موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات وتدهور الحريات: ثروات طائلة ومجتمع مُقيّد

1٬044

رغم ما تتمتع به الإمارات من ثروات طائلة، وبريق عمراني لامع، وسعي دائم إلى تسويق نفسها كواحة للحداثة والتسامح، فإن الواقع الحقوقي في الدولة يشهد انحدارًا مقلقًا.

إذ تحت واجهة التقدّم، تُخفي أبوظبي نظامًا سلطويًا مغلقًا لا يتسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة، ويمنع قيام مؤسسات مجتمع مدني مستقلة، ويُخضع الصحافة لرقابة شديدة.

وتقول الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية إن التدهور المستمر في أوضاع حقوق الإنسان والحريات الأساسية في الإمارات لا يفضح فقط التناقض بين الصورة الدعائية والحقيقة، بل يكشف أيضًا عن عقلية أمنية تستمد شرعيتها من القمع لا من التمثيل الشعبي.

معتقلو الرأي: معاناة بلا نهاية

يُعتبر ملف معتقلي الرأي في الإمارات من أبرز الشواهد على استهتار النظام بحقوق الإنسان الأساسية. فالعشرات من الناشطين والحقوقيين والأكاديميين يقبعون في السجون لمجرد ممارستهم حقهم في التعبير السلمي، أو توقيعهم على عرائض تطالب بإصلاحات سياسية.

ومن أشهر هذه القضايا قضية “الإمارات 94″، التي حُكم فيها على 69 شخصًا بالسجن لفترات طويلة، من بينهم أكاديميون ومحامون، بسبب مطالبتهم بإصلاحات ديمقراطية في البلاد.

ما يزيد من فداحة هذا الملف أن السلطات الإماراتية لا تكتفي بإنزال العقوبات القاسية، بل تواصل احتجاز بعض السجناء رغم انتهاء فترة محكوميتهم، تحت ذريعة “برامج المناصحة” التي لا تخضع لأي رقابة قضائية مستقلة.

وقد وثّقت منظمات حقوقية دولية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، حالات لسجناء تم تجديد حبسهم تعسفيًا لسنوات إضافية، في انتهاك صارخ للقانون الإماراتي نفسه.

وتجدر الإشارة إلى أن بيئة السجون في الإمارات تتسم بانعدام الشفافية، حيث تمنع السلطات الزيارات المستقلة أو التحقيقات الأممية. وتفيد شهادات مسربة من داخل السجون بتعرّض بعض المعتقلين لسوء المعاملة، والحبس الانفرادي، والحرمان من العلاج والرعاية.

إعلام بلا حرية: صوت واحد مسموح به

لا تتوقف القبضة الأمنية عند باب السجون، بل تمتد لتخنق الفضاء الإعلامي برمّته. فقد صنّفت منظمة “مراسلون بلا حدود” الإمارات في تقريرها لعام 2024 ضمن الدول “غير الحرة” في مؤشر حرية الصحافة، مشيرة إلى استمرار الرقابة الشديدة على الصحف المحلية والمواقع الإلكترونية، ومنع تغطية أي قضية تمس الدولة أو العائلة الحاكمة أو سياساتها الإقليمية.

تعتمد الإمارات على مزيج من الرقابة القانونية والإلكترونية لفرض السيطرة على الإعلام. فالصحف والقنوات مملوكة في معظمها للدولة أو لأشخاص على صلة مباشرة بالحكم، ولا توجد أي مساحة حقيقية للعمل الصحافي الاستقصائي أو النقدي.

كما أن قانون الجرائم الإلكترونية يُستخدم كأداة قمعية لملاحقة الصحفيين والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أُدخلت عليه تعديلات صارمة تجرّم التعبير عن “الآراء التي تضر بسمعة الدولة” أو “تنشر أخبارًا كاذبة” دون تعريف واضح لما يُعتبر “ضارًا” أو “كاذبًا”.

حتى الصحفيون الأجانب لا يسلمون من هذا التقييد، إذ يُطلب منهم الحصول على تصاريح خاصة، وتُراقب تحركاتهم، ويُمنع البعض من دخول البلاد إذا اعتُبروا “غير مرحّب بهم”. والنتيجة هي مشهد إعلامي بلا تنوع حقيقي، يُعيد إنتاج خطاب رسمي موحد، ويغيب فيه صوت المواطن.

انعدام المشاركة السياسية: حكم أوتوقراطي مغلق

تُعدّ الإمارات من الدول القليلة في العالم التي لا تشهد أي مشاركة سياسية حقيقية لمواطنيها. فلا وجود لأحزاب سياسية، ولا انتخابات حرة، ولا برلمان منتخب ذو صلاحيات تشريعية فعلية.

ويُعتبر المجلس الوطني الاتحادي، الذي يُفترض به أن يكون الجهة التمثيلية في البلاد، مجرد هيئة استشارية، يُعيَّن نصف أعضائها، ويُنتخب النصف الآخر ضمن دائرة ضيقة تقتصر على أقل من 35% من المواطنين، دون أن يكون له سلطة تشريعية أو رقابية حقيقية.

كما تُحظر النقابات العمالية والمهنية بشكل كامل، ويُمنع تكوين منظمات مجتمع مدني مستقلة. ويعاني العمال الأجانب، الذين يشكلون أكثر من 85% من سكان البلاد، من أوضاع هشّة وتقييد لحقوقهم، بما في ذلك الحق في الإضراب أو تشكيل نقابات.

وتُمنع أيضًا المنظمات النسوية المستقلة أو الحركات الشبابية، ما يجعل من المجتمع الإماراتي ساحة مفرغة من أي تنظيم شعبي قادر على الدفاع عن مصالحه أو التأثير في السياسات العامة.

الإمارات: نموذج للحداثة الاستبدادية؟

ما تقدّمه الإمارات للعالم من صورة لامعة عن الانفتاح والتقدم، لا يستند إلى ديمقراطية ولا إلى احترام الحقوق، بل إلى نموذج من “الحداثة الاستبدادية”؛ حيث يُستخدم التطور التكنولوجي، والذكاء الاصطناعي، وخطاب “الابتكار”، كوسائل للضبط والسيطرة لا للتحرير.

وتُخصّص أبوظبي ميزانيات ضخمة لتلميع صورتها في الخارج، من خلال تمويل مؤسسات أكاديمية وفعاليات رياضية وفنية عالمية، لكنها في الوقت نفسه تُمعن في التضييق على أبسط أشكال التعبير داخل حدودها.

وتتجاهل بعض الحكومات الغربية هذا السجل الأسود بسبب المصالح الاقتصادية والعسكرية، خصوصًا في ظل تعاظم دور الإمارات في صفقات السلاح، والتحكم في موانئ استراتيجية، والاستثمار في التكنولوجيا العالمية.

لكن الأصوات الحقوقية لا تزال تحذّر من تداعيات تجاهل هذه الانتهاكات، خصوصًا مع اتساع القمع وتمدده إقليميًا من خلال تمويل انقلابات عسكرية، ودعم أنظمة استبدادية، وتوفير غطاء أمني للتجسس على النشطاء خارج الحدود.

وبالإجمال فإن ما يحدث في الإمارات ليس مجرد تراجع عرضي للحريات، بل هو نتاج استراتيجية متكاملة لتفريغ المجتمع من السياسة، وتدجين الإعلام، وتحويل الدولة إلى شركة مغلقة تُدار من الأعلى.

وبينما تلمع الأبراج والفعاليات الكبرى، يعلو صوت صمت المعتقلين، وتغيب العدالة، ويتآكل الأمل في مشاركة شعبية حقيقية. ولن تكون أي “رؤية مستقبلية” ذات معنى، إذا لم تكن مبنية على أساس من احترام الإنسان، وكفالة حقوقه في التعبير والتنظيم والمساءلة.