موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات وتوسيع دائرة اتفاقيات إبراهيم: تطبيع بلا فلسطين

691

يُكرِّس النظام الإماراتي جهوده هذه الأيام لقيادة تحرّك إقليمي ودولي لتوسيع دائرة اتفاقيات إبراهيم، في وقت تزداد فيه التسريبات عن خطة أميركية-إسرائيلية متجددة تهدف إلى إنهاء حرب غزة وفتح الباب أمام موجة جديدة من التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل، من دون أي حلّ جدّي للقضية الفلسطينية.

وفي الأسابيع الماضية، تكثّف النشاط الدبلوماسي الإماراتي في الخفاء. مصادر دبلوماسية متطابقة، بعضها أوردته صحيفة “إسرائيل هيوم”، تشير إلى تحرّك دبلوماسي حثيث تقوده أبوظبي لإقناع عواصم عربية وإسلامية، أبرزها الرياض ودمشق، بالانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم.

وتكشف هذه التحركات كيف تحوّلت الإمارات من مجرّد طرف مُطبِّع إلى لاعب محوري يسوّق لـ “سلام اقتصادي-استراتيجي” مع إسرائيل باعتباره حلاً لأزمات المنطقة، متجاهلةً جوهر الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

بحسب مصادر الصحيفة الإسرائيلية، فإن اتفاق ترامب ونتنياهو الأخير يتضمن خطة شاملة تبدأ بوقف الحرب في غزة، وتتدرج نحو إعادة ترتيب الإقليم سياسياً وأمنياً، مروراً بتوسيع التطبيع ليشمل السعودية وسوريا، وصولاً إلى “حل الدولتين” ولكن بصيغة تضمن لإسرائيل سيادة محدودة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية.

وفي قلب هذه الخطة تقف الإمارات، كوسيط ومستثمر ومروّج سياسي، تسعى إلى إظهار التطبيع وكأنه قدرٌ إقليمي لا بد منه.

حل الدولتين… واجهة للتطبيع

اللافت في المخطط الأميركي-الإسرائيلي الأخير أنه يُقدّم “حل الدولتين” في صيغة ترويجية، أكثر منها خطة جادّة لحل الصراع. فهو يربط هذا الحلّ بشرط “إصلاح السلطة الفلسطينية”، ويمنح إسرائيل سيادة محدودة في الضفة، ما يعني عملياً تكريس الاحتلال بحدود جديدة.

في هذا السياق، يغدو الحديث عن الدولة الفلسطينية المستقبلية مجرد أداة لامتصاص الضغوط الدولية، بينما يبقى التطبيع هو الهدف الحقيقي والفوري.

الإمارات، التي طالما بررت تطبيعها مع إسرائيل بأنه سيخدم القضية الفلسطينية، باتت تتحرك اليوم على قاعدة تجاوز هذه القضية. إذ أصبح المعيار الوحيد المطروح هو المصالح الاقتصادية والأمنية، من دون ربط التطبيع بأي التزامات حقيقية تجاه حقوق الفلسطينيين أو إنهاء الاحتلال.

غزة كبوابة التغيير

إن الحرب الجارية في غزة أضحت، بحسب مصادر “إسرائيل هيوم”، محطة مفصلية يجري توظيفها لإعادة هندسة الإقليم.

وينص الاتفاق الأميركي-الإسرائيلي على إنهاء الحرب في غزة خلال أسبوعين، مع ترتيبات جديدة تتضمن إشراف أربع دول عربية، بينها الإمارات، على إدارة غزة بعد إبعاد حركة حماس.

ما يعني أن الإمارات تُهيِّئ نفسها للعب دور أمني وسياسي مباشر في القطاع، في إطار ترتيبات جديدة قد تؤدي إلى فصل غزة عن الضفة بشكل أعمق، وهو ما حذّر منه مراراً سياسيون فلسطينيون بوصفه تكريساً لانقسام دائم يُفرغ فكرة الدولة الفلسطينية من مضمونها.

واللافت هنا أن الصفقة تتضمن أيضاً اقتراحات بترحيل أعداد من سكان غزة الراغبين في الهجرة إلى دول أخرى، وهو ما يفتح الباب لمخاوف تطهير ديمغرافي أو تغييرات سكانية تهدد الحق الفلسطيني التاريخي في الأرض.

السعودية وسوريا على الرادار

الإمارات، بحسب التسريبات، تلعب دور “عرّاب التطبيع” تجاه السعودية وسوريا.

وبالرغم من التباينات العميقة بين الموقفين السعودي والسوري حيال إسرائيل، يبدو أن أبوظبي تراهن على السياق الإقليمي المضطرب، وعلى انشغال العواصم بأزماتها الاقتصادية والأمنية، لدفعهما باتجاه التطبيع، مستخدمة ورقة الاستثمارات وإعادة الإعمار، خصوصاً في سوريا المدمّرة، وفي إطار ما يسمى “سلام مقابل إنعاش اقتصادي”.

لكن السعودية، رغم مؤشرات انفتاحها العلني نحو إسرائيل في الفترة الماضية، تظل متحفظة حتى الآن على ربط التطبيع بتجاهل الملف الفلسطيني تماماً، خاصة مع حساسية الرأي العام السعودي تجاه هذه القضية.

بينما يبدو النظام السوري أكثر تردداً، لكن ضغوط العزلة والاقتصاد المنهار قد تغريه بمقايضة التطبيع برفع العقوبات الدولية والمساعدات الخليجية.

استراتيجية “التطبيع أولا”

ما يميز التحرك الإماراتي الحالي أنه يقوم على قناعة استراتيجية مفادها أن التطبيع مع إسرائيل يجب ألا يظل رهينة حلّ القضية الفلسطينية.

هذه الفكرة باتت واضحة في كل تحركات أبوظبي، وفي خطابها الرسمي وغير الرسمي، الذي يقدم التطبيع على أنه أداة “استقرار” و”تنمية” بعيداً عن صراعات الماضي.

غير أن هذا النهج يطرح تساؤلات جوهرية حول مصير الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، واحتمالات انفجار الوضع مجدداً إذا تم القفز على الحقوق الفلسطينية.

كما يطرح تساؤلات عن قدرة الإمارات فعلياً على إقناع عواصم كبرى مثل الرياض أو دمشق، حيث يظل التطبيع مسألة شائكة ترتبط بعوامل داخلية وخارجية معقدة، وبحسابات تخص بقاء الأنظمة نفسها.

وتسعى الإمارات اليوم إلى ترسيخ نفسها رأس حربة في مشروع توسيع اتفاقيات إبراهيم، مُعتبرة أن السلام مع إسرائيل يجب ألا يُقيَّد بحل القضية الفلسطينية.

غير أن هذا المسار، الذي يروج له ترامب ونتنياهو ويباركه قادة الإمارات، قد يحمل بذور توتر أكبر في المنطقة، إذ يجري تجاهل جوهر الصراع لصالح هندسات سياسية واقتصادية لا تتعامل مع الحقوق المشروعة للفلسطينيين، ولا مع الغضب الشعبي في العالم العربي والإسلامي.