أبرزت مجلة أمريكية حملة إماراتية مشبوهة لتشويه النائبات المسلمات في الكونغرس الأميركي.
قال تقرير نشرته مجلة”فورين بولسي” الأميركية إن المحافظين الأميركيين ليس هم فقط من تمادوا في حربهم واستهدافهم العديد من الشخصيات السياسية البارزة الصاعدة من خلفياتٍ عربية أو إسلامية في الحزب الديمقراطي.
وأشار إلى هجمات “منظَّمة” أيضاً تعرضت لها هذه الشخصيات من الخارج، لا سيما من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقالت الصحفية المصرية – البريطانية علا سالم، في تقريرها بـ “فورين بولسي”، إنه منذ انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، استهدفت وسائل الإعلام المحافِظة في الولايات المتحدة، بتحمُّس واهتمامٍ خاص، النائبة إلهان عمر، وهي نائبة ديمقراطية أميركية صومالية مسلمة ترتدي الحجاب.
ورداً على حملات الديمقراطيين، التي تهدف إلى إلغاء حظر ارتداء الحجاب في قاعة الكونغرس الأميركي ليتناسب مع إلهان عمر، اشتكى المُعلّق المحافظ والقس الأميركي إيرل والكر جاكسون، في برنامج إذاعي، من أنَّ المسلمين يُحوِّلون الكونغرس إلى جمهورية إسلامية.
إذ لدى الحزب الديمقراطي العديد من الشخصيات السياسية البارزة الصاعدة من خلفياتٍ عربية أو إسلامية، وقد أصبحوا جميعاً أهدافاً لخدمة نظريات مؤامرة من هذا القبيل من قِبل المحافظين، ومن قِبل حملات سعودية-إماراتية.
وأشار التقرير إلى أن أكاديميين، ومنافذ إعلامية، ومُعلِّقين سياسيين مُقرَّبين من حكومات دول الخليج العربي اتهموا مراراً وتكراراً، إلهان عمر، ورشيدة طليب (عضوة مسلمة أخرى منتخبة حديثاً بالكونغرس)، وعبدول السيد (الذي خاض محاولةً فاشلة ليصبح حاكماً لولاية ميشيغان) بأنَّهم أعضاء سرِّيون في جماعة الإخوان المسلمين المُعادية لحكومتي السعودية والإمارات.
ونشر موقع قناة «العربية» المملوكة للسعودية، يوم الأحد 9 ديسمبر/كانون الأول 2018، تقريراً يزعم أنَّ إلهان عمر ورشيدة طليب كانتا جزءاً من تحالفٍ بين الحزب الديمقراطي والجماعات الإسلامية للسيطرة على الكونغرس.
واتهم المقال النائبتين بأنهما “مناهضتان لترامب وفريقه السياسي وخياراته، لا سيما المُتعلِّقة بسياسته الخارجية، بدءاً من العقوبات المفروضة على إيران إلى عزل جماعة الإخوان المسلمين وجميع حركات الإسلام السياسي”.
وفي مثال آخر، ناقش برنامج حواري يُذاع على قناة MBC السعودية قضية انتخاب العضوتين المسلمتين وتداعيات سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب بوجهٍ عام.
وناقش الإعلامي العربي عمرو أديب تلك القضية مع أستاذ العلوم السياسية المصري معتز بالله عبد الفتاح، الذي أشار إلى أنَّ نجاح ترامب في محاربة الإسلاميين سيجري تقويضه من خلال انتصار الديمقراطيين.
وأصبحت حملات الهجوم منتشرةً في كلِّ مكان بالخليج العربي، لدرجة أنَّ التوجه نفسه أصبح موضوع النقاش، سواء على شبكة الإنترنت أو قنوات التلفزيون.
وكانت تلك الحملات الهجومية تُشنُّ أحياناً من جانب مسؤولين بتلك الحكومات الخليجية، في شعورٍ واضح بالقلق من احتمالية تقويض جهود العلاقات العامة باهظة الثمن وجهود الضغط التي تبذلها بلدانهم.
على سبيل المثال، اتهم أحد موظفي السفارة السعودية لدى الولايات المتحدة إلهان عمر، بعد ساعات فقط من فوزها بمقعد في الكونغرس، باتِّباع أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، التي قال إنَّها قد انتشرت داخل الحزب الديمقراطي.
ونشر فيصل الشمري الكاتب في موقع قناة “العربية” والمستشار الثقافي لدى الملحقية الثقافية السعودية بالولايات المتحدة التي تُعدُّ جزءاً من السفارة السعودية، تغريدةً على موقع تويتر يهاجم فيها إلهان عمر، قائلاً: “ستكون معاديةً لدول الخليج وداعمة للإسلام السياسي المُمَثَّل في جماعة الإخوان المسلمين بالشرق الأوسط”.
لاحظ عبدول السيد، وهو سياسي أميركي وُلِدَ لأبوين مهاجرين مصريَّين، حملات الهجوم القادمة من منطقة الخليج خلال حملته الانتخابية، إذ ضخَّمت وسائل الإعلام في الشرق الأوسط اتهامات المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ميشيغان، باتريك كولبيك، بأنَّ السيد لديه صلات بجماعة الإخوان المسلمين.
على سبيل المثال، أفادت صحيفة “اليوم السابع” المصرية بأنَّ السيد -على الأرجح- قد خسر الانتخابات بسبب صلته بأشخاص ينتمون إلى الفكر الإسلامي “المُتطرِّف” وعلاقته بالناشطة الأميركية المسلمة ليندا صرصور، “المعروفة بآرائها المُتطرِّفة”.
وتقول الصحفية التي أعدت التقرير: “لقد أخبرني السيد بأنَّ النخب السياسية في أماكن مثل مصر والسعودية والإمارات شعرت بالتهديد من صعود سياسيين أميركيين ينتمون أيضاً إلى الديانة الإسلامية”.
وتُعدُّ قصة عبدول السيد ملهمةً بالنسبة لعموم مواطني الشرق الأوسط (ومن المفارقات أنَّ أوضح مثال على وجود مثل هذا الشعور المُلهِم لدى مواطني الشرق الأوسط كان أول انتصار انتخابي لباراك أوباما في الانتخابات الرئاسية، الذي واجه اتهاماتٍ كاذبة تزعم أنَّه مسلم).
ويقوِّض صعود سياسيين مثل عبدول السيد وإلهان عمر ورشيدة طليب أيضاً الدعوى الأساسية، التي يطرحها الحكام المستبدون في الشرق الأوسط، بأنَّ شعوبهم غير مستعدة للديمقراطية.
وقال السيد إنَّ “حقيقة أنَّ الناس لن يستطيعوا الوصول إلى السلطة في بلدانهم، لكنَّ إذا غادروها فسيتمكنون من ذلك، تدمر الحُجَّة المطروحة من جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”.
وأضاف: “ما يثير السخرية هو أنَّه لا يمكنني التطلّع إطلاقاً إلى تولي منصب قيادي داخل مصر، موطن آبائي”.
يخشى حلفاء أميركا في المنطقة أيضاً من أنَّ القادة العرب الجدد بالحزب الديمقراطي سيدفعون نحو حدوث تغيير سياسي في بلدانهم. تشعر دول الخليج العربي بالتهديد من وجود أي صُنّاع سياسات لديهم اهتمام ومعرفة مستقلة بالمنطقة، بعد أن أنفقت تلك الدول ملايين الدولارات على حملات العلاقات العامة في العواصم الغربية.
لذلك، هم صاغوا اعتراضات هؤلاء المسؤولين المستندة إلى ضوابط ومبادئ أخلاقية لانتهاكات إقليمية لحقوق الإنسان ومعايير ديمقراطية في إطار قضايا انحياز شخصي.
روَّج أحد المُعلِّقين، المعروف بترديد وجهات النظر الحكومية وكثيراً ما يُعيد مسؤولون حكوميون نشر تغريداته، إشاعة مؤخراً تزعم أنَّ إلهان عمر تنحدر من أصل “يمني حوثي”، لتقويض هجومها على الحرب التي تقودها السعودية ضد اليمن.
إلى ذلك، برز الهجوم الأكثر شيوعاً على النواب الديمقراطيين المسلمين الأميركيين من التكتُّل الذي تقوده المملكة السعودية على شبكة الإنترنت، في تصنيفهم باعتبارهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين.
بدأت تلك الحملات الهجومية قبل وقتٍ طويل من انتخابات هذا العام (2018)، إذ أعلنت دولة الإمارات في عام 2014 قائمة إرهاب تضمَّنَت مجلس العلاقات الأميركية- الإسلامية، لصِلاته المزعومة بالإخوان المسلمين.
وبدأت حملات الهجوم التي تحاول ربط إلهان عمر ورشيدة طليب بجماعة الإخوان المسلمين جدياً بعد ترحيب مجلس العلاقات الأميركية-الإسلامية علناً بانتخابهما في الكونغرس.
انتقدت الدكتورة الأكاديمية نجاة السعيد، التي تعيش في دولة الإمارات، وسائل إعلام عربية، لاحتفالها بفوز السيدتين المسلمتين في انتخابات التجديد النصفي، وأشارت إلى دعم مجلس العلاقات الأميركية-الإسلامية إياهما باعتباره دليلاً على علاقتهما بجماعة الإخوان المسلمين.
في حين كانت إلهان عمر ورشيدة طليب أهدافاً لحملات تشويه واتهامات مزعومة، كان من الأسهل على العرب الخليجيين التَّصيّد لإهانة إلهان عمر بسبب أصولها الإفريقية، إذ تنتشر الأفكار النمطية السلبية عن الأفارقة -الذين يخدمون باعتبارهم عُمالاً مهاجرين ويعامَلون معاملة سيئة في اقتصادات النفط الخليجية- بجميع أنحاء المنطقة.
كان هذا واضحاً في حملةٍ على شبكات التواصل الاجتماعي، أطلقها الكاتب والباحث السعودي أحمد الفراج، الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، ضد إلهان عمر.
هاجم الفراج، الذي يعمل لدى شركة Trends Research and Advisory التي أسَّسها مستشارٌ ومسؤولٌ سابق في شرطة دبي ومقرها دولة الإمارات، إلهان عمر، لانتقادها استجابة ترمب الصامتة على تقييم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بشأن أنَّ وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على الأرجح، هو المسؤول عن إصدار أوامر قتل الصحافي السعودي السابق الذي كان يعيش في الولايات المتحدة جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وكتب الفراج تغريدة على حسابه، الذي يضم أكثر من 60 ألف متابع، يقول فيها: “هذه المخلوقات البائسة القادمة من عوالم نامية هي أكثر كرهاً لعِرقها ولكم من أيِّ عدو”.
وقد أعقب تلك التغريدة موجة مُطردة من الهجمات العنصرية رداً على ذلك، إذ نشر أحد الأشخاص صورة لإلهان عمر مصحوبة بتعليق: “حينما تشتري عبداً، اشترِ عصا مع العبد؛ فالعبد شخصٌ قذر بائس”.
بخلاف موجة التعليقات العنصرية المحمومة، تعرّضت إلهان عمر للهجوم استناداً إلى اتهامين زائفين، يتمثَّلان في انتمائها إلى جماعة الإخوان المسلمين، وزواجها بشقيقها. بدأت عدة هاشتاغات تتصدر شبكات التواصل الاجتماعي مع عشرات من الحسابات المجهولة تنشر تغريدات مكتوبة باللغة نفسها مع اختلافات طفيفة، وتعيد نشر تغريدات من حسابات معروفة بتبعيتها للحكومة. هذا النمط نموذجي لجيوش اللجان الإلكترونية على «تويتر»، التي يبدو أنَّ محمد بن سلمان يستخدمها بانتظام لإسكات منتقدي المملكة.
لا ينبغي الشعور بالاستغراب كثيراً من الاستجابة المذعورة المُرتعدة لحلفاء أميركا الاستبداديين حيال أصوات مثل رشيدة طليب وإلهان عمر، إذ استفادت تلك الأنظمة دائماً من الخيار الزائف الذي يُقدِّمونه لصنَّاع السياسة في الغرب، حيث يقولون إنَّ المتطرفين، في البلدان المسلمة، هم البديل الوحيد للاستبداديين.
تُقوَّض تلك الحُجّة بشكلٍ واضح وقوي من خلال سياسيين أميركيين يتشاركون الديانة نفسها مع تلك الأنظمة، لكن لا يتشاركون استهزاءهم وسخريتهم من الديمقراطية.