يجمع مراقبون على أن التقارب الحاصل بين دولة الإمارات من إيران يكرس انهيار تحالفها مع السعودية في ظل تحولات سريعة تتخذها أبو ظبي.
ويرى مراقبون أن النظام الإماراتي يتخذ في هذه المرحلة تحولات يمكن وصفها باللعبة الاستراتيجية وفق تكتيكات مناسبة.
لكل موقف يخدم إستراتيجيتها بعيدة المدى ومصالحها الذاتية دون النظر لحلفائها الخارجيين خاصة في السعودية.
من التحولات التي لن تكون الأخيرة ما جرى للموقف الإماراتي من القوة الإقليمية الأولى النشطة بالخليج (إيران).
فمنذ تفجر أزمة النووي بين إيران وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووصولها إلى مستوى قال كثيرون إنها الحرب لا غيرها.
حيث كانت أبو ظبي بمعية الرياض -وبشكل ضمني مع توجهات ترامب القاضية بتوجيه ضربة عسكرية نوعية تبعثر أوراق إيران.
حتى إن شكوكا كثيرة ما زالت تحوم حول التخريب الذي طال أربع ناقلات في ميناء الفجيرة الشهر الفائت.
وأنها أشبه بفخ يراد لطهران أن تقع فيه، فيسهل اصطيادها عسكريا.
بل إن أصواتا وأقلاما إماراتية لها ارتباط بجهات رسمية، أشارت بأصابع الاتهام إلى إيران فورا قبل أن تبدأ التحقيقات.
حتى أدركت أبو ظبي خطورة ذلك التسرع فبدأت بلملمة الأمر قبل أن يتعقد.
مما جعل طهران تندد مرات عدة بالتخبط الإماراتي في تعاملها مع الدولة الإيرانية.
وكان أبرز أشكال التنديد دعوة نحو أكثر من خمسين نائبا في البرلمان الرئيس حسن روحاني لإعادة النظر في العلاقات مع الإمارات.
ودخلت أبو ظبي بشكل واضح مع الرياض على خط معاداة طهران، ودعمهما لتوجهات ترامب المتقلبة أيضا نحو إيران.
منذ أن بدأت الأزمة بين واشنطن وطهران. لكن شعرت كل من أبو ظبي والرياض مؤخرا أن التعويل على ترامب في ضبط السلوك الإيراني كما تريده العاصمتان لن يجدي نفعا.
وكعادتها (أبو ظبي) في سرعة التحرك والخروج من مواقف الأزمات، انسحبت بشكل مفاجئ من مشهد التعاضد مع ترامب ومواجهة إيران، كما فعلتها المرة الأولى حين اشتد الضغط الدولي على كارثة حرب اليمن.
وكثرت أصابع الاتهام الموجهة للعاصمتين في الكارثة الإنسانية الحاصلة بهذا البلد.
والتي على إثرها أسرعت أبو ظبي في خطوة أسمتها إعادة تموضع لقواتها.
وهي في الحقيقة -التي ستكشفها الأيام بشكل أوضح- لم تكن سوى انسحاب تكتيكي تدريجي من المستنقع اليمني، حتى إذا ما وقع أي أمر أو فعل دولي تجاه الأزمة ستكون هي على مسافة أمان مناسبة، أو هكذا تعتقد أبو ظبي.
إذن وقبل أن يبرد النقاش حول الانسحاب الإماراتي من اليمن تحت أي مسمى كان، قامت المنطقة فجأة على خبر تواصل إماراتي إيراني فيما يتعلق بشأن أمن السواحل.
حيث تم تفعيل الاجتماعات الدورية بين أمن السواحل الإماراتي والإيراني التي توقفت منذ 2013، في إشارة إلى رغبة إماراتية واضحة في التعاون مع الجانب الإيراني في مسألة أمن مياه الخليج.
الذي تعسكر وامتلأ بالبوارج والسفن الحربية الأميركية والبريطانية، في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء وظروف حرب الناقلات أيام الصراع الدموي بين العراق وإيران في ثمانينيات القرن الفائت.
الأسئلة تتكاثر
– ماذا عن الرياض والتحالف مع أبو ظبي؟
– كيف اتخذت أبو ظبي قرارا مثل هذا وتركت حليفتها تلك في مواجهة مجهولة مع الحوثي، وهي بأمس الحاجة إلى التعاون؟
– هل هي ضربة ثانية من أبو ظبي لحليفتها في أقل من أسبوعين؟
– كيف تفسر الرياض هذا التحرك الإماراتي المفاجئ -للشعوب على أقل تقدير- لأنه من غير الواضح إلى الآن إن كان الإجراء الإماراتي فرديا أم بتفاهم مع السعودية، تمهيدا لتهيئة الأجواء لتعاون سعودي إيراني قادم قريب كنظرية ثانية تحتمل الصواب؟
– هل هناك تحركات أخرى مفاجئة لأبو ظبي تصحو الرياض عليها، وخاصة أن الأسلوب الإماراتي السياسي وطريقة تعاملها مع الملفات المختلفة بات شبه واضح للمراقبين؟
والأسئلة لا تقف عند هذا الحد، خاصة مع التبدل التدريجي الواضح لمواقف القوتين الكبريين المتنازعتين في المنطقة (إيران والولايات المتحدة) وهو ما يدعو أي مراقب لمزيد ترقب وتركيز.
التبدل السريع في المواقف من لدن أبو ظبي ربما يدعو الرياض إلى إعادة النظر في كثير من تفاهمات وتحالفات سابقة مع جارتها.
ومن المتوقع ألا ينتهي صيف الخليج الساخن هذا إلا وقد فترت العلاقة بين العاصمتين في كثير من الملفات، بل ربما تجد الرياض نفسها وحيدة في غالبية تلك الملفات، ولات حين مناص.
من جهتها كشفت الحكومة الإيرانية عن وجود خلافات بين الإمارات والسعودية في اليمن، عقب اجتماعات عقدها مسؤولون إيرانيون مع وفد إماراتي يزور طهران.
وقال محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني إن لدى الإمارات رغبة في التواصل بهدف حفظ أمن الخليج ومضيق هرمز.
لكنه أشار إلى أن أبو ظبي تحاول التمايز عن الرياض وتتخذ موقفا مختلفا بشأن اليمن.
وأضاف أن الإمارات تحاول إعادة النظر بموقفها من اليمن، وتغيير نشر قواتها هناك.
وتحدث واعظي عن اختلاف بسيط في وجهات نظر أبو ظبي مع الرياض حول القضية اليمنية، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام إيرانية.
وكشفت زيارة وفد الإمارات العسكري عن تحول واضح في بوصلة السياسة المعلنة تجاه جارتها على الضفة الأخرى من الخليج، وخصوصا بعض الملفات الساخنة مثل الملف اليمني وأمن مياه الخليج.
ويعتقد مراقبون أن الإمارات تعمل على فصل نفسها عن السياسة الإقليمية للسعودية بالمنطقة.
مستدلين بموقفها الجديد في اليمن الذي وصفه بأنه “إعادة تموضع سياسي وليس ميدانيا فحسب”.
بالإضافة إلى انسحابها من موانئ البحر الأحمر.
وسعت أبو ظبي لفتح قنوات اتصال مع طهران بهدف استمالتها وتوصيل رسالة مبطنة مفادها أنها لا ترغب في تحويل منطقة الخليج إلى منطقة اضطراب وتوتر.
إذ تخشى الإمارات من القصف الإيراني، وترغب في الخروج من الأزمة الإستراتيجية بطريقة مريحة.
فيما العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية التي تربط أبو ظبي وطهران دافع لتوطيد العلاقات بينهما.
ويدفع أبو ظبي إلى فك ارتباطها بالشراكة الإستراتيجية مع السعودية.
كما تحاول الإمارات اللعب على الحبلين بحيث لا تخسر السعودية بسبب موقفها الجديد مع إيران.
كما أن جهات “غير رسمية” إماراتية هي التي تسعى لامتصاص الغضب السعودي بادعاء وجود علاقة ممتازة مع الرياض.
نافذة مالية لإيران
لطالما شكلت الإمارات، عبر دبي، بوابة لتهرّب إيران من تدابير الحظر الأميركية والدولية في السنوات الماضية.
مستفيدة من القرب الجغرافي وشبكة علاقات معقدة تربط مصالح رجال الأعمال على طرفَي الخليج.
وذلك رغم تقلبّات الموقف السياسي الذي كان يتقارب حيناً ويتباعد أحياناً.
وبعد توتر سياسي شديد اتسمت به العلاقة بين طهران وأبوظبي منذ اندلاع الحرب السورية وتفجّر الأعمال الحربية في اليمن.
دخلت المغازلة الإماراتية لإيران مرحلة جديدة، ويبدو أنها في طريقها نحو ترجمة رسائل إيجابية.
تقول السلطات الإيرانية إنها تلقتها في الآونة الأخيرة، ولعل أحدثها زيارة وفد عسكري إماراتي إلى طهران يوم الثلاثاء.
لتعلن طهران استعداد أبوظبي لتعاون مصرفي معها، في وقت تثقل العقوبات كاهل الاقتصاد الإيراني.
الأمين العام لـ”نادي الصرافين الإيرانيين”، شهاب قرباني، قال: “بحسب علمي، أعلن مصرفان إماراتيان استعدادهما للتعاون مالياً مع إيران”.
ونقلت وكالة “إيلنا” العمالية الإيرانية عن قرباني قوله إن “المباحثات بدأت حول هذا التعاون وهي مستمرة.
لكن لم تتخذ طابعاً تنفيذياً بعد”، مشيراً إلى أنه على صعيد التحويلات المالية عبر الصرافات لم يطرأ تغيير و”أن حجم التحويلات لا يقارن بالفترة التي كانت سائدة قبل فرض العقوبات”.
وأقر قرباني بأن “الإمارات كانت منذ سنوات بعيدة، جسرنا المالي في المنطقة.
حيث كان يتم عبرها كثير من الأعمال التجارية والحوالات الإيرانية في القطاعين الحكومي والخاص مع بقية الدول.
وأضاف أنه “في حال عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل فرض العقوبات، فإن التجارة الخارجية لإيران ستشهد تحولاً أساسياً”.
وسيتم الجزء الأكبر من التحويلات بالعملة الصعبة عبر هذه القناة.
ولفت الأمين العام للصرافين إلى أن بلاده كانت لها علاقات مالية “جيدة جداً” مع البنوك والمؤسسات المالية الإماراتية بعد توقيع الاتفاق النووي.
وأن “مصرفي الوطني وصادرات الإيرانيين في دبي، كان لهما دور مهم في التحويلات والحوالات”.
واعتبر أنه “لا بديل حالياً عن الإمارات، وكان هناك من يقول بإمكان استبدالها بسلطنة عُمان، لكن عملة عُمان ليست معروفة عالمياً”.
وعزت مصادر إعلامية إيرانية أحد أهم أسباب تحسن “الريال” الإيراني أخيراً.
وتحقيق استقرار نسبي في سوق العملات الصعبة في إيران، إلى تخفيض الإمارات ضغوطها على التحويلات المالية إلى إيران بشكل كبير.
وذكرت وكالة “فارس” أن “الأسابيع الأخيرة شهدت تراجعاً كبيراً وملحوظاً في الضغط الإماراتي على العمليات المالية للصرافات الإيرانية في نقل الأموال.
وذلك على عكس الضغوط القصوى على إيران خلال العامين الأخيرين”.
ويأتي استعداد الإمارات للتعاون مع إيران في المجال الأكثر أهمية بالنسبة إليها في الوقت الراهن، وهو المجال الاقتصادي.
على خلفية العقوبات الشاملة التي تفرضها عليها الإدارة الأميركية بعد انسحابها من الاتفاق النووي.
واستكمالاً لرسائل إماراتية باتجاه طهران التي تعتبرها “مؤشرات على أن الإمارات بصدد اتخاذ سياسات جديدة في المنطقة”.
بحسب قول وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في مقابلة تلفزيونية هذا الشهر.
ويبدو أن الأمر بات يتعدى ذلك.
فقد كشفت وثائق ومواقع أجنبية أخيراً، أن السلطات الإيرانية تستخدم موانئ الإمارات لتصدير نفطها المحظور أميركياً إلى عدة دول في آسيا والشرق الأوسط.
وازدادت في الآونة الأخيرة التقارير حول تقارب الحكومة الإماراتية مع طهران.
رغم وقوفها إلى جانب السعودية ضد إيران في القضايا الإقليمية، لا سيما في سورية واليمن.
ويأتي التعاون المالي والمصرفي والحدودي المستجد بين الطرفين يشكل قناة تستطيع من خلالها الجمهورية الإسلامية.
النفاذ بنفطها وتبادل الأموال رغم العقوبات الأميركية التي تقيّد المعاملات المالية لحكومة طهران مع المصارف الدولية.
لكن في حين تُهدّد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كل من يخرق عقوباتها على طهران بعقوبات تطاوله هو أيضاً، أكان شركات أم حكومات، كيف يُكمن تفسير الدور الإماراتي المستجدّ في تخفيف الخناق عن الاقتصاد الإيراني؟