يزيد تعثر قروض الإسكان في دولة الإمارات من الازمات المتصاعدة للبنوك العاملة في الدولة حسبما أوردت شبكة “بلومبيرغ” الأميركية.
فقد دفع عُمق الأزمة العقارية في الإمارات وامتداد تداعياتها إلى التأثير سلباً على ميزانيات البنوك، بالمصرف المركزي إلى محاولة وضع حد لما يعتبره إساءة استخدام القروض السكنية، محاولاً الحد من مخاطر التسليفات في وقت لا يزال الركود مستحكماً بقطاع البناء والتشييد.
إذ نبّه مصرف الإمارات المركزي البنوك العاملة في الإمارات إلى ضرورة ما سمّاه “الممارسات غير المقبولة”، بعدما شهد القطاع المصرفي تزايداً لافتاً في حجم القروض المتعثرة، ولا سيما التسليفات المرتبطة بالإسكان.
ووردت تحذيرات “المركزي” في تعميم موجّه إلى البنوك دعاها فيه إلى “وقف ممارسات معيّنة غير مقبولة” تشمل قروض الرهن العقاري، وهي ممارسات اعتبر أنها تمكّن الحاصلين على القروض السكنية من استخدامها لأغراض لا علاقة لها ببناء البيوت أو شرائها أو تجديدها لمصلحة المالكين أو لأهداف استثمارية.
كما أورد “المركزي” في تعميمه أن “أي شكل من أشكال القروض الشخصية الممنوحة من البنوك أو شركات التمويل التي تستخدم العقارات كضمان” يجب ألا تُصنّف على أنها قروض عقارية، مضيفاً أن المصارف يتعيّن عليها عدم تقديم قروض شخصية لمدة تتجاوز 4 سنوات، كما يتوجّب عليها “ألا تقبل اعتبار المنازل الخاصة كضمان” لهذا النوع من التسليفات.
ويأتي هذا التعميم في الوقت الذي يتعرّض القطاع المصرفي الإماراتي للخطر مجدداً نتيجة الركود العميق الذي يهيمن على سوق العقارات منذ عام 2014، الأمر الذي زاد من قيمة القروض المتعثرة، ودفع ببعض البنوك في ثاني أكبر اقتصاد عربي إلى تخفيف شروط الدفع عن طريق تمديد آجال استحقاق القروض وخفض أسعار الفائدة.
وتندرج توجيهات “المركزي” في سياق تدابير مضادة تحاول من خلالها السلطات السيطرة على تراجع المؤشر الاقتصادي العام، لا سيما في دبي حيث توقف نمو الأعمال وتتلاشى فرص العمل بأسرع وتيرة منذ 10 سنوات، ما يتهدّد الموقع المحوري الذي تطمح هذه الإمارة إلى احتلاله.
ويقض انحدار المؤشرات مضاجع المسؤولين في الإمارة التي يخشون أن تكرر تجربة عام 2010 القاسية التي اقتربت خلالها من الإفلاس، قبل أن تستنجد بأبوظبي لإنقاذها بمليارات الدولارات.
تتصاعد المؤشرات عن مواجهة البنوك العاملة في دولة الإمارات خطر الانهيار بفعل تفاقم الأزمة الاقتصادية الشاملة التي تعانيها الدولة منذ سنوات وتلقي بظلالها على مختلف القطاعات.
ففي سياق موجة التقشف التي تضرب المصارف الإماراتية، وصل الدور إلى “مصرف أبوظبي الإسلامي” ADIB، الذي قرّر تقليص الوظائف وإغلاق فرعين من فروعه، في محاولة لخفض التكاليف وتعزيز ميزانيته.
وأوردت شبكة “بلومبيرغ” المتخصصة بالشأن الاقتصادي، أن المصرف يسعى من خلال مجموعة تدابير تقشفية إلى توفير نحو 500 مليون درهم، تعادل نحو 136 مليون دولار، عن طريق خفض عدد الوظائف وإغلاق فروع محلية وخارجية، في الوقت الذي يؤثر تباطؤ النمو الاقتصادي سلباً في قطاع التمويل.
ويخطط المصرف الإماراتي الخاضع لسيطرة الدولة، لإغلاق بعض الفروع المحلية والدولية، وفقاً لأشخاص على دراية بالأمر طلبوا من مراسل “بلومبيرغ” عدم كشف هويتهم، لأن الأمر يتخذ صفة سرية، علماً أن للبنك عمليات في مصر والعراق والسعودية والمملكة المتحدة، فيما رفض متحدث باسم المصرف التعليق.
وبهذه الخطوات الجديدة، ينضم “أبوظبي الإسلامي” إلى منافسين مثل “بنك أبوظبي الأول” و”بنك الإمارات دبي الوطني” Emirates NBD في سياسة خفض الوظائف.
وتتعرض البنوك لضغوط من الظروف الصعبة التي تكابدها الإمارات نتيجة انخراطها في التوترات الجيوسياسية الإقليمية من جهة، وضعف الطلب المحلي من جهة أُخرى.
فقد توقف نمو الأعمال في دبي، بينما اختفت الوظائف بأسرع وتيرة خلال 10 سنوات على الأقل، في أحدث علامة على الضغوط الهائلة التي تصيب الإمارة التي تعتبر نفسها مركزاً تجارياً في منطقة الشرق الأوسط.
وقد أدى الاندماج بين بعض أكبر المصارف الإماراتية إلى فقدان آلاف فرص العمل، فيما كثفت إمارة أبوظبي التي تضم 6% من احتياطي النفط العالمي، جهودها لإنشاء مؤسسات مالية أصغر حجماً وأكثر قدرة على المنافسة.
وكان شطب بنك أبوظبي الأول مئات الوظائف مما يجعله أحدث بنك في الإمارات يستغني عن موظفين في ظل أعباء على صناعة التمويل بسبب تباطؤ النمو.
ونقلت وكالة بلومبرغ الأمريكية المختصة بالشأن الاقتصادي، عن مصادر إماراتية أن أكبر بنك في البلاد فصل مئات الموظفين من عدة أقسام خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ويعمل في بنك أبوظبي الأول، الذي تم إنشاؤه بدمج بنكين عام 2016، حوالي 5400 موظف على مستوى العالم، وفقا لموقعه على الإنترنت.
ورفضت متحدثة باسم بنك أبو ظبي الأول التعليق على ما جاء في التقرير، فيما أدى أيضا دمج عدد من أكبر البنوك في البلاد إلى شطب آلاف الوظائف.
وخلال شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي ذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية، أن مصرف أبوظبي التجاري يخطط للتخارج من عملياته المصرفية في كل من قطر والكويت والتركيز على السوق المحلية.
ويأتي ذلك، في وقت تواجه فيه المصارف الإماراتية صعوبات مالية بسبب أزمة العقارات في دبي، حيث فشل العديد من الشركات العقارية في تسديد أقساط الديون العقارية.
ويقدر البنك المركزي الإماراتي حجم القروض العقارية، التي تحملها محافظ المصارف، بحوالي 20% من إجمالي القروض.
في هذه الأثناء يستعد بنك دبي الإسلامي للاستغناء عن قرابة نصف القوة العاملة في أحد بنوكه المرتبطة من خلال خطة للتسريح بسبب ضغوط مالية.
وسيتم ذلك بتسريح نحو 500 موظف بـ”بنك نور” الذي استحوذ عليه مؤخراً في إطار خطط لخفض التكاليف في البنكين.
ونقلت وكالة “رويترز” العالمية للأنباء عن ثلاثة مصادر أن البدء في تسريح موظفين سيكون عقب استكمال اللقاءات بين المديرين في بنك دبي الإسلامي والعاملين في بنك نور.
ولدى بنك دبي الإسلامي أكثر من تسعة آلاف موظف، في حين يتراوح عدد العاملين الدائمين في بنك نور بين 1200 و1400 موظف.
وتؤكد التقارير المختصة أن الأزمة الاقتصادية بالإمارات تتفاقم وتتصاعد بشكل قياسي، محذرة من وصولها إلى حد الانفجار، ومن بين شواهدها تقليص مؤسسات وبنوك عاملة في البلاد موظفيها.
وكانت وحدة تابعة لبنك “ستاندرد تشارترد” العالمي قلصت أكثر من 100 وظيفة في قطاع أنشطة التجزئة بالإمارات في أغسطس الماضي، في وقت تظهر البيانات الرسمية تعرض القطاع المصرفي والكثير من الأنشطة لضغوط عديدة.
كما تؤكد وكالة “فيتش” الدولية للتصنيف الائتماني أن البنوك الإماراتية لم تتعافَ تماماً من الأزمة العقارية التي ضربت دبي في 2010، مبينة أن “قروض البنوك في المرحلة الثانية والثالثة مرتفعة بالفعل (التي أعيدت هيكلتها)؛ حيث بلغ متوسطها بين 15 و20% من إجمالي القروض، ومن المرجح أن تزداد”.
ونهاية العام الماضي حذرت وكالات تصنيف دولية، من بينها وكالة “ستاندرد آند بوورز” العالمية، من أزمة مالية في حال تواصل ضعف القطاع العقاري في الإمارات خصوصا دبي، وعجز الشركات العقارية وشركات المقاولات عن الإيفاء بخدمة القروض المصرفية.
وعقب ذلك اقترح مصرف الإمارات المركزي تدابير رقابية جديدة لحماية البنوك من الانكشاف المفرط على القطاع العقاري، وتشجيعها على الاحتفاظ بأصول متنوعة.