أبرزت مؤسسة “جلوبال ريسك إنسايتس” المتخصصة في تحليل السياسات والأمن في الخليج، تسبب حروب الإمارات الخارجية في فقدان استقرار الدولة وأمنها الداخلي.
وقالت المؤسسة في تحليل بحثي لها، إن التدخلات العدوانية للإمارات وحروبها الخارجية تنعكس سلبا في تبديد صورة الدولة كدعامة للاستقرار والأمن في منطقة معروفة بخلاف ذلك.
وذكرت المؤسسة أن هجمات جماعة الحوثيين في اليمن التي استهدفت الإمارات في يناير/كانون الثاني الماضي جعلت الدولة تحت تهديد أمني متطور تحتاج لمواجهته.
وأشارت المؤسسة إلى أن الإمارات شهدت موجة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة من قبل مليشيات الحوثي بسبب تغيير استراتيجيتها فيما يتعلق بحرب اليمن.
وفي عام 2020، ادعت الإمارات أنها انسحبت من حرب اليمن بعد أن وصلت إلى طريق مسدود، لكن عندما تحرك الحوثيون نحو محافظة مأرب الغنية بالنفط، جددت الإمارات تدخلها.
وخلص التقرير إلى أنه وفي حين أن الإمارات قادرة تمامًا على مواجهة هجمات الحوثيين، فإن التأثير الاقتصادي والاجتماعي للتهديد الأمني المتصور هو الذي ستكون الدولة في أمس الحاجة إلى مواجهته.
لعبة الانخراط والخروج من الحرب
في 2015 تدخلت الإمارات في الحرب اليمنية ضد الحوثيين ضمن تحالف عسكري تقوده السعودية، وبحلول أواخر عام 2020، كان الصراع في اليمن يتجه نحو طريق مسدود مع عدم قدرة قوات التحالف على إنهاء سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء.
نتيجة لذلك، أعلنت الإمارات أنها ستبدأ في فك الارتباط بالحرب. ومع ذلك، في أواخر عام 2021، تحرك الحوثيون نحو محافظة مأرب الغنية بالنفط.
ولمنع الجماعة من السيطرة على ريع النفط، جددت الإمارات مشاركتها في الصراع من خلال دعم كتائب العمالقة، وهي ميليشيا محلية أسستها الإمارات والسعودية لمحاربة تقدم الحوثيين.
رداً على التدخل الإماراتي المتجدد، رد الحوثيون وجماعات أخرى إيرانية من خلال حملة من هجمات إرهابية ضد الإمارات باستخدام أنظمة الصواريخ والطائرات بدون طيار منخفضة التكلفة.
في 2 فبراير/شباط 2022، أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية أنها نجحت في تدمير ثلاث طائرات بدون طيار كانت متجهة إلى الإمارات “بنية معادية”.
وأعلنت كتائب الوعد الحقيقي العراقية مسؤوليتها عن محاولة الهجوم، وهي منظمة إرهابية غير معروفة نسبيًا مدعومة من إيران.
كانت محاولة الضربة في فبراير/شباط هي الأحدث في سلسلة من الهجمات. في 31 يناير/كانون الأول 2022، أعلن متحدث رسمي أن قوات الدفاع في الإمارات نجحت في صد ضربة صاروخية باليستية، منشؤها اليمن.
ووقعت حادثة مماثلة في 24 يناير / كانون الثاني، عندما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أنها أوقفت صاروخين باليستيين أطلقا من اليمن واتجها نحو العاصمة أبوظبي.
وفي 17 يناير / كانون الثاني، حلقت طائرات بدون طيار مليئة بالمتفجرات على منشأة لتخزين النفط في ضواحي أبو ظبي. جاء الهجوم الإرهابي على يد ميليشيا الحوثي وخلف ثلاثة قتلى، ودمر ثلاث شاحنات بترول.
هل الإمارات آمنة؟
في حين أن هذه الموجة الأخيرة من الهجمات مقلقة، فإن القدرات الدفاعية للإمارات تضمن أنها تستطيع حماية نفسها من وابل من الهجمات الجوية من الخارج.
ومع ذلك، فإن هذه الهجمات ورد فعل الإمارات عليها تخاطر بتقويض التصور الأمني للدولة، حسب “جلوبال ريسك إنسايتس”.
وتشير مؤسسة التحليلات المتخصصة: لعقود من الزمان، كانت الإمارات واحدة استقرار في منطقة تشتهر بالاضطرابات السياسية والاقتصادية.
تروج الإماران لنفسها كواحدة من أكثر الدول أمانًا، وقد اجتذبت بيئتها المؤيدة للأعمال الاستثمار الأجنبي الذي حول الإمارات إلى مركز للتجارة الدولية.
في حين يتم ضمان الاستقرار الداخلي من خلال الحوكمة الرسمية، فإن الدفاع من التهديدات الخارجية ممكن من خلال المبادرات التي زودت الإمارات العربية المتحدة بأنظمة أسلحة متطورة.
في السنوات الأخيرة، أنفقت الإمارات مليارات الدولارات على أحدث الأنظمة الأمنية للدفاع عن حدودها.
وشمل ذلك أنظمة صواريخ THAAD وPatriot PAC-3 المصنعة في الولايات المتحدة. في 16 يناير / كانون الثاني، قبل يوم واحد فقط من هجوم الحوثيين الإرهابي، وقعت أبوظبي صفقة بقيمة 3.5 مليار دولار مع مصنعي الأسلحة في كوريا الجنوبية لتوفير أنظمة صواريخ أرض – جو.
إلى جانب هذه المشتريات، تتعاون الولايات المتحدة مع الإمارات من خلال توفير القوة الجوية والبحرية.
يفترض أن تضمن أنظمة الدفاع هذه رفاهية البنية التحتية لدولة الإمارات وسكانها. ومع ذلك، فهي ليست فعالة في حماية مفهوم السلامة، الذي يعتبر ضرورياً في نمو قطاع الأعمال والسياحة الحيوي اقتصاديًا في دولة الإمارات.
ففي أعقاب غارة الطائرات بدون طيار في 17 يناير/كانون الثاني التي قتلت ثلاثة، تراجعت الأسواق الإماراتية حيث خشي المستثمرون المزيد من الهجمات.
وعندما شن الحوثيون المزيد من الضربات، تراجعت الأسواق المحلية مرة أخرى على الرغم من اعتراضها من قبل دفاعات الإمارات.
التنبؤ بالمستقبل
يُظهر التحليل أعلاه أنه في حين أن الإمارات متفوقة عسكريًا ويمكنها صد أي تهديد مادي يشكله الحوثيون، فإن مجرد تصور وجود تهديد كافٍ لتقويض التصور المحلي للاستقرار وبالتالي التأثير على مناخ الأعمال في الإمارات.
وقالت “جلوبال ريسك إنسايتس”: يوضح هذا نقطة ضعف معينة يمكن للحوثيين استغلالها: الخوف. لا يحتاج الحوثيون إلى شن هجوم هائل على الصناعات الثقيلة في البلاد للإضرار باقتصادها.
بدلاً من ذلك، يمكن أن يؤدي الهجوم الموجه على الأهداف الأكثر ليونة في البلاد إلى تحطيم تصور الدولة للسلامة مما يؤدي إلى تكاليف السمعة التي يصعب إصلاحها.
قد يلجأ الحوثيون إلى تكتيكات إرهابية جديدة يمكنها أن تتجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي الباهظة الثمن، بسبب إعاقتهم وأدى إلى نقص مخزون الأسلحة.
وقالت المؤسسة: نفذ الحوثيون بالفعل تكتيكات إرهابية مثل التفجيرات الانتحارية في اليمن. لذلك، من المتوقع أن يتم تصدير تكتيكات مماثلة إلى الإمارات.
الهجمات ضد المدنيين في مراكز التسوق والفنادق الفخمة في أبو ظبي ودبي من شأنها أن تهز اقتصاد البلاد، مما يؤثر على قطاعات الاقتصاد التي تعتمد بشكل أكبر على مفهوم الأمن من أجل الازدهار.
على وجه الخصوص، قد يكون قطاع السياحة- المعرض بشكل خاص للإرهاب ويمثل 12.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات- هو القطاع الأكثر تضرراً نتيجة الهجمات المحتملة للحوثيين.
واختتمت المؤسسة البحثة بالقول: مع العلم التام بالتكلفة التي سيحدثها هجوم إرهابي على اقتصاد الإمارات، يمكن توقع أن تسعى الإمارات للتخفيف من هذا التهديد من خلال نشر المزيد من الشرطة في جميع أنحاء المدن الكبرى.
على الرغم من فعاليته إلا أن هذا الوجود الدفاعي يأتي مع سلسلة من التكاليف الخاصة به: إذ أن صورة القوات المسلحة في زوايا الشوارع المزدحمة والمعالم الخارجية قد تجعل المدنيين يشعرون بالحماية، لكنها بذلك تدل على وجود تهديد. مع التهديد يأتي القلق، وهو الأمر الذي يعقد صورة الإمارات كدعامة للاستقرار والأمن في منطقة معروفة بخلاف ذلك.