موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

ذنب بالقرابة: الإمارات تلاحق عائلات المعارضين وتشن حربًا شاملة على الحريات

1٬176

في مشهد يكشف بوضوح مآلات الدولة الأمنية التي كرّستها الإمارات خلال العقد الأخير، لم يعد القمع مقتصرًا على المعارضين السياسيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان، بل تجاوزهم ليطال عائلاتهم، وشركاتهم، وأصدقائهم، وكل من يمت لهم بصلة عبر تكريس قاعدة ذنب بالقرابة.

وهذا التوسّع القمعي في استهداف الدائرة الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالمنفيين السياسيين الإماراتيين ليس سوى امتداد للنهج السلطوي المتغلغل في بنية الحكم، والذي يستند إلى قوانين فضفاضة مثل قانون مكافحة الإرهاب لعام 2014.

قانون الإرهاب الإماراتي، الذي أُقرّ بدعوى مواجهة التطرّف، أضحى أداة رئيسية لخنق الحريات العامة. فبتعريفاته الغامضة ومرونته في تأويل “التهديد”، صار بالإمكان استخدامه ضد أي شكل من أشكال التعبير، بما في ذلك النقد السلمي أو المواقف المستقلة.

لا يتطلب الأمر سوى إشارة عابرة أو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، ليجد الفرد نفسه في مواجهة عقوبات تصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام، دون ضرورة تقديم أدلة موثوقة أو ضمان محاكمات عادلة.

عقاب عابر للحدود: الضغط على المنفيين عبر أسرهم

لكن ما يشكل تصعيدًا خطيرًا هو ما حدث في 8 يناير 2025، حين أدرجت السلطات الإماراتية 11 شخصًا، بعضهم أقارب معارضين سياسيين، بالإضافة إلى ثماني شركات، على “قائمة الإرهاب” دون أي إخطار مسبق أو إجراء قانوني.

هذا التصنيف لم يكن نتيجة لأعمال إرهابية حقيقية، بل استند إلى علاقات قرابة أو ملكية سابقة للشركات، وغالبًا دون تقديم أي إثبات ملموس.

ويشير ذلك إلى تحول خطير: العقوبة لا تطال “الجاني” فقط، بل تمتد لأسرته ومحيطه، في نموذج يُذكّر بممارسات أنظمة بوليسية تاريخية استندت إلى مفهوم “الذنب بالقرابة”.

تقوم الحكومة الإماراتية بتبرير هذه الإجراءات بزعم محاربة الشبكات المرتبطة بالإخوان المسلمين، وهي تهمة جاهزة تستخدمها السلطات لتبرير قمعها.

ومع ذلك، لم يُثبت أن أيًا من الأفراد أو الشركات المصنّفة على صلة فعلية بأي تنظيم مسلح، كما لا تظهر أسماؤهم في أي قوائم إرهابية دولية.

بالرغم من ذلك، يعانون الآن من تجميد الأصول، وحظر السفر، وتدمير السمعة التجارية، سواء داخل الإمارات أو في الدول التي يقيمون فيها.

عقاب جماعي

أكثر ما يثير القلق هو تعميم هذا النمط من القمع إلى ما وراء الحدود الجغرافية للدولة. ففي ما يشبه العقاب الجماعي، تتعرض أسر المعارضين داخل الإمارات لإجراءات انتقامية تعسفية، مثل سحب الجنسية، الحرمان من التعليم والخدمات، والمنع من السفر.

هذه العقوبات لا تستند إلى أحكام قضائية، بل تصدر بأوامر أمنية تُنفّذ دون شفافية أو مساءلة. وبذلك، يُستخدم سلاح الإدارة كسيف مسلط على رقاب المواطنين، في غياب تام لمبدأ سيادة القانون.

يُضاف إلى ذلك الاستخدام المكثّف للتقنيات المتطورة في المراقبة والتنصت، حيث تستهدف أجهزة الأمن الإماراتية المعارضين في الخارج، وتراقب اتصالاتهم بأقاربهم في الداخل.

ويُبلّغ العديد من المنفيين أن أي تواصل مع عائلاتهم يُعد “تواصلاً مع إرهابيين”، مما يعرّض ذويهم في الداخل للملاحقة. هذا الواقع أفرز حالة إنسانية قاسية من العزلة والانفصال، إذ يُجبر العديد من المعارضين على قطع الاتصال بذويهم خوفًا من الإضرار بهم، في تكتيك فج يهدف إلى تحطيم الروابط الأسرية والنفسية للمعارض.

من جهة أخرى، تقود الدولة حملات تشويه إعلامية شرسة ضد المعارضين، مستخدمةً منصاتها الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية، حيث تُنشر أسماء الأفراد والشركات المستهدفة مع اتهامات جاهزة بالإرهاب والعمالة.

والهدف من هذه الحملات مزدوج: عزل المعارضين نفسيًا واجتماعيًا، وتخويف الآخرين من دعمهم أو حتى التعاطف معهم، تحت تهديد المسؤولية الجنائية.

ولا تقتصر آثار هذه الحملة على الإمارات وحدها، بل تمتد إلى الخارج. فالمعارضون المقيمون في بلدان مثل بريطانيا أو تركيا يواجهون خطر التضييق نتيجة الضغط الإماراتي، خاصة أن بعض هذه الدول تحتفظ بشراكات أمنية واقتصادية وثيقة مع أبوظبي.

وقد أدى تصنيف شركات إماراتية معارضة على قائمة الإرهاب إلى إلحاق أضرار جسيمة بها، من انسحاب العملاء إلى تجميد الحسابات المصرفية. وهذا يثير تساؤلات خطيرة عن مدى استعداد حكومات غربية للتغاضي عن الانتهاكات الإماراتية مقابل عقود تجارية أو تعاون استخباراتي.

وتقول منظمات حقوقية إن ما نشهده ليس فقط قمعًا سياسيًا متصاعدًا، بل حربًا نفسية واجتماعية شاملة على المعارضين في المنفى، تسعى إلى تدمير حياتهم الشخصية والمهنية، وإجبارهم على الصمت أو العودة إلى الإمارات لمواجهة مصير مجهول. إنها محاولة متكاملة لبناء “جدار عزل” حول المنفي، لا يقتصر على منعه من التعبير، بل يمنعه من الحياة.

وإن تطورات يناير 2025 تمثل لحظة مفصلية في فهم طبيعة الحكم الإماراتي، الذي لم يعد يكتفي بتكميم الأفواه، بل صار يسعى إلى إسكات الصدى، وتحطيم أي رابط إنساني أو مهني للمعارضين.

وما لم تتحرك المنظمات الدولية والدول الديمقراطية لفرض ثمن حقيقي على هذا السلوك، فإن الإمارات ستواصل تعزيز نموذج الدولة البوليسية، الذي لا يكتفي بإسكات الفرد، بل يسعى إلى محو أثره تمامًا.