يقود النظام الحاكم في دولة الإمارات وبشكل علني دفع قطار التطبيع مع إسرائيل على حساب تصفية القضية الفلسطينية والثوابت العربية التي استمرت لسنوات بشأن اشتراط انحساب إسرائيلي أولا من الأراضي العربية المحتلة.
وصعدت أبو ظبي من استقبال رسمي لوفود وزارية وتجارية من إسرائيل وعززت معها العلاقات بتبادل اقتصادي واسع النطاق فضلا عن عمليات شراء لأسلحة وعتاد عسكري واجهزة تجسس.
وتورط الإمارات بعار التطبيع ذهب بعيدا حين دعا وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس من أبوظبي مؤخرا، إلى مد شبكة مواصلات عبر الأردن والسعودية، وصولا إلى باقي دول الخليج.
خطوة تستهدف إسرائيل من ورائها فتح صفحةٍ جديدة في تاريخ المنطقة، تأخذ إسرائيل إلى العالم العربي، مخترقةً كل حدود التاريخ والجغرافيا، فضلا عن استهداف تدشين سكة حديد تسير فوق حقوق الشعب الفلسطيني.
وفصّل الوزير الإسرائيلي أن مبادرته تهدف إلى مد شبكة مواصلاتٍ من خلال سكة الحجاز، وأطلق عليها “مسارات السلام الإقليمي” التي تشمل ربط المجالين، الاقتصادي والاستراتيجي، بين السعودية ودول الخليج عبر الأردن بشبكة السكك الحديدية في إسرائيل.
ليس الهدف من مبادرة الوزير تسهيل السياحة العادية بين إسرائيل والعالم العربي فقط، وإنما فتح شريان حياة بين إسرائيل وجزء أساسي من العالم العربي. وبالتالي، فإن قطار الوزير الإسرائيلي يهدف إلى حج جديد، وفق نهج ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد على قطار التطبيع مع إسرائيل.
وبات واضحا أن هذا المشروع يترسّخ يوما بعد يوم، إذ لا تخلو مناسبة دولية في الإمارات من ضيوف إسرائيليين يتجولون بكل راحة بال في المعالم الإماراتية، ومنها مسجد الشيخ زايد، مؤسس دولة الإمارات على أسس عروبية، تحتل فلسطين وقضيتها مكانة مركزية فيها.
يخالف ذلك مواقف معروفة للشيخ زايد في دعم صمود دول المواجهة بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، ومنها تقديم مبالغ مالية كبيرة لمساعدة مصر وسورية، وتعويضهما عن الخسائر العسكرية، وتلك التي لحقت بالمنشآت المدنية.
ويبدو أن محمد بن زايد، لم يعد يأبه لعلنية الاندفاع نحو مزيد من التصهين، أو يكترث بأبسط قيم هوية المجتمع الإماراتي ورفضه التاريخي للتورط بعار التطبيع مع إسرائيل.
وعدا عن الزيارات الإسرائيلية المتبادلة وفوق التطبيعية، التي تُختتم بصورة تذكارية في “مسجد زايد” لدعاة إبادة الفلسطينيين والعرب، في ظل صمت “جيش المستشارين العروبيين” على وصول الحال إلى القاع، ثمة ما هو خطير في محاولة صناعة هوية إماراتية وخليجية جديدة.
فحدود المجاهرة بالأسرلة تتوسع برعاية وتشجيع رسميين، لتطاول الفلسطينيين وقضيتهم، والتشكيك بعروبة وإسلامية ومكانة القدس، وإن حمل ذلك نسفاً للقرآن والسيرة النبوية.
ما يرد من الإمارات عن “عروبة وإسلام جديدين”، وبصمت رسمي على التصهين، يحزن أي عربي حريص على ألا تصل أبوظبي إلى مراكمة خطر خسارتها العمق العربي والإسلامي في ركاكة وسطحية الاعتقاد أن التصهين يجعل من بلادٍ “عظمى” وهو أثبت زيفه التاريخ مرارا.
احتفاء بتحالف قائم
واحتفت وسائل إعلام إسرائيل الرسمية والخاصة بشكل ملحوظ بزيارة وزير خارجيتها يسرائيل كاتس إلى دولة الإمارات والتطبيع العلني معها الأسبوع الماضي.
ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية زيارة كاتس بأنها تاريخية ودلالة على التطور غير المسبوق في مستوى التطبيع بين الإمارات وإسرائيل.
وكانت إمارات ليكس كشفت عن الزيارة يوم أمس وأن الوزير الإسرائيلي اجتمع سرا مع ولي عهد أبو ظبي الحاكم الفعلي لدولة الإمارات محمد بن زايد.
وقالت الإذاعة الإسرائيلية إن كاتس شارك في مؤتمر الأمم المتحدة لحماية البيئة الذي عقد في أبو ظبي، واجتمع على هامش المؤتمر مع السكرتير العام للمنظمة الدولية انطونيو غوتيرش حيث اثار امامه قضية الأسرى والمفقودين الاسرائيليين.
وأضافت أن كاتس اجتمع مع مسؤول كبير في الإمارات وبحث معه التهديد التي تشكله ايران للمنطقة وفي سبل دفع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج في مجالات التكنولوجيا والمياه والطاقة والزراعة.
ونقلت الإذاعة عن كاتس قوله إنه مسرور لقيامه بمحادثات في أبو ظبي بما يخدم الصالح الإسرائيلية وتطبيع العلاقات مع دول الخليج خاصة الإمارات.
وذكرت الإذاعة أن كاتس طرح على مسئولي الإمارات خطته لربط إسرائيل بدول الخليج بواسطة سكة حديدية، عن طريق الأردن، مشيرة إلى أن كاتس ليس أول وزير اسرائيلي يزور الإمارات حيث سبقه الوزير السابق أيوب قرا والوزيرة ميري ريغيف.
من جهته أبرز حساب “إسرائيل تتكلم العربية” زيارة كاتس إلى أبو ظبي وإعلانه عن “تقدم ملحوظ في العلاقة بين إسرائيل ودول المنطقة” وفي مقدمتها الإمارات.
وذكر كاتس “أواصل العمل مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتعزيز سياسة التعاون التي نسع لتحقيقها على أكمل وجه، بناءً على قدرات إسرائيل، في مجالات الأمن والمخابرات وفي المجالات المدنية المختلفة”.
وأشار الحساب إلى أن هذه هي أول زيارة يقوم بها وزير إسرائيلي كبير إلى دولة عربية بعد مؤتمر البحرين مباشرة. وأن الوزير كاتس عقد اجتماعا مع مسؤول كبير في الإمارات حيث تمت مناقشة الجوانب الإقليمية والعلاقات بين البلدين، ضرورة التعامل مع تهديدات إيران بشأن القضايا النووية وتطوير الصواريخ ودعم الإرهاب الإقليمي وعنف إيران ضد المصالح في المنطقة.
كما تمت مناقشة الأنشطة المشتركة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين في مختلف المجالات، مثل التكنولوجيا المتقدمة والطاقة والزراعة والمياه.
وبحسب الحساب قدم كاتس مبادرة “مسارات السلام الإقليمي”، التي تشتمل على اتصال اقتصادي واستراتيجي بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج عبر الأردن وشبكة السكك الحديدية الإسرائيلية وميناء حيفا في البحر الأبيض المتوسط.
وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، في هذا السياق، إلى أن كاتس شارك في أعمال مؤتمر وكالة الأمم المتحدة لشؤون البيئة في أبوظبي، وعقد لقاءات مع مسؤولين إماراتيين عرض عليهم مجددا مقترح إسرائيل مد شبكة مواصلات من خلال سكة الحجاز بلاد الشام عبر الأردن والسعودية، وصولا إلى باقي دول الخليج.
وقالت “يديعوت أحرونوت” إن وزير خارجية الاحتلال اجتمع مع مسؤول إماراتي رفيع المستوى، بحث معه تطوير العلاقات بين إسرائيل والإمارات، كما استغل المؤتمر الأممي ليبحث خلال لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مسألة مصير الجنود الإسرائيليين المفقودين.
ونقلت الصحيفة عن الوزير الإسرائيلي قوله إنه “منفعل” من زيارة أبوظبي، والفرصة لعرض مصالح إسرائيل أمام مندوبين عرب، وتطور العلاقات بين إسرائيل ودول عربية.
وعلمت إمارات ليكس أن كاتس وهو قطب كبير في حزب الليكود اليميني ومقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، اجتمع سرا مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وبحثا عدة ملفات لدفع تعزيز التنسيق والتطبيع بين الجانبين.
وتمت الزيارة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة الذي استخدمته السلطات الإماراتية ذريعة لتمرير اللقاء السري مع الوزير الإسرائيلي.
وحسب مصادر مطلعة فإن مباحثات الوزير الإسرائيلي مع محمد بن زايد ركزت على دعم الإمارات في حربها الإجرامية على اليمن وتدخلها العدواني في ليبيا ومصر والسودان ودول أخرى.
وأضافت المصادر أنه تم البحث كذلك في الدعم الإماراتي الحاصل لصفقة القرن الأمريكية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية خاصة عقب ورشة العمل الأمريكية التي انعقدت في البحرين قبل أيام.
واتفق الوزير الإسرائيلي مع بن زايد بحسب المصادر على دفع وتيرة التطبيع بين إسرائيل والإمارات في المرحلة المقبلة خاصة التعاون السياسي والعسكري والأمني.
وتعتبر إسرائيل الإمارات واحدة من أهم حلفائها ولديها مع أبو ظبي علاقات متقدمة في التطبيع السياسي والأمني والعسكري فضلا عن أجهزة التجسس الحديثة.
وتصاعد في الأشهر الأخيرة زيارات وفود إسرائيلية رسمية وأمنية إلى الإمارات إضافة إلى مشاركة إسرائيل في مؤتمرات دولية تستضيفها أبو ظبي ودبي.