موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: الإمارات تموّل تجنيد الأطفال للقتال في السودان عبر مرتزقة كولومبيين

1٬677

في خضم الحرب الأهلية السودانية التي التهمت آلاف الأرواح وشردت الملايين، تنكشف خيوط فضيحة جديدة تُدين بوضوح الدور الإماراتي في تصعيد الصراع وتحويل السودان إلى ساحة تجارب دموية للمرتزقة ومعسكرات بهدف تجنيد الأطفال.

وكشف موقع La Silla Vacía الكولومبي تحقيقًا استقصائيًا صادمًا يوثق قيام شركة أمنية إماراتية بتجنيد مئات المرتزقة الكولومبيين للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتدريب أطفال سودانيين، بعضهم لم يتجاوز العاشرة، على القتال والموت.

“ندرب أطفالًا ليُقتلوا”

بهذه الكلمات الصادمة وصف “سيزار”، الجندي الكولومبي السابق الذي عمل أربعة أشهر كمرتزق في السودان، حقيقة ما شاهده وشارك فيه.

وقد قدم للموقع صورة يظهر فيها طفلان، دون سن الـ18، برفقة مقاتلين كولومبيين وسودانيين يحملون أسلحة رشاشة في معسكر قرب نيالا، عاصمة جنوب دارفور.

سيزار قال إنه أشرف على تدريب مجموعات تتراوح بين 1000 و3000 شخص في معسكرات الدعم السريع، وكان عدد الأطفال كبيرًا جدًا.

وأضاف: “أطفال في سن 10 و11 و12 عامًا يتعلمون إطلاق النار على الكلاشينكوف وقاذفات RPG. هذا ليس تدريبًا، هذا جريمة حرب كاملة الأركان، ومَن يقف خلفها هم الإماراتيون الذين يدفعون المال ويديرون كل شيء من وراء الستار.”

الإمارات.. الممول والقائد الفعلي

يكشف التحقيق أن شركة إماراتية تُدعى Global Security Services Group (GSSG)، يملكها الإماراتي محمد حمدان الزعابي، هي الجهة التي تدير هذه العمليات.

والزعابي، رجل ذو علاقات أمنية وتجارية واسعة في إفريقيا، سبق أن حصل على تكريم علني من الجيش الأوغندي على “دعمه وتدريبه”.

وتظهر الوثائق أن الإمارات لم تكتفِ بالدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع، بل تموّل وتنسق بشكل مباشر عملية تجنيد المرتزقة عبر شركة GSSG.

وتستخدم الإمارات مطار نيالا، الذي يشرف عليه المرتزقة الكولومبيون، كنقطة محورية لنقل الأسلحة والطائرات المسيّرة من قواعد إماراتية في بوساسو (الصومال) إلى قلب الصراع السوداني.

كولومبيا.. مرتزقة وجنود سابقون في خدمة الدم

وفقًا لتحقيق La Silla Vacía، فإن أكثر من 300 مرتزق كولومبي يعملون حاليًا في السودان ضمن شبكة تُعرف باسم “ذئاب الصحراء”، بقيادة العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كيجانو، الذي يعيش في الإمارات ويُدير العملية بتنسيق مع الزعابي.

ورغم أن كولومبيا عضو في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن حكومة بوجوتا لم تحرك ساكنًا حتى الآن، رغم كون تجنيد الأطفال دون سن 15 جريمة حرب يحاسب عليها القانون الدولي.

كما تم توثيق انتهاكات صارخة تتعلق بعدم دفع رواتب المرتزقة، وتهديدهم في حال رغبتهم بالانسحاب، إضافة إلى تغيير أسماء الشركات وتعتيم هوياتها بهدف التهرب من المحاسبة.

الأطفال.. وقود حرب الإمارات في السودان

يروي “سيزار” أن التدريب الذي يشرف عليه المرتزقة الكولومبيون يستمر لمدة أربعة أسابيع، يتلقى فيه الأطفال تدريبات مكثفة على أسلحة متطورة، قبل إرسالهم مباشرة إلى جبهات القتال في الفاشر والخرطوم وبورتسودان.

ويقول: “لم يكن يُسمح لنا بالتقاط صور، وكان الأطفال يُعاملون كوقود رخيص للحرب. كثير منهم لم يكن يعود من الجبهة.”

وقد أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن تجنيد الأطفال يُعد جريمة حرب موثقة، مشيرة إلى أن كلًا من السودان وكولومبيا موقعتان على البروتوكول الدولي الخاص بحقوق الطفل، ما يُحمّل الجانبين المسؤولية الكاملة.

الإمارات تُسلّح.. وتُجند.. وتُوجه

تحقيقات متعددة، من بينها تحقيقات نيويورك تايمز ولا سيلا فاسيا، تشير إلى أن الإمارات لا تلعب دورًا هامشيًا أو تمويليًا فحسب، بل هي من يُدير المعركة.

ويبرز في الصورة منصور بن زايد، نائب رئيس الدولة ومالك نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، الذي اتُّهم بتقديم دعم عسكري مباشر لحميدتي تحت غطاء “مساعدات إنسانية”.

إنها ليست المرة الأولى التي تنكشف فيها شبكات المرتزقة الممولة من أبوظبي، فقد سبق أن دعمت الإمارات فصائل انفصالية في اليمن وليبيا، وها هي تكرر نفس النهج في السودان، لكن هذه المرة من خلال تدريب أطفال على القتل.

وفي منطقة “بلبل تيمبسكو”، على بُعد 30 كلم من نيالا، تقع معسكرات التدريب الرئيسة.

يقول “سيزار” إن المرتزقة هناك يُدربون السودانيين من الصباح حتى المساء، بأوامر صارمة، ويشرف عليهم ما بين 50 و70 جنديًا كولومبيًا سابقًا. وتُستخدم هذه المعسكرات ليس فقط لتدريب الأطفال، بل لتحضير الهجمات بطائرات مسيرة صينية الصنع تنطلق من مطار نيالا.

بين المرتزقة والضحايا.. من يحاسب الإمارات؟

تستمر الحرب في السودان، ويتواصل نزيف الدم، بينما تقف الإمارات في قلب هذه الفوضى، تدفع المال وتُسلّح وتُنسّق، لتتحول من دولة غنية تبحث عن النفوذ إلى “تاجر دماء محترف” في واحدة من أكثر الحروب دموية في العالم.

لقد تحولت أبوظبي إلى راعية شبكات المرتزقة العابرة للحدود، تنقل الموت من اليمن إلى السودان، ومن ليبيا إلى الصومال، دون مساءلة دولية حقيقية. ووسط هذه الجرائم، لا تُسائلها الهيئات الأممية، ولا يُحقق أحد في دورها المركزي في تسليح ميليشيات مجرمة وتجنيد الأطفال.

وقد آن الأوان لإخراج الإمارات من خلف الستار. فهذه ليست مجرد “سياسات نفوذ”، بل دعم مباشر لجرائم حرب موثقة يجب أن تُعرض أمام المحكمة الجنائية الدولية. وإن لم يتحرك العالم اليوم، فستكون هناك نيالا أخرى، وأطفال آخرون.. تُدرّبهم الإمارات على الموت باسم المال والهيمنة.