه القضية هي من ضمن اهتمامات إمارة دبي.
وإمارة دبي لا تبدو بأنها متحمسة للتدخلات الخارجية لدولة الإمارات في اليمن، كون هذه السياسة الحقت أضرارا كبيرة باقتصاد إمارة دبي في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن يزداد تضررا في حال استمرت حالة عدم الاستقرار والفوضى في اليمن.
ووفقا لذلك؛ ليست هناك من مصلحة اقتصادية للإمارات في دعم المشروع الانفصالي والعكس هو الصحيح تماما، فالتدخل الإماراتي في اليمن هو عبء اقتصادي، أكان ذلك ضمن التركيبة الحالية لليمن أو ضمن الصيغة الانفصالية.
واستثمار الموقع الاستراتيجي للجنوب، وإن كان يبدو ظاهريا سببا مقنعا لدعم الانفصال، إلا أنه غير ممكن عمليا؛ لصعوبة تنفيذ الانفصال الفعلي أو القانوني.
فالانفصال الفعلي يتطلب من الإمارات بذل موارد عسكرية واقتصادية ضخمة، لوكيلها المجلس الانتقالي، كي يسيطر على جميع محافظات الجنوب أو المناطق الاستراتيجية منه، كما عملت تركيا في شمال قبرص أو روسيا في ابخازيا واوسيتيا الجنوبية.
وهذه الموارد غير متوفرة لدى الإمارات بالقياس إلى كبر حجم اليمن وكثرة عدد سكانه، وللنفوذ السعودي الكثيف في اليمن، الذي لن تقبل بأن تؤسس الإمارات دولة تابعة لها ضمن مجالها الحيوي.
بمعنى أخر لو أرادت الإمارات تحقيق الانفصال الفعلي في جنوب اليمن؛ فيتوجب عليها بشكل مباشر أو عبر وكلائها المحليين هزيمة القوى اليمنية المعارضة لتقسيم اليمن، أو سيطرة المجلس الانتقالي على محافظات الجنوب، وكذلك إزاحة السعودية من هذه المناطق، وهذه أمور يستحيل على الإمارات تحقيقها، فسكان اليمن يزيدون بأكثر من 30 ضعفا عن مواطني دولة الإمارات.
كما أن السعودية بكل المقاييس تبقى أقوى بكثير من الإمارات في المنطقة وفي اليمن تحديدا، ومن ثم فإن الانفصال الفعلي لجنوب اليمن تحت رعاية الإمارات هو مشروع خيالي لا يمت للواقع بصلة.
بالإضافة إلى موضوع الأطماع الاقتصادية واستثمار الموقع الجغرافي، يشير خصوم الإمارات إلى أن دعمها لانفصال جنوب اليمن يأتي في سياق حربها ضد جماعة الإخوان المسلمين، والتحليل السياسي البسيط لا يدعم هذه الفكرة؛ فليست هناك من علاقة مباشرة بين دعم الانفصال ومحاربة الإخوان المسلمين؛ حيث يمكن للإمارات محاربة نفوذهم ضمن يمن واحد.
وقد يصدق هذا الطرح في حال كانت الإمارات تخطط لأن ينتصر الحوثيون في الشمال، ومن ثم يصبح من نصيبهم في مقابل انفصال الجنوب، على افتراض أن هذا الأمر سيضعف حركة الإخوان المسلمين كون مركز ثقلها السياسي والعسكري يقع في المناطق الشمالية.
ومع ذلك؛ هذه الخطة تتعارض بشكل واضح مع المصالح السعودية التي لن تقبل بأن يحكم الحوثي شمال اليمن، الذي هو مصدر الخطر الرئيسي للسعودية، ومن ثم؛ فإن السعودية ستفشل هكذا خطة.
ويمكن الإشارة إلى تأثر النخبة الحاكمة لإمارة أبو ظبي بوجهة نظر اليمنيين الجنوبيين، والذي يحمل الكثير منهم الجنسية الإماراتية. فهؤلاء قريبون من صانع القرار السياسي في الإمارة، ولديهم حضور قوي في إمارة أبو ظبي منذ فترة طويلة وتعزز حضورهم باستقبال أبو ظبي لمعظم قادة الجنوب بعد حرب 94.
ووفقا لهذا التحليل؛ تمكنت هذه الفئة من رسم سياسة أبو ظبي تجاه اليمن وفقا لتصوراتها، والتي تقوم على فكرة أن الوحدة اليمنية كانت ضد مصلحة الجنوبيين، وأن استمرارها يعني هيمنة الأكثرية الشمالية واستبعاد الجنوبيين من السلطة والثروة، وجعلهم تابعين للنخب الحاكمة الشمالية.
وفي حال كان الأمر على ذلك النحو؛ فإن دعم الجنوبيين على الانفصال، من وجهة نظر حكام الإمارات، يحمل الكثير من المعاني الأخلاقية السامية، كونه يسعى لرفع الظلم عن الجنوبيين.
وما يعزز هذا التحليل، مساندة الإمارات القوي للمحاولة الانفصالية في عام 1994، فخلال تلك الفترة كانت الحكومة الإماراتية أكثر الأطراف حماسا في دعم الانفصاليين، وتجاوزت من حيث الشكل الموقف السعودي حينها، وبعد الحرب احتضنت الإمارات قادة الانفصال، وقامت بشكل سري بدعم الحركات الاحتجاجية المطالبة بالانفصال فيما سمي بالحراك الجنوبي، أثناء حكم الرئيس علي عبد الله صالح وتوسع هذا الدعم بعد سقوطه.
ويمكن إصافة هذه السياسة ضمن خانة ما يسمى بالسياسات اللاعقلانية، وهي السياسات التي يتخذها بعض الحكام بالضد من المصالح الحقيقية للدول التي يحكمونها. وفي الغالب تبرز هذه الأنواع من السياسات، في الدول التي تتخذ القرارات الاستراتيجية بعيدا عن المؤسسات، وتتم من قبل حاكم فرد أو مجموعة حاكمة صغيرة، لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة أو المسائلة.
ففي هذه الدول تتخذ القرارات الاستراتيجية وفقا لتقييمات ذاتية ناتجة عن خلطة من الجهل والأوهام والمخاوف، كقرار غزو الكويت من قبل صدام حسين، والذي يعد أحد النماذج الصارخة للسياسات اللاعقلانية.
وما يعزز هذا الاستنتاج سلوك الإمارات غير الواضح في مناطق غير اليمن ومن ذلك دعمها للجنرال خليفة حفتر في ليبيا. ففي هذا البلد ليس هناك من مصالح حقيقية للإمارات تدافع عنها، أو مخاطر أمنية يمكن حدوثها، يستدعي تدخل بهذا الشكل الكثيف والمكلف في بلد يبعد عنها آلاف الكيلومترات.