ناصر بن غيث…أكاديميّ وحقوقي خلف قضبان سجون الإمارات
حقوق الإنسان في الإمارات- يقضي الأكاديمي البارز ناصر بن غيث شهر رمضان الخامس خلف قضبان سجون النظام الحاكم في دولة الإمارات الذي يعتقله تعسفيا بسبب تغريدات يعبر فيه عن آرائه.
ويمثل استمرار حبس بن غيث وغيره من الحقوقيين في دولة الإمارات خرقا قانونيا وإنسانيا لمبادئ حقوق الإنسان الكونية وسيظل منعرجا خطيرا في تاريخ دولة احتضنت كل التظاهرات الداعية للتسامح والمبادرات المؤسسة لحرية الاختلاف ورفعت شعار السعادة في حين تنكرت لخيرة من أبناء شعبها وزجت بهم في السجون دون يقترفوا جرما حقيقيا سوى بعض الاتهامات المتعلقة بحقهم في ممارسة حرية التعبير.
والأكاديمي وخبير الاقتصاد الدكتور ناصر بن غيث المري (53 عاماً) أول ما يعرف عنه هو تحصيله العلمي العالي الذي جعله من القامات العلمية في دولة الإمارات.
حيث تحصل على شهادة ليسانس عام 1995 من أكاديمية شرطة دبي، وماجستير القانون الدولي بجامعة “كيس ويسترن ريزيرف” في كليفلاند الأمريكية عام 2002، وبعدها حصل على الدكتوراه في التجارة الدولية والقانون الاقتصادي الدولي القانون بجامعة أسيكس البريطانية عام 2007.
عمل الدكتور بن غيث كخبير في الشؤون الاقتصادية الدولية ومحاضر سابق بجامعة “السوربون” الفرنسية فرع أبو ظبي، وهو يعد أول إماراتي على مدار التاريخ يحاضر في تلك الجامعة، وذلك للكفاءة العالية التي يتميز بها والتي جعلت منه محاضرا بارعا في تخصصه وهو مجال التكتلات الاقتصادية تخصص يعتبر بن غيث رائدا فيه على مستوى العالم العربي وذلك لندرة هذا الاختصاص الذي يجمع بين أربعة تخصصات، هي: القانون والاقتصاد والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية.
قدم بن غيث العديد من الإنجازات في المجال الاقتصادي والمالي وكان من الخبراء الاقتصاديين الأوائل الذين تنبأوا بوقوع الأزمة الاقتصادية سنة 2008 وقد حذر من وقوعها في العديد من كتاباته في عام 2007 وأشار أن بداية الأزمة كانت في 2006.
وكتب بن غيث عدة مقالات حول رؤيته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في دول الخليج وكان لا يجمل الحقائق ولا يزيفها وقد كان يدعو إلى الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان بالإمارات، حيث كان يحث على القيام بانتخابات مباشرة لمجلس الدولة الوطني الاتحادي ومنحه سلطات تشريعية حقيقية وعدم الاكتفاء بكونه هيئة استشارية، ولكن هذه المطالبات لم يجد لها صدى دائمًا.
وأول اعتقال لبن غيث وذلك تم في نيسان/أبريل 2011 ضمن أعضاء المجموعة المعروفة باسم “الإمارات 5″، وهم خمسة نشطاء سُجنوا بتهمة “الإهانة العلنية” للمسئولين الإماراتيين. وقد أوضح بن غيث أنه تعرض لأشد أنواع التعذيب في سجنه الذي امتد نحو سبعة شهور، قبل أن يتم الإفراج عنهم بعفو.
لم يمنع هذا الاعتقال بن غيث من التمسك بآرائه الحرة والدفاع عن قيم العدالة والحرية والقانون والاصطفاف إلى قضايا حقوق الإنسان في بعدها الشامل الذي يحتوي كل جوانب المواطن كان لا بد من دفع الثمن في دولة تلاحق الأصوات الحرة والنشطاء دون هوادة.
جاء الاعتقال الثاني لبن غيث في 18 أغسطس/آب 2015، حيث اعتقلته قوات الأمن بملابس مدنية في أمارة أبو ظبي وقاموا بتفتيش منزله ومصادرة أغراضه الشخصية بما في ذلك وحدات الذاكرة الإلكترونية الخاصة به. واحتجز بمعزل عن العالم الخارجي حتى عرضه على غرفة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي في 4 نيسان / أبريل 2016.
أخبر بن غيث عن تعرضه للتعذيب والضرب والحرمان من النوم لمدة تصل إلى أسبوع كما أنه لم يُبَلَّغ لا هو ولا أسرته بسبب القبض عليه.
حُرِمَ بن غيث كذلك من الاتصال بمحامٍ طوال مدة احتجازه السابقة للمحاكمة رغم تعرضه للاستجواب بشكل متكرر. ولم يُسمَح له بمقابلة محاميه للمرة الأولى إلا في جلسة المحاكمة الثانية في 2 مايو/أيار 2016، وفي الأشهر التالية فرض المسؤولون قيوداً على اتصالاته بمحاميه داخل المحكمة وخارجها، وهو ما فرض عليه مزيداً من الحرمان من الحق في دفاعٍ كافٍ.
وقد خلت محاكمة بن غيث من المعايير الدولية للمحاكمة العادلة. كما حرم لاحقا من تشييع جنازة والده في كانون ثاني/يناير 2016.
شملت الاتهامات ضد بن غيث في تهمة “ارتكاب عمل عدائي ضد دولة أجنبية”، في إشارة إلى تصريحات أدلى بها على حسابه الخاص على تويتر حول السلطات والنظام القضائي في مصر.
وأُتهم أيضا بتهمة “نشر معلومات كاذبة من أجل تشويه سمعة ومكانة الدولة أو إحدى مؤسساتها” والتي تتعلق بتصريحات أخرى أدلى بها على حسابه الخاص على تويتر مدعياً أنهم لم يَحظوا بمحاكمة عادلة كجزء من قضية “الإمارات 5”.
وفي اتهامات أخرى مرفوعة ضد بن غيث دعوى أنه “نشر معلومات كاذبة عن قادة دولة الإمارات العربية المتحدة وسياساتها، وانتقاد عدواني لبناء معبد هندوسي في أبو ظبي، وتحريض شعب دولة الإمارات ضد زعمائهم والحكومة” وتتعلق هذه التهمة بتصريح ادلى به على تويتر لتعزيز التسامح.
كما اتُهم بن غيث أيضا بتهمة “التواصل والتعاون مع أعضاء منظمة الاصلاح المحظورة” في اشارة إلى الزيارات واللقاءات مع أعضاء “الامارات٩٤”، وهي مجموعة من مدافعي حقوق الإنسان، منتقدي الحكومة، ودعاة الإصلاح والذين حًوكموا في عام 2013 وحُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة. واتهم أيضا بتهمة “التواصل والتعاون مع حزب الأمة” المحظور في الإمارات، بناء على الكلمة التي دُعي لتقديمها حول الاقتصاد الإسلامي من قبل أحد أعضاء حزب الأمة، بصفته أستاذاً للاقتصاد.
وفي 29 آذار/مارس عام 2017، حكم على المدافع عن حقوق الإنسان والاقتصادي والأكاديمي البارز الدكتور ناصر بن غيث بالسجن لمدة 10 سنوات بموجب قانون الجرائم الإلكترونية وقانون مكافحة الإرهاب لعام 2014، وذلك على خلفية تغريدته حول انتهاكات السلطات المصرية لحقوق الإنسان وأيضا لانتقاده تسييس السلطة القضائية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وكانت لإدانته أيضا صلة بـ لقاءاته خارج البلاد مع المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السياسيين الذين تتهمهم السلطات الإماراتية بالانتماء لمنظمات إرهابية.
رفض بن غيث الحكم الصادر بحقه وكان ذلك من خلال إضرابه عن الطعام في 2 أبريل 2017 وتوجه ببيان للرأي العام من سجن “الرزين” أكد فيه براءته وأن محاكمته ليست بمحاكمة عادلة وأنها نالت من حرية الرأي والتعبير وتمت على يد قاض مصري.
في 25 فبراير/شباط 2018، بدأ بن غيث إضراباً آخر عن الطعام للاحتجاج على الأوضاع السيئة في سجن الرزين سيء السمعة والواقع في أبو ظبي. والرزين هو سجن ذو حراسة مشددة في الصحراء يستخدم للاحتفاظ بالناشطين، منتقدي الحكومة، والمدافعين عن حقوق الإنسان. وأنهى إضرابه عن الطعام بسبب تهديدات السلطات بتقييد الزيارات.
تدهور الوضع الصحي لبن غيث بشكل كبير نتيجة الإضراب والمعاملة القاسية التي يتعرض لها حيث تعمّدت إدارة سجن الرزين حرمانه من تناول دواء ارتفاع ضغط الدم ولم تؤمن له الرعاية الطبية الواجبة خاصة وهو يعاني من مشاكل صحيّة بسبب تعرضه للاختفاء القسري والتعذيب ووضعه في سجن انفرادي في خرق للمعايير الدولية الدنيا للاحتجاز وللقانون الاتحادي بشأن المنشآت العقابية.
دخل بن غيث في إضراب جديد عن الطعام يعتمد فقط على السوائل في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ولم تقع تحديد مدة الإضراب بصفة دقيقة وذلك لشدة التعتيم على قضايا معتقلي الرأي في دولة الإمارات ولكن من المرجح أنه استمر بين شهرين الى ثلاثة أشهر وقد أفادت مصادر موثوقة أن الدكتور ناصر بن غيث متعب جدًا ولديه أعراض مزمنة من التعب ولا يستطيع المشي أو استخدام قدميه. ولديه أيضا صعوبة في التنفس وفقد الكثير من وزنه.
انعكس التعذيب والتنكيل الذي مارسته السلطات الاماراتية على الدكتور ناصر بن غيث منذ اعتقاله بشكل خطير على وضعه الصحي وقد ازداد وضعه سوءا مع الاضراب عن الجوع الذي خاضه لأكثر من مرة حيث فقد الكثير من الوزن وضعف بصره جدا ويحتاج نظارة بالاضافة لمعاناته من ارتفاع ضغط الدم.
ويتم حرمان بن غيث من الحصول على الرعاية الطبية المناسبة والأدوية الخاصة بضغط الدم وهذا يأتي ضمن سياسة الإهمال الي تنتهجها السلطات ضد معتقلي الرأي متجاهلة بذلك معايير الأمم المتحدة لقواعد الحد الأدنى في معاملة السجناء، التي تقضي بمنحهم حقوقهم الأساسية مثل الرعاية الطبية الكافية.
ومع انتشار وباء كورونا حول العالم وتزايد أعداد المصابين بشكل كبير يوميا فإن المعتقلين في السجون الإماراتية ليسوا منأى عن هذا الخطر المحدق.
وسط التعتيم الكبير على وضع الحقوقي الأكاديمي ناصر بن غيث، طالبت المنظمات الحقوقية بالتزامن مع مرور ثلاث سنوات على صدور حكم 10 سنوات سجن ضده وفي ظل تفشي فيروس كورونا بالإفراج عن الدكتور بن غيث حيث قالت منظمة “منّا” لحقوق الإنسان مؤخرا :” في خضم تفشي كورونا ف”بن غيث” ضعيف للغاية لمواجهة الفيروس بسبب حالته الصحية السيئة في وقت يعيش ظروفاً صعبة”.
من جهتها طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” السلطات الإماراتية بالإفراج عن معتقلي الرأي في ظل أزمة كورونا وأدرجت أسم الناشط أحمد منصور والدكتور بن غيث حيث قالت ” تزايدت المخاوف بشأن تدهور صحة الناشطَين الحقوقيَّين المسجونَين ظلما أحمد منصور وناصر بن غيث، المحتجزَين في ظروف مزرية ومحرومَين من الرعاية الصحية في سجنَي الصدر والرزين”.
أما منظمة العفو الدولية فقد قالت إن الافراج عن معتقلي الرأي توقيا من فيروس كورونا أصبح ضرورة ملحة وكتبت ” ناصر بن غيث يعاني من ارتفاع في ضغط الدم في وقت تمنع عنه إدارة السجن الدواء. هذه الأوضاع تزيد احتمال تعرضه للإصابة بالمرض”.
وناصر بن غيث مازال الى اليوم قيد الاعتقال وهو يعد معتقل رأي وقرار حبسه هو انتهاك لحقوقه المكفولة بموجب الدستور الإماراتي وكذلك في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: “لكل إنسان حق في حرية التعبير. وتنص المادة 32 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان – الذي صدقت عليه الإمارات – على الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في نقل الأخبار إلى الآخرين بمختلف السبل. القيود الوحيدة المسموح بها على ممارسة هذا الحق هي التي يتم فرضها من أجل “احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة”. والمادة 13 (2) من الميثاق تنص على أن تكون جلسات المحاكمة “علنية إلا في حالات استثنائية تقتضيها مصلحة العدالة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان”.
وينص إعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان على أنه يتعين على الدول “اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لضمان حماية الجميع من العنف والتهديدات والانتقام والتمييز والضغوط أو أي عمل تعسفي آخر” نتيجة لمشاركته في النشاط الخاص بحقوق الإنسان.