موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق أوروبي يؤكد تورط الإمارات في تغذية الحرب وتسليح الميليشيات في السودان

1٬381

يشهد السودان واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، بعد أن تحوّلت الحرب بين الجيش السوداني وميليشيا «قوات الدعم السريع» إلى صراع دموي مفتوح أودى بحياة عشرات الآلاف وشرّد الملايين، وسط تأكيدات متزايدة تُدين تورط الإمارات في تغذية الحرب وتسليح الميليشيات المسؤولة عن الفظائع ضد المدنيين.

وأبرز تحقيق لشبكة دويتشه فيله الألمانية أنه منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، إثر خلاف حول دمج «قوات الدعم السريع» في الجيش النظامي، تتعمق المأساة السودانية يومًا بعد يوم.

وقد خلف القتال المستمر في دارفور ومدن الغرب السوداني أكثر من 140 ألف قتيل، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، فيما يعتمد نصف سكان البلاد البالغ عددهم 51 مليون نسمة على المساعدات الإنسانية. الجوع والأوبئة تنتشر على نطاق واسع، والبنية التحتية الزراعية والصحية على وشك الانهيار الكامل.

دعم خارجي يُغذي الحرب

يحظى الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان بدعم من دول مثل مصر وتركيا وروسيا وإيران، بينما تشير معلومات استخباراتية وتقارير أممية متكررة إلى أن الإمارات هي الداعم الرئيسي لميليشيا «الدعم السريع».

تقول الباحثة السودانية هاجر علي من المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطق (GIGA) في حديثها إلى «دويتشه فيله»: «كان لقوات الدعم السريع عدد من المزودين بالسلاح والوقود خلال الحرب، لكن المزود الرئيسي لا يزال الإمارات العربية المتحدة».

وتضيف أن الأدلة على تورط أبو ظبي «لم تعد قابلة للإنكار»، مشيرة إلى أن خطوط الإمداد تمتد من الحدود الليبية والتشادية والأوغندية، عبر شبكات تهريب يديرها حلفاء الإمارات في المنطقة، وعلى رأسهم الجنرال الليبي خليفة حفتر.

إنكار إماراتي ومساعدات تجميلية

في المقابل، تنفي الإمارات بشكل متكرر تقديم أي دعم عسكري لـ«الدعم السريع»، وتصف التقارير التي تتهمها بأنها «حملات تشويه إعلامية».

وفي محاولة لتحسين صورتها، أعلنت أبو ظبي في أكتوبر الماضي تقديم 100 مليون دولار كمساعدات إنسانية للسودان، وأصدرت بيانًا يُدين الانتهاكات ضد المدنيين.

لكن محللين يرون أن هذه المساعدات لا تغسل يدي الإمارات من الدم السوداني.

فوفقًا لتقارير استخباراتية نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، كشفت مصادر من وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية أن الأسلحة التي تصل إلى «الدعم السريع» مصدرها الإمارات، وتشمل طائرات مسيّرة صينية الصنع، ومدافع رشاشة، ومدفعية ثقيلة، وذخائر متنوعة.

الذهب مقابل السلاح

وراء هذا الدعم، تكمن أجندة اقتصادية وجيوسياسية واضحة لأبو ظبي. فالإمارات، التي تُعد أكبر مستورد للذهب السوداني، تمتلك مصلحة راسخة في الحفاظ على تدفق هذا المعدن النفيس من المناجم الواقعة في مناطق نفوذ «الدعم السريع».

تقول الباحثة هاجر علي: «من الواضح أن الإمارات تدعم الميليشيا للحفاظ على وصولها إلى ذهب السودان، الذي أصبح عملة تمويل رئيسية للحرب وشراء الأسلحة».

بذلك، تحوّل الذهب السوداني إلى وسيلة لتمويل آلة القتل، فيما تستخدم الإمارات موقعها كمركز عالمي لتجارة الذهب لغسل هذا المعدن الخارج من مناطق الصراع، في انتهاك صارخ للعقوبات والاتفاقيات الدولية.

الدور الروسي وامتدادات فاغنر

تؤكد مصادر ميدانية أن شحنات الأسلحة تصل إلى «الدعم السريع» عبر الفيلق الأفريقي (Africa Corps)، الاسم الجديد للوحدة التي كانت تُعرف بمجموعة فاغنر الروسية، ما يعزز شبهة تحالف ثلاثي غير معلن بين أبو ظبي وموسكو وحفتر في ليبيا.

ويوفر هذا التحالف التمويل، والإمداد، والغطاء السياسي للميليشيات في دارفور ومناطق أخرى.

وفي يناير 2024، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عقوبات على سبع شركات إماراتية، متهمةً إياها بتزويد «قوات الدعم السريع» بالسلاح والتمويل. وأوضحت وزارة الخزانة الأمريكية أن هذه الكيانات «عملت كواجهة لشبكات تهريب عابرة للحدود تموّل الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية».

ورغم هذه العقوبات، واصلت الإمارات أنشطتها في الظل، معتمدة على مزيج من الإنكار الدبلوماسي والتحرك اللوجستي السري عبر موانئها وشركاتها العاملة في القرن الأفريقي، بحسب تقارير استخباراتية غربية.

أجندة توسعية تحت غطاء «الاستقرار»

يرى محللون أن الطموح الإماراتي في السودان يتجاوز مجرد المصالح الاقتصادية. فالإمارات تسعى إلى توسيع نفوذها في البحر الأحمر والقرن الأفريقي عبر وكلاء محليين، لتأمين موانئ جديدة ومسارات تجارية تخدم مصالحها الاستراتيجية.

وفي هذا السياق، يشبّه بعض الخبراء سلوك أبو ظبي في السودان بما فعلته في ليبيا واليمن: دعم مليشيات محلية خارج سيطرة الدولة، تحت ذريعة «مكافحة الإرهاب» أو «دعم الاستقرار»، بينما الهدف الحقيقي هو فرض نفوذ سياسي واقتصادي بالقوة.

وبينما تسعى الإمارات لتقديم نفسها كـ«وسيط سلام» في الأزمات الإقليمية، تكشف الحرب في السودان ازدواجية هذا الخطاب، إذ تتورط أبو ظبي – بحسب تقارير موثقة – في تغذية الصراع بالمال والسلاح، ما يجعلها شريكًا في الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني.

في المحصلة، لا يبدو أن الإمارات تسعى إلى إنهاء الحرب، بل إلى إعادة تشكيل السودان بما يخدم مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية. وبينما ينهار البلد تحت أنقاضه، تواصل أبو ظبي إنكار دورها، محاولةً التستر على واحدة من أكثر حلقات تدخلها الإقليمي فداحة ودموية.