موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: الإمارات متنفس تجارة روسيا هربا من العقوبات الدولية

1٬349

تحولت دولة الإمارات إلى متنفس تجارة روسيا هربا من العقوبات الدولية المفروضة عليها على خلفية حربها المستمرة منذ شباط/فبراير 2022 على أوكرانيا.

في أحدث الدلائل على ذلك أظهرت سجلات الجمارك الروسية أن الإمارات أصبحت مركزا تجاريا أساسيا للذهب الروسي منذ أن أدت العقوبات الغربية المفروضة بسبب الحرب في أوكرانيا إلى قطع طرق التصدير التقليدية بالنسبة لروسيا.

وبحسب وكالة رويترز للأنباء فإن ما ورد في السجلات، التي تتضمن تفاصيل لنحو ألف شحنة ذهب في العام الذي انقضى منذ بدء الحرب الأوكرانية، يظهر أن الإمارات استوردت 75.7 طن من الذهب الروسي قيمته 4.3 مليار دولار ارتفاعا من 1.3 طن فقط خلال 2021.

وجاءت الصين وتركيا بعدها في أكبر الوجهات إذ استوردت كل منهما نحو 20 طنا بين 24 فبراير شباط 2022 والثالث من مارس آذار 2023. والدول الثلاث استقبلت مجتمعة 99.8 بالمئة من صادرات الذهب الروسي كما يتضح من بيانات الجمارك لتلك الفترة.

وفي الأيام التي تلت بدء الصراع الأوكراني، أحجم العديد من البنوك متعددة الجنسيات والشركات المقدمة للخدمات اللوجيستية وخدمات تكرير وتنقية المعادن النفيسة عن التعامل مع الذهب الروسي الذي كان عادة يشحن إلى لندن باعتبارها مركزا لتجارة وتخزين الذهب.

وحظرت رابطة سوق سبائك الذهب في لندن الذهب الروسي المصنع اعتبارا من السابع من مارس آذار 2022، وبنهاية أغسطس آب حظرت بريطانيا والاتحاد الأوروبي وسويسرا والولايات المتحدة وكندا واليابان واردات الذهب الروسي.

لكن سجلات التصدير تظهر أن منتجي الذهب الروسي عثروا بسرعة على أسواق جديدة في دول لم تفرض عقوبات على موسكو مثل الإمارات وتركيا والصين.

وسبق أن ذكرت وكالة “بلومبرغ” أن صادرات روسيا من الذهب تحولت إلى أسواق جديدة مثل الإمارات وتركيا، بعد أن أغلق الغرب أسواقه أمامها وذلك في إطار عقوباته المفروضة على موسكو.

من جهتها أكدت صحيفة الفاينانشال تايمز دور الإمارات في خرق العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا. وقالت إن “الغرب يضغط على أبوظبي لتضييق الخناق على ما يشتبه في أنه يخرق عقوبات روسيا”.

ويتوقع خبراء غربيون أن تتكثف الضغوط الغربية على الإمارات وتصعيد العقوبات عليها بسبب علاقاتها مع روسيا ومساعدتها على تجاوز المواقف الدولية ضدها.

وبحسب الخبراء فإن الضغوط الغربية ستتكثف على أبوظبي خلال الأشهر المقبلة للحد من تعاونها مع روسيا، وباتت الشركات الإماراتية لا تستبعد حدوث هذه الضغوط.

ولكن السؤال الذي يطرحه هؤلاء هو متى ستحدث وإلى أي مدى ستصل الضغوط أو العقوبات الغربية التي ستفرض على الدولة الخليجية؟

وينتاب القلق بعض الدول الغربية من الدور الكبير الذي تلعبه الإمارات في إضعاف العقوبات الغربية على موسكو، عبر تجارة إعادة تصدير البضائع الغربية المحظورة إلى روسيا، ولعب دور الوساطة في تصدير النفط ومشتقاته إلى دول العالم الأخرى.

وتسهم الإمارات عبر ما تعرضه من إغراءات للتجار الروس في تعويض روسيا عن الأسواق الغربية التي خسرتها في الطاقة، وكذلك فك الحصار عن بعض قطع الغيار والسلع التقنية التي حُظر بيعها للشركات الروسية.

ويرى تحليل في معهد ” كارنيغي” الأميركي للدراسات أن الإمارات تسعى للاستفادة القصوى من العقوبات الغربية على روسيا، لكنها في النهاية قد تواجه ضغوطاً كبيرة وربما عقوبات من قبل واشنطن، التي باتت تراقب المؤسسات المالية الإماراتية منذ العام الماضي وتضعها مؤسسات مكافحة غسيل الأموال في القائمة الرمادية.

وأوردت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية مؤخرا أن الولايات المتحدة وبريطانيا ودول المجموعة الأوروبية سعت إلى إقناع المسؤولين في الإمارات بخفض تعاملاتهم التجارية مع روسيا، ولكنها لم تفلح في ذلك.

ومن غير المعروف ما هي الخطوات المقبلة التي ستستخدمها هذه الدول ضد الإمارات، التي لم تنضم بعد إلى العقوبات الغربية على روسيا.

وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من عقوبات غربية حتى الآن إلى انتعاش تجاري غير مسبوق في الإمارات وفق أرقام غير رسمية.

وتشهد الإمارات ارتفاعاً في عدد أثرياء روسيا وشركاتهم العاملة في الإمارات، ما أدى إلى ارتفاع قياسي في حجم التجارة الثنائية.

واستقر عشرات الآلاف من الروس في الإمارات، وخاصة في إمارة دبي، وذلك عقب إقدام قوات الكرملين على غزو أوكرانيا منذ أكثر من عام.

وحسب تقرير معهد كارنيغي الأميركي، فإن هنالك أكثر من مليون روسي زاروا الإمارات في عام 2022، وذلك بزيادة 60 في المائة عن العام السابق، وهؤلاء الزوار ليسوا فقط مجرد سياح، لقد انتقل العديد منهم الى الإمارات مع أعمالهم التجارية وأصولهم المالية.

وتشير تقارير غربية كذلك إلى أن رجال الأعمال الروس تحولوا من كونهم مجموعة صغيرة في السوق الإماراتي إلى قوة دافعة كبيرة تنعش أسواق العقارات والأسهم وتجارة إعادة التصدير بالإمارات.

وباتت الإمارات منذ تطبيق العقوبات الغربية على موسكو من بين أفضل الوجهات للشركات الروسية الهاربة من العقوبات الغربية.

ويرى التقرير أن الزيادة في شعبية الإمارات كوجهة بديلة للأثرياء الروس وشركاتهم باتت مدهشة، إذ إن كل من يرغب مغادرة روسيا يفكر في الانتقال مباشرة إلى الإمارات، التي يجد فيها مجموعة من الأصدقاء الروس الذين يمهدون له بناء علاقات تجارية جديدة.

وأدت هجرة الروس تلقائياً إلى ارتفاع أسعار العقارات وتكلفة المعيشة بالإمارات إلى مستويات أعلى بكثير عما هي عليه في أوروبا.

ويميل الروس الأكثر ثراءً وكبار مدراء الشركات إلى الانتقال إلى الإمارات، بينما يجبر غلاء المعيشة الموظفين ذوي الرتب الصغيرة والمتوسطة من نفس الشركات إلى الانتقال إلى دول مثل جورجيا وأرمينيا وكازاخستان أو تركيا.

ويبحث الروس عن شركاء تجاريين لتعويض علاقاتهم المقطوعة مع الغرب، ويجدون ذلك في الإمارات.

وحسب معهد ” كارنيغي”، فقد نما التبادل التجاري بين روسيا والإمارات بنسبة 68% في العام الماضي 2022 إلى مستوى قياسي بلغ 9 مليارات دولار، شكلت الصادرات الروسية منها 8.5 مليارات دولار، وذلك بزيادة نسبتها 71%.

كما باتت السوق الإماراتية تستقبل كميات كبيرة من معروض المعادن الثمينة التي لم تعد روسيا قادرة على بيعها في الغرب.

وشكل الذهب والأحجار الكريمة ما يقرب من نسبة 40% من الصادرات الروسية إلى الإمارات في العام الماضي، وفقًا لحسابات شركات غربية.

ويضاف ذلك إلى توسع الصادرات الزراعية الروسية التي تمثل نسبة كبيرة من البضائع المتجهة إلى الإمارات.

وفي أعقاب العقوبات المشددة على النفط الروسي ومشتقاته، بدأت الشركات الروسية تستخدم الإمارات كواحدة من محطات التخزين وإعادة التصدير إلى الأسواق الأخرى.

وتحصل الشركات الإماراتية على الخامات البترولية الروسية ومشتقات الوقود بأسعار مخفضة للغاية، وتقوم ببيعها في الخارج.

ورغم أن الإمارات تعد واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، لكنها اشترت في الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي 2022 نحو 3.2 ملايين برميل من النفط الروسي بهدف إعادة التصدير، ونحو 1.5 مليون طن من المنتجات النفطية لاحتياجاتها الخاصة.

وقد لا تعترض الدول الغربية على مشتريات النفط الروسي ومشتقاته في الوقت الراهن بسبب حاجتها للطاقة الرخيصة حتى تتمكن من خفض مستوى التضخم، ولكنها ربما تستخدم ذلك لاحقاً في المستقبل كنقطة سوداء ضد الإمارات.

وعلى صعيد تجارة السلع والبضائع الإلكترونية، تجرى الآن عمليات استيراد روسية للسلع المحظورة عبر الإمارات.

ويشير معهد كارنيغي إلى أن عمليات تسليم العناصر الإلكترونية وقطع الغيار من الإمارات إلى روسيا نمت سبعة أضعاف حجمها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، لتصبح واحدة من أكبر الصادرات الإماراتية إلى روسيا، كما ارتفعت شحنات الرقائق الدقيقة 15 مرة، وباعت الشركات الإماراتية لروسيا 158 طائرة من دون طيار مدنية في العام الماضي 2022.

ورغم ازدهار التجارة والأرباح التي تدرها “تجارة العقوبات” على الشركات الإماراتية، فإن الضغوط تتزايد على الشركات والبنوك الإماراتية.

ففي العام الماضي، توقف العديد من البنوك الإماراتية عن السماح للروس بفتح حسابات مصرفية بسبب الضغوط الأميركية التي تمارسها وزارة الخزانة على تلك المصارف، كما تطبق المؤسسات المالية الإماراتية الآن متطلبات أكثر صرامة على رجال الأعمال الروس مقارنة بنظرائهم من الدول الأخرى.

وتتزايد العقبات أمام الشركات الروسية التي تسعى إلى استئجار مساحات عقارات للتخزين في الإمارات.

وكانت العقوبات الغربية قد أجبرت أكبر بنك في روسيا، وهو مصرف “سبيربنك”، على إغلاق مكتبه التمثيلي في الإمارات في العام الماضي، والذي كان يُنظر إليه على أنه نقطة انطلاق تجارية في المنطقة.

ولم تفرض الإمارات أية عقوبات على روسيا حتى الآن، لكن الكثير من القطاعات المصرفية والاستشارية في البلاد تراقبها السلطات المالية الأميركية عن كثب. وتتخوف الشركات الإماراتية من أن تتعرض لعقوبات أميركية صارمة بسبب تعاملاتها مع روسيا.

لكن في فبراير الماضي، ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن الإمارات منحت مصرفا روسيا رخصة نادرة.

وبحسب الصحيفة، فإن موافقة الإمارات على منح ترخيص عمل لبنك “إم تي سي” الروسي قد يفاقم المخاوف لدى الغرب بأن تصبح هذه الدولة الخليجية الثرية ملاذا ماليا محتملا لموسكو. ويعتبر بنك “إم تي سي” أول مصرف أجنبي يحصل على ترخيص في الإمارات منذ أعوام عدة.

وكان وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان نيلسون، قد أثار مسألة ترخيص البنك الروسي في زيارة إلى أبوظبي قبل أسابيع.

في المقابل، رفض المسؤولون في أبوظبي هذه المخاوف، قائلين إن الإمارات تسعى لوقف التدفقات المالية من الكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات، مع رفض التمييز ضد الشركات والأفراد غير الخاضعين للعقوبات.

ويأتي هذا التطور في وقت حساس بالنسبة للإمارات، التي وُضعت العام الماضي تحت إشراف معزز من قبل مجموعة العمل المالي، وهي هيئة مراقبة عالمية لمكافحة غسل الأموال.

وكانت مجموعة العمل المالي العالمية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، التي يوجد مقرها في باريس، أدرجت دولة الإمارات إلى “قائمتها الرمادية” في مارس/آذار الماضي 2022، ما دفع سلطات الدولة إلى الإسراع بتكثيف الرقابة على التدفقات النقدية داخل القطاع المصرفي ووضع صعوبات أمام نقل الأصول المالية للأثرياء والشركات الروسية إلى المصارف الإماراتية.

ويقول خبراء: “ليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها الإمارات لضغوط من الولايات المتحدة، فقد سبق أن تعرضت لهذه الضغوط الأميركية بسبب تجارتها مع إيران”.

وكانت الإمارات تعتبر المركز المالي لإيران طوال سنوات العقوبات الأميركية، حيث كان الإيرانيون يمثلون نحو 30 في المائة من جميع الاستثمارات العقارية في دبي. وفي عام 2009، قدر إجمالي حجم الاستثمار الإيراني في الإمارات بنحو 300 مليار دولار.

كما نمت التجارة الثنائية بين طهران وأبوظبي بمعدل 30 في المائة سنوياً، لترتفع من 2.2 مليار دولار في عام 2001 إلى 24 مليار دولار في عام 2010.

وهذا الحجم من التبادل التجاري بين الإمارات وإيران يفوق حجم تبادلها التجاري مع الصين، الذي يقل عن 16 مليار دولار في العام 2021، وذلك على الرغم من أن الصين أكبر شريك تجاري لإيران.