موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تدفق إسرائيلي غير مسبوق على دبي يثير تساؤلات حول ثمن التطبيع الإماراتي

488

أثار مقطع فيديو نشره سائح بريطاني جدلاً واسعاً بعدما عبّر فيه عن دهشته من “الارتفاع غير الطبيعي” في أعداد الإسرائيليين المنتشرين في إمارة دبي، مؤكداً أن المشهد يناقض تماماً طبيعة العلاقة بين البلدين قبل سنوات قليلة فقط ما يثير تساؤلات حول ثمن التطبيع الإماراتي.

وقال السائح البريطاني في الفيديو المتداول على منصات التواصل الاجتماعي: “أنا حقاً مندهش من عدد الإسرائيليين هنا في دبي. قبل عام 2020 لم يكن الإسرائيلي قادراً على القدوم إلى الإمارات، واليوم نصف نزلاء أحد الفنادق تقريباً من الإسرائيليين”.

ويعكس هذا التصريح العابر لزائر أجنبي واقعاً جديداً فرضه اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، لكن حجم التسارع وعدد الرحلات وعمق الاندماج السياحي بين الطرفين تجاوز كل التوقعات، ليحوّل دبي في غضون سنوات قصيرة إلى الوجهة المفضلة للإسرائيليين، في وقت تستعر فيه الحرب على غزة ويستمر القصف الإسرائيلي لمخيمات المدنيين.

طفرة في السفر.. وتحوّل استراتيجي في وجهة الإسرائيليين

تؤكد تقارير إعلامية عبرية أن الإمارات، وتحديداً دبي، أصبحت واحدة من أكثر الوجهات الخارجية التي يقصدها الإسرائيليون منذ توقيع اتفاق التطبيع.

ففي تقرير نشره موقع “ماكو” التابع للقناة 12 الإسرائيلية، جاءت دبي في صدارة الوجهات المفضلة للإسرائيليين خلال فصل الشتاء، مستحوذة على أكثر من 10% من إجمالي الرحلات المغادرة من مطار بن غوريون خلال الشهر الماضي، متقدمة على عواصم أوروبية كبرى مثل أثينا وروما وبودابست ونيويورك.

وتُظهر الإحصاءات الرسمية أن مطار بن غوريون يشهد حركة يومية تصل إلى 40 ألف مسافر دولي، فيما دخل نحو 17,700 مسافر إلى إسرائيل في الفترة نفسها.

أما بيانات هيئة المطارات الإسرائيلية لشهر يناير، فتشير إلى أن عدد الإسرائيليين الذين سافروا إلى الإمارات بلغ أكثر من 116 ألف مسافر، أي ما يعادل 10% من حركة السفر الدولية كاملةً.

وتؤكد هذه الأرقام أن التطبيع لم يكن مجرد اتفاق سياسي يتم تداوله في البيانات الرسمية، بل تحوّل في الواقع إلى تدفق بشري واسع النطاق، يحمل دلالات اقتصادية وأمنية وسياسية في آن واحد.

رحلات منتظمة رغم حرب غزة

رغم اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وما تبعها من توترات إقليمية، حافظت شركات الطيران الإماراتية على وتيرة عالية في رحلاتها إلى تل أبيب.

فقد كانت “فلاي دبي” تسيّر ما يصل إلى 8 رحلات يومياً في كلا الاتجاهين، بينما أعلنت “طيران الإمارات” إضافة رحلة يومية جديدة إلى جدول رحلاتها بين دبي وتل أبيب منذ نهاية أكتوبر الماضي، في خطوة تعكس إصراراً إماراتياً على تعزيز حركة السفر رغم الاحتقان الشعبي العربي تجاه التطبيع.

وتقول القناة 12 الإسرائيلية إن عدداً كبيراً من الإسرائيليين يفضّلون السفر إلى الإمارات بسبب “الشعور بالأمان والموقف غير العدائي تجاههم”، ونقلت عن مسؤول في شركة سياحية إسرائيلية قوله: “دبي وأبوظبي تحتضنان السائح الإسرائيلي وتُعدّان وجهتين آمنتين إلى حد بعيد”.

ويعكس هذا “الأمان” الذي يتحدث عنه الإسرائيليون– بحسب محللين – تطبيعاً عميقاً يتجاوز الدولة إلى المجتمع، إذ أصبح حضور الإسرائيليين في الأماكن العامة والمراكز التجارية والمطاعم أمراً مألوفاً في دبي، ما يطرح أسئلة حول الدور الذي تلعبه الإمارات كبيئة بديلة لحركة الإسرائيليين خلال الحروب والأزمات.

علاقات دافئة رغم المجازر في غزة

رغم التوتر الإقليمي، لم يتأثر مستوى التنسيق بين أبوظبي وتل أبيب. فقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن سفارة الاحتلال في أبوظبي هي السفارة الإسرائيلية الوحيدة التي واصلت عملها كاملاً في العالم العربي منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر 2023، في مشهد يكشف حجم الاستثناء الإماراتي في التعامل السياسي والدبلوماسي مع إسرائيل.

كما تحدثت تقارير عن استمرار جسر جوي فعلي بين الطرفين، سواء لأغراض سياحية أو تجارية أو أمنية، ما يعكس عدم اكتراث إماراتي بالثمن السياسي الذي تدفعه الشعوب العربية نتيجة الحروب المتواصلة على الفلسطينيين.

ويرى مراقبون أن الطفرة الإسرائيلية في دبي ليست مجرد نشاط سياحي بريء، بل جزء من مشروع اختراق سياسي واقتصادي أوسع. ففتح الأبواب على مصراعيها أمام عشرات آلاف الإسرائيليين شهرياً يمنح إسرائيل عمقاً اجتماعياً داخل الخليج وشبكات أعمال جديدة ومناخاً آمناً للوجود التجاري والاستخباراتي إلى جانب منصة استراتيجية للتفاعل مع العالم العربي.

ويشير محللون إلى أن الإمارات تتحوّل تدريجياً إلى حاضنة للوجود الإسرائيلي في المنطقة، بما يتجاوز مجرد تعاون اقتصادي أو تبادل سياحي، ليصل إلى بناء محور متكامل من المصالح المشتركة التي تتقاطع في ملفات حساسة مثل الأمن والطاقة والاستثمار.

وتكشف هذه المؤشرات جميعها أن الإمارات لم تكتفِ بتطبيع العلاقات مع الاحتلال على المستوى السياسي، بل دفعت بها إلى مستويات غير مسبوقة عربياً.

وبينما تُرتكب المجازر في غزة، وتُحاصر المخيمات، وتُقصف المستشفيات، تستمر أبوظبي في تعزيز شراكتها مع تل أبيب، وإرسال رسائل واضحة مفادها أن التحالف مع إسرائيل خيار استراتيجي لا يتأثر بالحروب ولا بدماء المدنيين الفلسطينيين.